علوم مستدامة

كيف تفضح الفئران الوجه الخفي لأزمة المناخ العالمية؟

كيف تفضح الفئران الوجه الخفي لأزمة المناخ العالمية؟

في شوارع المدن الكبرى لم يعد الإنسان وحده من يتكيف مع حرارة الأرض المتزايدة، بل الفئران أيضًا؛ فمع كل ارتفاع في درجات الحرارة العالمية تتضاعف أعدادها في الظل، مستغِلَّةً ثغرات البنية التحتية وسوء إدارة النفايات، حيث تعيد رسم معالم الحياة الحضرية بأسلوب غير مسبوق؛ فهل نحن على أعتاب مستقبل تصبح فيه الفئران أكثر انتشارًا في المدن؟ هذا ما ستجيب عنه حماة الأرض في السطور الآتية؛ فتابعوا القراءة.

مدن الفئران

في تقرير حديث نشرته مجلة “Science Advances” حلَّل الباحثون بيانات 16 مدينة حول العالم؛ ليكشفوا عن ظاهرة مقلقة هي أن أعداد الفئران تضاعفت بوتيرة مرعبة، مدفوعة بارتفاع درجات الحرارة وسوء إدارة النُّفايات؛ ففي واشنطن قفز عدد الفئران بنسبة 390% وفي سان فرانسيسكو بلغ الارتفاع 300%، في حين شهدت نيويورك وتورونتو زيادات بلغت 162% و186% على التوالي.

عندما تسير في شوارع تورونتو تذكَّر أنَّ تحت قدميك في شبكة الصرف الصحي عالم كامل يعج بالفئران“، هكذا تصف كبيرة علماء الحشرات في شركة Orkin “أليس سينيا” المشهدَ المخيفَ الذي بات واقعًا يوميًّا لسكان المدينة؛ فالارتفاع غير المسبوق في أعداد الفئران ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لأعمال البناء المتزايدة، والفيضانات التي تجبر القوارض على الخروج إلى العلن، فضلًا عن ظاهرة الاحتباس الحراري.

وتشير تقارير عام 2023 إلى أن خط الطوارئ في تورنتو تلقَّى 1600 مكالمة استغاثة بشأن الفئران، وهذا مقارنة بـ940 فقط في 2019، وما يثير القلق بشكل خاص هو قدرة الفئران على التكيف السريع بخلاف الإنسان؛ فهي تجد دائمًا طرقًا جديدة للبقاء، في حين أن جهودنا لمكافحتها لا تزال غير فعالة.

تغيّر المناخ محرك خفي

إن تغيّر المناخ ليس مجرد أزمة بيئية نظرية، بل واقع ملموس تتجسد آثاره في أدق تفاصيل حياتنا، حتى في أكثر الكائنات غير المتوقعة؛ فالفئران التي كانت تموت بأعداد هائلة خلال فصول الشتاء القاسية باتت تجد في ارتفاع درجات الحرارة فرصة ذهبية للتكاثر بلا توقف؛ ففي السابق كان البرد القارس يعمل باعتباره مبيدًا طبيعيًّا، واليوم لم يعد فعالًا كما كان في ظل زيادة الاحترار العالمي؛ مما جعل المدن أمام موجات تكاثر خارجة عن السيطرة.

ولذلك يحذر العلماء من أن ارتفاع درجة حرارة المدن يؤدي إلى زيادة نمو أعداد الفئران بشكل ملحوظ؛ ففي عام 2023 كان العالم على موعد مع أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.6 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وإذا استمرت في الارتفاع فمن يدري كم عدد الفئران التي ستشاركنا مدننا في العقود القادمة؟

والأمر يتخطى كونه مجرد مشهد غير مريح في الأزقة الخلفية، فهو قضية تمس الاقتصاد والصّحة العامة والنظام البيئي؛ لأنَّ الفئران تتسبب في خسائر بمليارات الدولارات سنويًّا، حيث تدمر البنية التحتية، وتلحق أضرارًا بالمتاجر والمنازل، وتلوث مصادر الغذاء، والأسوأ من ذلك أنها تحمل أكثر من 60 مرضًا معديًا، وتشكل خطرًا مباشرًا على صحة الإنسان، وفي بعض المدن بدأت التأثيرات تمتد إلى الجانب النفسي؛ إذ أظهرت الدراسات أن التعرض المستمر للفئران يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات القلق والتوتر بين السكان.

ولم تستلم كل المدن لهذه الظاهرة، بل تتبنى بعض المدن نهجًا استباقيًّا لمكافحة هذه المشكلة؛ ففي طوكيو -التي تعد النظافة فيها قيمةً ثقافيةً راسخةً- يتم التعامل مع الفئران فور ظهورها لمنع تفشيها، أما في نيو أورلينز الأمريكية فقد نجحت حملات التوعية في إقناع السكان بتغيير سلوكياتهم، مثل عدم ترك النُّفايات في الأماكن غير المخصصة لها، والدرس هنا واضح: مكافحة الفئران لا تبدأ بالمصائد والسموم، بل بتغيير العوامل التي تسمح لها بالتكاثر والانتشار منذ البداية.

الفئران

خلاصة القول هي أنَّ محاربة انتشار الفِئران لا تنفصل عن أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إلى تحقيق مدن أكثر استدامة وصحة؛ فالهدف (11) من أهداف الأمم المتحدة يدعو إلى بناء مدن ومجتمعات مستدامة، كما أن الهدف (3) يؤكد أهمية الصّحة الجيدة والرفاه، وقد أصبح تحقيق هذه الأهداف جميعها ضرورة لمستقبل لا تصبح فيه الفِئران شريكًا دائمًا في حياتنا الحضرية.

وفي الختام، تحث حماة الأرض على تبني استراتيجيات بيئية متكاملة لمكافحة هذه الأزمة الصامتة، التي تهدد المدن وصحة البشر والتوازن البيئي؛ فما نواجهه اليوم ليس مجرد اجتياح مؤقت للفئران، بل انعكاس مباشر لعدم تحقيق الاستدامة في إدارة النُّفايات، وضعف البنية التحتية، وآثار التغيّر المناخي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى