كيف يغير الهيدروجين الأخضر مستقبل موانئ النقل البحري؟
كيف يغير الهيدروجين الأخضر مستقبل موانئ النقل البحري؟
وسط تسارع الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، يشهد قطاع النقل البحري تحولًا غير مسبوق قد يعيد رسم ملامحه بالكامل، حيث تم الكشف عن أسلوب جديد قادر على تشغيل قاطرات سَحْبِ السفن (tugboats) بالطاقة الهيدروجينية بدلًا من الوقود الأحفوري، وهذا في أثناء رسوها في الميناء؛ مما يُمثّل خطوة محورية نحو مستقبل أكثر استدامة لقطاع النقل البحري.
يطرح هذا التحول في قطاع النقل البحري تساؤلات جوهرية حول مستقبل الطاقة في الموانئ، ومدى قدرة الابتكارات الخضراء على إحداث فرق حقيقي في هذا القطاع، الذي يُعد من أكثر القطاعات إسهامًا في زيادة معدلات الانبعاثات الكربونية العالمية؛ لذا تسلط حماة الأرض الضوء في هذا المقال على هذا المشروع الرائد؛ فتابعوا القراءة لاكتشاف تفاصيل هذا المشروع.
شهد ميناء ليث (Leith) الإسكتلندي منتصفَ شهر مارس الماضي عرضًا حيًّا لنموذج عالمي يعمل على توليد الهيدروجين الأخضر من مصادر متجددة ونظيفة، بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية لقاطرات السَّحْبِ الراسية في الميناء. وهو مشروع يندرج ضمن الجهود العالمية للحد من التلوث البحري والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة، وهو كذلك ثمرة تعاون بين وكالة الابتكار البريطانية (Innovate UK) ووزارة النقل البريطانية، إلى جانب شركاء صناعيين بارزين، مثل شركتَي (Forth Ports)، و(Logan Energy).
ويمثل هذا المشروع محطة مفصلية في مسار التحول البيئي لقطاع النقل البحري؛ إذ يوفّر بديلًا نظيفًا لمولدات الديزل التقليدية التي تُستخدم عادة لتشغيل السفن الراسية في الموانئ، وقد تم تصميم نظام متكامل يعتمد على تقنية استخدام المياه المعالجة من محطة صرف صحي قريبة، وهو ما يجنّب استنزاف الموارد المائية الطبيعية، وتعتمد هذه التقنية -التي طوّرتها شركة Waterwhelm- على آلية ذكية لإعادة استخدام المياه وتحليتها بأقل قدر ممكن من الطاقة؛ مما يجعل إنتاج الهيدروجين أكثر كفاءة وأقل تكلفة بيئية مقارنة بالطرق التقليدية.
كيف نشأت فكرة المشروع؟
مما هو معلوم أنَّ قاطرات السحب الراسية في الموانئ تنتج تلوثًا بيئيًّا شديدًا، فبينما تكون راسية تستخدم مولدات تعمل بالديزل؛ لتشغيل أنظمتها في أثناء الرسو. وهذه المولدات تنتج كميات ضخمة من الغازات السامة -مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين- التي تسهم في تلوث الهواء وتفاقم أزمة التغير المناخي.
وفي هذا السياق، جاء مشروع ميناء ليث ليقدم حلًّا مبتكرًا للتصدي لهذه المشكلة البيئية، معتمِدًا على استخدام الهيدروجين الأخضر بدلًا من الوقود الأحفوري؛ إذْ إنَّ قاطرات السحب البحرية العاملة في الميناء، التي تُدار من قبل شركة (Targe Towing)، أصبحت الآن تستخدم الهيدروجين الأخضر لتشغيل أنظمتها في أثناء رسوها في الميناء؛ مما يقلل من انبعاث هذه الغازات السامة.
ويعتمد النظام الجديد على تقنية التحليل الكهربائي، التي تقوم بفصل الهيدروجين عن الأكسجين من المياه المعاد استخدامها، فهذه العملية لا تنتج أيَّ انبعاثات كربونية؛ وبالتالي توفر مصدرًا للطاقة النظيفة بالكامل. ولتحقيق ذلك تتولى شركة “Logan Energy” مسئولية توفير تكنولوجيا التحليل الكهربائي، في حين أنَّ شركة “PlusZero” تتولى مسئولية تشغيل مولدات كهربائية تعتمد على محركات احتراق داخلي تعمل بالهيدروجين؛ فتكون النتيجة توليدَ كهرباء صديقة للبيئة وآمنة على المدى الطويل، وهو أمر يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري في الموانئ.
ومن الجدير بالذِّكْر، هو أنَّ هذا المشروع جزء من مبادرة “مسابقة العروض التوضيحية البحرية النظيفة – الجولة الرابعة (CMDC4)، التي أطلقتها وزارة النقل البريطانية، بتمويل من وكالة (Innovate UK) ضمن برنامج (UK SHORE)، الذي يُعد واحدًا من أكبر البرامج الوطنية في المملكة المتحدة، بميزانيته البالغة 236 مليون جنيه إسترليني.
دور المشروع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
يأتي مشروع ميناء ليث في وقت يشهد فيه العالم تحولًا ملحوظًا نحو مصادر الطاقة النظيفة، حيث تسعى دول كثيرة إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وبذلك فإنَّ هذا المشروع يُعدُّ خطوة واسعة في طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي وضعتها الأمم المتحدة، حيث يسهم في تحقيق الهدف (7) المتعلق بضمان حصول الجميع على طاقة نظيفة ومستدامة وبأسعار معقولة، والهدف (13) الذي يركز على مكافحة تغير المناخ.
وإلى جانب خفض الانبعاثات الكربونية وتوفير الطاقة، يسهم المشروع في الحد من التلوث الناتج عن الأنشطة البحرية التقليدية، مما يعزز من استدامة الحياة تحت الماء، وهذا هو الهدف (14) من أهداف التنمية المستدامة؛ إذْ يركز المشروع على تعزيز استدامة الموارد البحرية، وحمايتها من التلوث الناتج عن قاطرات السحب الراسية في الموانئ.
التحديات والفرص
ورغم التقدم الملموس الذي يمثله هذا المشروع، فلا تزال هناك تحديات قائمة يجب مواجهتها، ومن أبرز هذه التحديات توفير البنية التحتية اللازمة لتخزين الهيدروجين ونقله بكفاءة، بالإضافة إلى ضرورة خفض تكاليف إنتاجه؛ كي يصبح أكثر تنافسية مع مصادر الطاقة التقليدية.
وفي مواجهة تلك التحديات، تسهم الاستثمارات المستمرة في هذا المجال، إلى جانب التعاون الفعّال بين القطاعين العام والخاص، في دعم فرص النجاح، وتسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، الذي يُعدّ أولوية في الخطط البيئية الدولية؛ مما يجعل هذه المبادرات جزءًا محوريًّا في مسار التحول نحو الطاقة النظيفة عالميًّا.
وتدرك حماة الأرض أنَّ مشروع ميناء ليث يمثل خطوة مهمة نحو مستقبل مستدام للنقل البحري، ويُعد مثالًا حيًّا على الإمكانات التي توفرها التقنيات النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر، وذلك ما يسهم إسهامًا شديدًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.