لماذا نحتفل بالمناسبات الدولية والعالمية؟
لماذا نحتفل بالمناسبات الدولية والعالمية؟
يحظى الإنسان في طريقه نحو التحضر والتطور بإنجازات مستدامة، ومع هذا فهناك احتمال قائم بأنْ تواجهه مشكلاتٌ في سعيه فوق كوكب الأرض. وهذه الإنجازات وتلك المشكلات في حاجَةٍ إلى زيادة الوعي بمضمونهما؛ حتى ينظر الناس في كل أرجاء العالم إلى الإنجازات الإنسانية فيقتدون بها، وتشيع بينهم الإيجابية، وأمَّا المشكلات فيعملون علَى معالجتها، والوقوف صفًّا أمام كل ما يمكن أنْ يؤدي إليها.
لقد كانت إنجازات البشرية وما تواجهه من مشكلات -بطبيعة الحال- سببًا رئيسيًّا في الاهتمام بكل صور التكافل والتكاتف في ما بيننا، وسببًا أيضًا في أنْ يداوم العالم علَى الإشارة إلى ضرورة بذل مزيد من الجهد في مجالات كثيرة، ووفقًا لمسارات التنمية التي اتفقت دول العالم علَى محاولة تحقيقها في أرض الواقع بعدالة وشمولية.
مِن هنا جاء ما يُطلق عليه “المناسبات الدولية والعالمية”، وهي مناسبات تشمل أيامًا وأسابيعَ وسنينَ وعقودًا دوليةً وعالميةً محددةً -بالإضافة إلى الاحتفال بالذكريات السنوية الخاصة بتاريخ الأمم المتحدة- لتكون دعوةً وفرصةً تثقيفيةً وتوعويةً حول ما أحرزته البشرية من نجاحات وما يعوقها من عقبات؛ فيصبح الناس جميعًا مدركين حقيقة الأوضاع الراهنة، لكي يساهموا معًا في الحفاظ علَى كوكب الأرض الذي يعيشون فوقه.
مناسبات الأمم المتحدة
لقد بدأ الاحتفال بهذه المناسبات الدولية والعالمية قبل إنشاء هيئة الأمم المتحدة، وبعدما أُنشِئتْ قررت الهيئةُ كثيرًا من هذه المناسبات، وجعلت لكل منها شعارًا خاصًّا، وموضوعًا تركز عليه المناسبة في إطار ما تدعو إليه من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
في هذه المناسبات الدولية والعالمية تنطلق المنظمات المختلفة ومكاتب الأمم المتحدة المتعددة، والحكومات، والمجتمع المدنيّ، والقطاع العامّ والخاص، وكذلك المدارس والجامعات، وعموم المواطنين في كل أنحاء العالم – إلى الاستفادة بهذه المناسبات؛ فتكون مؤشرًا علَى الاهتمام الذي يحظى به موضوع معين في كل جزء من أجزاء العالم.
ومنذ تأسيسها -عام 1945- قامت الأمم المتحدة بتحديد حوالي 200 يوم في مجالات عملها الرئيسيّ، وهو السلام والتنمية وحقوق الإنسان والعدالة والعمل الإنسانيّ عمومًا، حيث سلطت الضوء علَى المشكلات العالمية المرتبطة بالمناخ والبيئة والحقوق، وغيرها من الأهداف؛ أي أنَّ هذه المناسبات تجمع كل العالم علَى هدف واحد، تعلُّمًا مِن ماضينا، واهتمامًا بحاضرنا، واستشرافًا لمستقبلنا.
أمَّا عن كيفية إقرار مثل هذه المناسبات فلدى هيئة الأمم المتحدة خبراء يعملون علَى استكشاف كل ما في العالم من قضايا إيجابية أو مشكلات، وحينها يقترحون يومًا أو أسبوعًا أو سنةً أو عَقدًا، إمَّا للاحتفاء بظاهرة إنسانية وإمَّا للاهتمام بقضية عالمية تتطلب المكافحة والمعالجة.
ويمكن أيضًا لأيّ دولة من الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة اقتراح يوم دوليّ جديد، وبعدها يُطرح الاقتراحُ للتصويت في الجمعية العامة، وإذا جاء التصويت إيجابيًّا عملت إدارات الأمم المتحدة ذات الصلة علَى التنسيق بين الشركاء والمعنيين بالمناسبة المقترَحة، وبما يتناسب مع الخصوصيات الوطنية لكل دولة من الدول الأعضاء.
مناسبات مستدامة
هل تُحدث هذه المناسبات فرقًا؟ تعمل هيئة الأمم المتحدة علَى مدار 365 يومًا؛ محاوَلَةً منها لإلقاء الضوء علَى كل ما هو جدير بالاحتفاء، أو لأجل أنْ تدق جرس الإنذار لأيّ قضية من القضايا التي تواجه العالم في كل المجالات. ومما تجدر الإشارة إليه، هو أنَّ موقع الأمم المتحدة يشير إلى أنَّ صفحاته المتعلقة بالمناسبات الدولية والعالمية هي الصفحات الأكثر إقبالًا من زوار الموقع.
ولو دقَّقنا النظر لوجدنا هذه المناسبات تحفز هدفًا أو آخرَ من أهداف التنمية المستدامة، فاليوم الدوليّ للمرأة -علَى سبيل المثال- دعوة مباشرة إلى الحد من أوجه عدم المساواة بين الجنسين، والذي يمثله الهدف رقم (5) المساواة بين الجنسين.
وهناك اليوم العالميّ للمدن، الذي يلفت انتباه العالم إلى ضرورة بناء مدن تحفظ للإنسان صحته، وتحد من هدر موارده، وتحافظ علَى بيئته. ومما هو معلوم أنَّ كل ذلك يعكسه -بشكل مباشر- الهدفُ رقم (11) مدن ومجتمعات محلية مستدامة. ويبدو أنَّ الدعوةَ إلى هذا اليوم العالميّ جاءت للتعامل مع الزيادة المطردة في كثير من دول العالم، حيث يمكن أنْ تقضي علَى الأخضر واليابس.
أيضًا يمكن أنْ تساعد مناسبةٌ من هذه المناسبات علَى تحقيق أكثر من هدف من أهداف التنمية المستدامة في الوقت نفسه، ومثال هذا: اليوم الدوليّ لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء، الذي تناولته حماة الأرض في منصاتها الاجتماعية المختلفة؛ فهو -قبل أيّ شيء- صورة من صور تحقيق الهدف رقم (13) العمل المناخيّ، وبطبيعة الحال هذا العمل في حاجة إلى التشارك والتكاتف بين جميع دول العالم والمؤسسات المعنية، وهو ما يحقق -بشكلٍ أو بآخرَ- الهدف رقم (17) عقد الشراكات لتحقيق الأهداف. ويمكن أيضًا أنْ يعمل علَى تعميق الجهود المبذولة لتحقيق الهدف رقم (3) الصحة الجيدة والرفاه.
كذلك تستطيع المناسبة التي أُطلق عليها “عَقد الأمم المتحدة للزراعة الأُسرية” تعزيز العمل المتعلق بالهدف رقم (1) القضاء علَى الفقر، والهدف رقم (2) القضاء التام علَى الجوع؛ فعن طريق هذا النوع من الزراعات المعتمِدة علَى الجهود الفردية يمكننا زيادة الأمن الغذائيّ، وهذا لن يكون إلَّا من خلال استخدام مواردنا بصورة مسئولة؛ حتى نحصل علَى إنتاجية جيدة، وحينها يصبح عمل هؤلاء المزارعين خطوةً إيجابيةً نحو مكافحة الفقر، وتلبية إجراءات الهدف الخاص بالقضاء علَى الجوع.
وختامًا تدعوكم حماة الأرض إلى الاهتمام بمثل هذه المناسبات العالمية، وليس هذا من قبيل الرفاهية؛ لأنَّها مناسبات تلقي الضوء علَى قضايا مُلحة تهدد كوكبنا، وتنذر بمشكلات صحية وعواقب اجتماعية. وما الغاية من وراء كل هذا إلَّا تحقيق أهداف التنمية المستدامة تحقيقًا فعليًّا، بما يتلاءم مع دعوات الأجيال الحالية ومتطلبات الأجيال المستقبلية.