خطى مستدامة

اليوم الدولي للحفاظ على الأنهار الجليدية إنذار لحماية مواردنا المائية

اليوم الدولي للحفاظ على الأنهار الجليدية إنذار لحماية مواردنا المائية

تعد الأنهار الجليدية جزءًا أساسيًّا من التوازن البيئي ومصدرًا حيويًّا للمياه العذبة لمليارات البشر حول العالم، غير أن تقارير علمية حديثة تؤكد أن هذه الخزائن الطبيعية للمياه تتعرض لتراجع متسارع يهدد الأمن المائي العالمي، وهو ما يُعد مؤشرًا سلبيًّا في جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ولذا أعلنت الأمم المتحدة في ديسمبر 2022 أن 21 مارس من كل عام سيكون يومًا دوليًّا للحفاظ على الأنهار الجليدية، وفي هذا المقال تسلط حماة الأرض الضوء على أهمية هذا اليوم، وتوضح الجهود الدولية المبذولة للحفاظ على الأنهار الجليدية وضمان استدامتها؛ فتابعوا القراءة، واكتشفوا تفاصيل هذا اليوم وتأثيره في مستقبل كوكبنا.

ضرورة بيئية عاجلة

لم يكن إقرار اليوم الدولي للحفاظ على الأنهار الجليدية مجرد إجراء رمزيّ، بل جاء استجابة لتحذيرات علمية متزايدة من التراجع السريع لهذه الخزائن الجليدية، التي تختزن أكثر من 70% من المياه العذبة على كوكب الأرض، وقد أثبتت البيانات الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن عام 2023 شهد أكبر فقدان لكتلة الجليد منذ خمسين عامًا، حيث سجلت جميع المناطق الجليدية في العالم انخفاضًا غير مسبوق في سماكة الجليد، ومع تأكيد العلماء أن عام 2024 كان الأكثر حرارة في تاريخ كوكب الأرض، أصبحت الحاجة إلى التحرك الفوري أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خاصة وأن ذوبان الأنهار الجليدية يهدد الأمن المائي العالمي ويزيد من مخاطر الجفاف.

إعلان دولي في وقت حرج

في ظل هذه التحديات المتزايدة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية(WMO)  عن انطلاق السنة الدولية للحفاظ على الأنهار الجليدية في 21 يناير 2025؛ لتعزيز الجهود العالمية لحماية هذه الموارد الحيوية. وهذا الحدث يمثل علامة فارقة في التعاون الدولي لمواجهة أزمة ذوبان الجليد، التي تهدد حياة أكثر من ملياري إنسان يعتمدون على المياه الجليدية باعتبارها مصدرًا أساسيًّا للمياه العذبة.

ويؤكد هذا الإعلان أن اليوم الدولي للحفاظ على الأنهار الجليدية ليس مجرد مناسبة عادية، بل جرس إنذار عالمي يستدعي استجابة فورية؛ فهو فرصة لتحويل القلق العلمي إلى خطوات ملموسة، عبر تعزيز البحث، وتحليل تداعيات ذوبان الأنهار الجليدية، وصياغة حلول فعالة لمواجهة هذا الخطر المتفاقم.

أهداف اليوم الدولي للأنهار الجليدية

يهدف اليوم الدولي للحفاظ على الأنهار الجليدية إلى إطلاق أنشطة وبرامج علمية تسهم في تعزيز البحث العلمي، وزيادة الوعي المجتمعي، وحث الحكومات على اتخاذ قرارات حاسمة لحماية الأنهار الجليدية. وتقود منظمة اليونسكو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية هذه الجهود، بالتعاون مع أكثر من 75 منظمة دولية و35 دولة، في إطار توحيد المساعي العالمية لمواجهة هذا التحدي البيئي المتفاقم.

وتسعى تلك الجهود إلى تعزيز نظم مراقبة الأنهار الجليدية من خلال توسيع برامج الرصد باستخدام تقنيات الأقمار الصناعية وأدوات الاستشعار عن بُعد؛ لمتابعة معدلات الذوبان والتغيرات في سماكة الجليد، كما تركز على تطوير أنظمة إنذار مبكر للتعامل مع المخاطر الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية، مثل الفيضانات الناتجة عن انهيار الكتل الجليدية وارتفاع منسوب البحار نتيجة ذوبان الجليد القطبي.

إضافة إلى ذلك، يتم تسليط الضوء في هذا اليوم على أهمية إشراك المجتمعات المحلية والسكان الأصليين في عمليات الحماية، نظرًا إلى خبراتهم العميقة في التكيف مع البيئات الجليدية وضرورة دمج معارفهم التقليدية في إيجاد حلول مستدامة لمواجهة التغيرات المناخية.

التهديدات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية

تحمل الأنهار الجليدية في طياتها تاريخ المناخ القديم للأرض؛ فهي بمثابة أرشيف طبيعي يسجل التغيرات المناخية التي حدثت على مدى آلاف السنين، ومع ذلك فإننا نخسر هذا السجل البيئي الفريد بسبب أنشطتنا البشرية التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى ذوبان الأنهار الجليدية، وتهديد الأمن المائي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الذوبان لا يؤثر في الأمن المائي فقط، وإنما يمتد تأثيره إلى مجالات متعددة، بدءًا من ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة ذوبان الكتل الجليدية الضخمة، وانتهاءً بتغير النظم البيئية في العديد من المناطق؛ إذ تعتمد العديد من الأنهَار الكبرى في آسيا -مثل نهر اليانغتسي– على المياه الجليدية باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا لتغذيتها، ومع تناقص هذه المياه قد تواجه هذه المناطق أزمات جفاف طويلة الأمد تؤثر في الإنتاج الزراعي، وتوليد الطاقة الكهرومائية، واستدامة الحياة البرية.

والأمر الأكثر خطورة هو أن استمرار ذوبان الأنهَار الجليدية يؤدي إلى زيادة الكوارث الطبيعية مثل الانهيارات الجليدية والأرضية، والفيضانات المفاجئة؛ مما يعرض ملايين البشر للخطر؛ ففي عام 2021 شهدت الهند فيضانات قاتلة نتيجة انهيار جزء من نهر جليدي في ولاية أوتاراخند، وهو ما يعكس مدى خطورة هذا التهديد على المجتمعات القريبة من المناطق الجليدية؛ لذا فإن الحفاظ على الأنهَار الجليدية ليس مجرد قضية بيئية، بل هو مسألة بقاء للمجتمعات التي تعتمد عليها.

وفي ظل هذه التحديات المتزايدة، تدرك حماة الأرض أنه لم يعد التحرك لمواجهة هذه الأزمة خيارًا يمكن تأجيله، بل أصبح ضرورة ملحّة تتطلب التزامًا دوليًّا بتنفيذ استراتيجيات بيئية حقيقية تتجاوز الخطابات الرمزية، وتحفز الحكومات والمنظمات العالمية لاتخاذ إجراءات ملموسة لحماية الأنهَار الجليدية، بوصفها ضمانة لاستدامة الحياة على كوكبنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى