أخبار الاستدامة

كيف تقود الحافلات الكهربائية التنمية في إفريقيا؟

كيف تقود الحافلات الكهربائية التنمية في إفريقيا؟

تواجه المدن الإفريقية تحديات بيئية وصحية جمة، وفي سياق الجهود العالمية لمواجهة تلك التحديات والتحول نحو الطاقة النظيفة والنقل المستدام، تحتضن مدينة ديربان بجنوب إفريقيا ملتقى مهمًّا يستمر من اليوم 11 فبراير حتى 13 من الشهر نفسه، ويندرج ضمن خطة التحول نحو الطاقة المتجددة وتحسين جودة الهواء، ويهدف إلى تسريع انتشار الحافلات الكهربائية في المدن الإفريقية.

وانطلاقا من دور حماة الأرض في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ونشر الوعي بقضاياها، فإنها تقدم متابعة شاملة لهذا الملتقى، تسلط فيها الضوء على أهمية التحول نحو النقل الكهربائي، وتبرز قصص النجاح والتحديات التي تواجه هذا القطاع في إفريقيا؛ مما يسهم في دعم صناع القرار وتبني حلول مستدامة أكثر فاعلية.

ينظم برنامج الأمم المتحدة للبيئة هذا الملتقى بالتعاون مع مؤسسات بيئية وتنموية، وبمشاركة مسئولين وخبراء من 29 مدينة وبلد إفريقي، ويعقد الملتقى في مركز مؤتمرات “إنكوسي ألبرت لوتولي” الدولي، الذي افتتحه نيلسون مانديلا عام 1997، بحضور مصنعي الحافلات الكهربائية، والمستثمرين، والخبراء الفنيين، لتبادل المعرفة والخبرات، ووضع خطط عمل مشتركة تسهم في دفع عجلة التحول نحو النقل المستدام، ومناقشة الحلول المبتكرة والتحديات التي تواجه النقل الكهربائي.

التأثير البيئي لوسائل النقل التقليدية

وبناءً على هذا الهدف، فإن تطوير حلول نقل مستدامة يمثل أولوية قصوى، حيث تُعتبر وسائل النقل التقليدية -خاصة تلك التي تعتمد على الوقود الأحفوري- واحدة من أكبر مصادر التلوث البيئي وانبعاثات الغازات الدفيئة، ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن حوالي 95% من طاقة النقل في العالم لا تزال تأتي من الوقود الأحفوري.

ويعتمد العديد من السكان في إفريقيا على وسائل النقل العام التي تعمل بالديزل، وغالبًا ما تكون قديمة ومسببة للتلوث، وتزداد هذه المشكلة سوءًا نتيجة ارتفاع نسبة الكبريت في وقود الديزل المستخدم في العديد من البلدان الإفريقية؛ مما يؤدي إلى انبعاث جسيمات ضارة مثل الكربون الأسود الذي يُعد من الملوثات الخطرة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري تسهم بشكل كبير في تغير المناخ؛ فوفقًا للوكالة الدولية للطاقة فإن قطاع النقل مسئول عن 8.4 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًّا، مما يجعله القطاع الثاني في كَمّ الانبعاثات بعد قطاع توليد الطاقة، وعلى الرغم من أن الشاحنات والحافلات تمثل أقل من 8% من المركبات -باستثناء الدراجات النارية- فإنها مسئولة عن أكثر من 35% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع النقل البري.

أهمية التحول إلى الحافلات الكهربائية

في مواجهة هذه التحديات يقدم التحول إلى الحافلات الكهربائية فرصة كبيرة لتحسين جودة الهواء وتقليل الانبعاثات الضارة وتعزيز النقل الحضري المستدام؛ فالحافلات الكهربائية لا تعتمد على الوقود الأحفوري، ومن ثم فهي لا ينتج عنها انبعاثات ضارة أثناء التشغيل، بالإضافة إلى أنها تسهم في تقليل الضوضاء وتحسين جودة الحياة في المدن.

وقد بدأت بعض المدن الإفريقية في استخدام الحافلات الكهربائية ضمن استراتيجياتها للنقل المستدام، وتأتي مصر في مقدمة تلك الدول؛ فقد أطلقت العديد من المشروعات الطموحة، من بينها مشروع الحافلة الخضراء الذي بدأ قبل عام 2019، ويشهد توسعًا مستمرًّا حتى بات يغطي معظم أحياء القاهرة الكبرى.

كما أطلقت مشروع “الأتوبيس الترددي السريع – BRT” على الطريق الدائري، الذي يتضمن تشغيل 100 حافلة كهربائية في المرحلة الأولى، ويهدف إلى تحسين جودة النقل العام وتقليل الانبعاثات الضارة، ومن المتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع في النصف الأول من العام الجاري.

ومن الأمثلة المستدامة الأخرى ما قدَّمته السنغال مؤخرًا، حيث أطلقت 150 حافلة كهربائية تعمل ضمن نظام النقل السريع بالحافلات في مدينة داكار، وتلك الجهود جميعها تُظهر أن التحول إلى الحافلات الكهربائية ممكن، ونستطيع الاعتماد عليه مستقبلًا باعتباره وسيلة أساسية للنقل داخل المدن أو خارجها.

محاور الملتقى وأهدافه

يهدف الملتقى إلى تأكيد أهمية هذه المشروعات، ودعم التحول نحو الطاقة المتجددة من خلال وضع نماذج أعمال فعالة لتمويل الحافلات صفرية الانبعاثات، عن طريق استكشاف آليات تمويل مبتكرة تسهم في تسهيل تطبيق هذه التكنولوجيا في المدن الإفريقية، وتوسيع نطاق استخدامها، كما يهدف إلى تسريع وتيرة انتشار هذه الحافلات وتعزيز الاعتماد عليها على مستوى القارة، من خلال معالجة التحديات الرئيسية التي تواجه المدن الإفريقية في هذا المجال الحيوي.

وستتناول المناقشات النماذج المالية التي تحفّز الاستثمار في الحافلات الكهربائية، مع ضمان استدامتها على المدى الطويل، بما يساعد على تخفيف الأعباء المالية عن الحكومات المحلية، كما ستتناول التكنولوجيا المتاحة وحلول البنية التحتية اللازمة لشحن الحافلات الكهربائية، وستعرض أحدث التطورات في تعزيز كفاءة البطاريات وأنظمة الشحن، إلى جانب مناقشة الحلول العملية لبناء بنية تحتية متكاملة تشمل محطات الشحن وشبكات الكهرباء الذكية، وهو ما يعد عنصرًا أساسيًّا لضمان التشغيل الفعّال والمستدام لهذه الحافلات.

وسوف يتيح الملتقى فرصة لتبادل الدروس المستفادة من المدن التي نجحت بالفعل في تنفيذ مشروعات الحافلات الكهربائية، حيث ستعرض تجارب هذه المدن وتناقش النجاحات التي حققتها والتحديات التي واجهتها؛ مما يسمح لبقية المدن الإفريقية بالاستفادة من هذه الخبرات وتجنب الأخطاء الشائعة، وهذا التبادل المعرفي سيسرّع من وتيرة التحول نحو النقل الكهربائي في القارة الإفريقية.

بالإضافة إلى ذلك سيناقش الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للتحول إلى الحافلات الكهربائية، ويشمل ذلك تحسين جودة الهواء والصحة العامة، فضلًا عن خلق فرص عمل جديدة في قطاعات التصنيع والصيانة، وسوف يسلط الضوء على استراتيجيات التحول العادل؛ لضمان استفادة جميع الفئات المجتمعية من هذه التكنولوجيا، بما يسهم في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة.

وعلاوة عن ذلك، سيحدد الملتقى التحديات العملية التي قد تواجه المدن الإفريقية عند تنفيذ مشروعات الحافلات الكهربائية، مثل ارتفاع التكاليف ونقص البنية التحتية، وستقدم حلول عملية ومبتكرة للتغلب على هذه العقبات؛ مما يمهد الطريق لتنفيذ ناجح وفعّال لهذه المشروعات، ويسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة لقطاع النقل في إفريقيا.

دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة

ولقد كان برنامج الأمم المتحدة للبيئة دور رئيسي في تعزيز النقل العام المستدام في المدن الإفريقية، مع التركيز بشكل خاص على الحافلات الكهربائية، حيث بدأت جهود البرنامج في هذا المجال في عام 2012 عند إنشاء تحالف المناخ والهواء النظيف، الذي يهدف إلى تقليل انبعاثات الملوثات المناخية قصيرة العمر مثل الكربون الأسود.

وقد بدأ تعاون البرنامج مع الحكومات الإفريقية منذ ذلك الحين، من أجل تطوير خطط استراتيجية وإجراء تقييمات لجاهزية التحول نحو مستقبل منخفض الكربون في قطاع النقل العام، وتم توسيع هذه الجهود لتصبح جزءًا من برنامج الأمم المتحدة العالمي للنقل الكهربائي، الذي يدعم الآن أكثر من 60 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل حول العالم -منها 15 دولة داخل إفريقيا- في التحول نحو النقل الكهربائي.

تحديات الانتشار في إفريقيا

على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يمكن أن توفرها الحافلات الكهربائية -على رأسها تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء- فإن هناك عدة تحديات تعوق انتشارها في القارة الإفريقية، ومنها: التكلفة العالية للحافلات الكهربائية مقارنة بنظيرتها التقليدية التي تعمل بالديزل، وهذه التكلفة المرتفعة لا تقتصر فقط على سعر الشراء، وإنما تمتد إلى تكاليف الصيانة والتشغيل؛ مما يجعل تطبيق هذه التكنولوجيا أمرًا صعبًا بالنسبة للعديد من المدن الإفريقية ذات الميزانيات المحدودة.

إلى جانب ذلك يمثل ضعف البنية التحتية لمحطات الشحن عقبة رئيسية أمام انتشار الحافلات الكهربائية؛ فهذه الحافلات تحتاج إلى محطات شحن متطورة ومتوفرة بشكل واسع، وهو أمر قد يكون صعب التحقيق في المدن التي تعاني أصلًا من نقص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

وتعد قلة القدرات الفنية تحديًا لا يمكن تجاهله، حيث إن إدارة الحافلات الكهربائية وصيانتها يتطلبان مهارات فنية متخصصة تختلف عن تلك المطلوبة للحافلات التقليدية، وهذا يعني أن المدن بحاجة إلى استثمار كبير في تدريب العاملين في قطاع النقل لتجهيزهم بالمعرفة والخبرة اللازمتين للتعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة.

وفي السياق نفسه، هناك تحديات اجتماعية مرتبطة بالتحول نحو الحافلات الكهربائية؛ فقد تواجه هذه المبادرات مقاومة من بعض الفئات، خاصة أولئك الذين يعتمدون على صناعة الوقود الأحفوري باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا لدخلهم، كما قد يتردد البعض في تقبل التكنولوجيا الجديدة بسبب مخاوف تتعلق بالأداء أو الاعتمادية، وهذه التحديات مجتمعة تتطلب استراتيجيات شاملة تتضمن دعمًا حكوميًّا، وتعاونًا بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى جهود توعوية لضمان نجاح انتقال المدن الإفريقية إلى وسائل نقل أكثر استدامة.

ولهذا السبب فإن هذا الحدث يمثل خطوة جادة نحو مستقبل نقل حضري مستدام في إفريقيا، حيث يسعى إلى تسريع التحول نحو الحافلات الكهربائية باعتباره حلًّا فعالًا لتحديات تلوث الهواء والانبعاثات الضارة، ومن خلال التغلب على العقبات المالية والفنية والاجتماعية، وتوفير الدعم منظمات دولية كبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، يمكن لإفريقيا أن تصبح نموذجًا للتحول نحو نقل مستدام، يحقق نموًا اقتصاديًا ويحسن جودة الحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى