صناعات مستدامة

تحديات الاستدامة في قطاع الاستزراع المائي

قطاع الاستزراع المائي

تحديات الاستدامة في قطاع الاستزراع المائي

نظرًا إلى أنَّ محيطات كوكبنا أصبحت معرَّضةً بشكل متزايد لتأثيرات الاحتباس الحراري، توسعت تربية الأحياء المائية باعتبارها وسيلةً رئيسيةً لتأمين الصحة المستقبلية لنظمنا البيئية البحرية. المصطلح الشامل لتربية الأحياء المائية يندرج تحته عددٌ من الفروع، مثل: الاستزراع السمكي، تربية الرخويات والقشريات، زراعة النباتات المائية.

وفقًا لأحدث ملخص لواضعي السياسات – صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، من المؤكد أنَّ الجزءَ العلويَّ مِن المحيطات (عمق من 0 –  700 متر) قد ارتفعت درجة حرارته منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن المحتمل جدًّا أنْ يكون التأثيرُ البشريُّ محركًا رئيسيًّا لهذا.

بدأ تأثير هذا الاحترار العالمي بالفعل في محيطاتنا، بسبب هجرة كثير من الأنواع إلى دوائر العَرْضِ العليا بالقرب من السواحل، مما سيؤدي إلى التأثير بشكل كبير في الموارد الساحلية، إضافةً إلى الانخفاض المتوقع في الصيد البحري السنوي بمقدار 1.5 مليون طن بالمعدل الحالي للاحترار العالمي.

يمكن لقطاع الاستزراع المائي أنْ يقدم إسهامًا ذا أهمية في مكافحة تغير المناخ، والحد من التلوث وحماية النظم البيئية، كما يمكن أن يكون -أيضًا- جزءًا من إدارة أكثر دائرية للموارد؛ ومِنْ ثَمَّ فإنَّ اتباعَ نهج استراتيجي طويل الأمد للنمو المستدام في تربية الأحياء المائية بين أنحاء العالم يُعَدُّ أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.

وفي ظل هذه المحنة المناخية التي نعيشها، اعتبرتِ الهيئةُ الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تربيةَ الأحياءِ المائية المستدامة استراتيجيةَ تكيفٍ مجدية في مجابهة الاحترار العالمي، وهو الأمر الذي كان له صدى بالفعل في أنحاء العالم، مع زيادة التمويل والدعم الموجَّهينِ نحو مشاريع استدامة تربية الأحياء المائية.

دور الأحياء المائية في مجابهة تغير المناخ

على الرغم من أنَّ هذا القطاع الصناعي مُعرَّضٌ بشكل كبير لتأثيرات تغير المناخ، فقد أصبحت تربيةُ الأحياءِ المائيةِ -بصورة واضحة- ذات إمكانات ضخمة؛ لأجل تحقيق سلسلة غذائية مستدامة، مقارنةً بالأشكال الأخرى من الثروة الحيوانية.

فيما يتعلق بالعوامل البيئية المرتبطة بالأشكال المختلفة من إنتاج اللحوم والدواجن والأسماك، نجد -على سبيل المثال- السلمون قادرًا على إنتاج كميات أكبر من اللحم بنسبة تصل إلى 61 كجم/ 100 كجم من العلف؛ ومقارنةً باللحم البقري (4 – 10 كجم/ 100 كجم علف)، أو حتى الدواجن (21 كجم/ 100 كجم علف)، نجد الأسماكَ حلًّا واعدًا ومستدامًا.

إنتاجية الأسماك ليست أعلى فحسب، وإنما ينتج عنها انبعاثات ثاني أكسيد كربون بِنَسَبٍ تكاد لا تُذكرُ مقارنةً بأنواع اللحوم الحمراء؛ إضافةً إلى أنها تستهلك مياهًا عذبةً أقل كثيرًا.

مِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ النظمَ البيئيةَ القائمةَ على الأرض ليست النظم الوحيدة القادرة على التحكم في دورة الكربون الحرجة، حيث إنَّ بعض المسطحات المائية يمكن أنْ تخزن الكربون أكثر بخمس مرَّاتٍ من الغابات المطيرة، بمساعدة من زراعة النباتات المائية والرخويات والأعشاب البحرية. في الواقع، يسمح استزراع بلح البحر والمحار بنمو عشب البحر “Kelps”، وهو نوع من الأعشاب البحرية التي تعمل على امتصاص الكربون.

من الأهمية بمكان أنْ يكون التحول نحو تربية الأحياء المائية موردًا غذائيًّا رئيسيًّا تحت مظلة الحفاظ على النظم البيئية البحرية القائمة، حيث إنَّ هذا لن يساعد في تقليل الانبعاثات البشرية المنشأ -باعتبارها السبب الرئيسي للاحترار العالمي- فحسب، وإنما سَيَحُوْلُ دون تأثير الاحترار في البيئات البحرية، مما سيحمي صناعة تربية الأحياء المائية في المستقبل.

المعوقات الحالية للصناعة

على الرغم من كل ما سبق، لا تزال هناك ممارسات غير مستدامة كبيرة في صناعة تربية الأحياء المائية، مما قد يؤدي إلى الإسهام في زيادة تدهور أنظمتنا البيئية.

في عام 2018 استهلكت الثروة الحيوانية القائمة على المياه 20 مليون طن من الأعلاف التي كان مصدرها مصايد الأسماك البرية، وبالنظر إلى أنَّ هذا الرقم يعادل ما يقرب من خُمس نسبة الصيد العالمي للأسماك، والتي تشكل نسبة عالية منه الأسماك الصغيرة؛ لذا من الواضح أنَّ هذا لا يمكن أنْ يستمر دون تعريض كثير من أنواع الأسماك لخطر الاختفاء في المستقبل، إضافةً إلى استهلاك الوقود الأحفوري جنبًا إلى جنب مع الانبعاثات المرتبطة بقوارب الصيد الكبيرة التي تسافر مسافاتٍ بعيدة، حتى تحول مفهوم الاستزراع المائي المستدام إلى مجرد موضوع للنقاش لا حقيقة مطبقة.

أمرٌ آخرُ، هو تجارة المأكولات البحرية على المستوى العالمي، حيث أصبحت محلات السوبر ماركت الكبيرة مطالبةً -بشكل دائم- بتوفير مخزون ثابت من مختلف الأنواع البحرية دون التركيز على الأنواع المحلية، مما يؤدي إلى استمرار حركة الواردات؛ وبالتالي المزيد من انبعاثات الكربون الناتجة عن عمليات النقل والشحن والتفريغ.

وللتغلب على تلك التحديات التي تحيط بهذه الصناعة الواعدة، يمكن العمل على مجموعة من الأمور، منها: الحد من الأمراض، وتطوير نموذج دائري لتربية أسماك التونة وغيرها من الأسماك، والحفاظ على سلسلة غذائية آمنة من الأعلاف، بالإضافة إلى تعزيز جودة الأعلاف؛ حتى تحتوي على نِسَبٍ أعلى من البروتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى