حوار خاص مع السفيرة/ نبيلة مكرم “مؤسِّسة ورئيسة فاهم للدعم النفسي”
حوار خاص مع السفيرة/ نبيلة مكرم “مؤسِّسة ورئيسة فاهم للدعم النفسي“
تشهد مصر حاليًّا مسيرةً خضراءَ فيما يتعلق بإعادة بناء المفاهيم المتعلقة بالمرض النفسيّ، انطلاقًا من أنَّ الصحةَ النفسيةَ أداةٌ مهمةٌ من أدوات تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
لذا، سوف نفتحُ معكم ملفاتِ المرض النفسيّ المغلقةَ في حوارنا مع السفيرة/ نبيلة مكرم «مؤسِّسة ورئيسة مجلس أمناء مؤسَّسة فاهم للدعم النفسي»، التي تعمل بتفانٍ لأجل نفوس سوية وصحة مستدامة.. فإلى سطور الحوار.
لمعالي السفيرة/ نبيلة مكرم مسيرة مهنية خضراء، كانت عونًا على دعم التحول نحو مفاهيم تنموية في المجتمع المصريّ؛ فما أهم خطوط هذه المسيرة التنموية؟
الدعم النفسيّ مِن الملفات المسكوت عنها، بل إنَّ الأمر كان استدامةً من نوعٍ آخرَ؛ كان استدامةً سلبيةً، حيث يقول الناس: نريد أنْ نظلَّ كما نحن، وألَّا نُفصح عن آلامنا النفسية.
مِن هنا، كان هدفُ مؤسسة «فاهم للدعم النفسي» هو تغيير مفهوم الاستدامة في مجال المرض النفسيّ، ومكافحة وصمة العار التي التصقتْ بهذا المجال، حتى فقدنا كثيـرًا من الأرواح؛ لذا نسعى في المؤسسة إلى توضيح مفهوم المرض النفسيّ بالأساليب التوعوية، وقد نفَّذنا 100 نشاطٍ خلال عامٍ؛ لأجل نشر رسالتنا.
إننا نحاول إلقاء حجر في المياه الراكدة؛ حتى يُفصح الناسُ عما في داخلهم؛ لذا قررنا أنْ تكون مؤسسةُ «فاهم للدعم النفسي» حقيقةً استداميَّةً في أرض الواقع، وليست مجردَ نظرياتٍ؛ لنحققَ حينئذٍ استدامةً حقيقيةً.
كيف ترى السفيرة/ نبيلة مكرم أهميةَ الشراكات لتحقيق التنمية المستدامة؟
لا شكَّ في أنَّ الشراكات مهمة، ودورنا -باعتبارنا منظمةَ مجتمع مدنيّ- هو أنْ نتشارك مع الدولة، وهذا هو جوهر أهداف التنمية المستدامة؛ لذا كانت لنا بروتـوكـولات تعاون عديدة مع مؤسسات الدولة.
هذه الشراكات تُعدُّ صورةً تكامليةً لأهداف التنمية المستدامة؛ فعندما تعمل الدولة مع منظمات المجتمع المدنيّ لأجل هدف صحيّ تنمويّ، فإنَّ هذا يعزز الإنتاج والاقتصاد.
شعار مؤسسة فاهم «اسمع – افهم – اتكلم»؛ فما السر والهدف خلف هذا الترتيب؟
كان شعارنا في العامِ الماضي «افهم – اسمع – اتكلم»، فالفهم أولًا، ثم الاستماع، وبعده التكلم. لكننا اكتشفنا بعد مرور عامٍ أنَّ الأهمَّ هو الاستماع، فقد يكون الإنسان في حاجَةٍ إلى التعبيـر عما في نفسه ولم يستمع إليه الآخرون، أو أنهم يستمعون إليه ولكنهم ينتقدونه، أو أنهم يستخفون بآلامه الداخلية.
إنَّ رسالتنا إلى المجتمع: اسمعوا دون نقد، اسمعوا دون حُكم، اسمعوا في جميع الأحوال؛ لأنه كلما سمعنا الآخرَ فهمنا بواطنَ الأمور وحقيقتها، وبعد هذا يأتي التكلم، فنساعد على تجاوز المحنة النفسية. وشعارنا هذا يؤدي رسالةً توعويةً، وفي الوقت نفسه يعمل على بث شعور الاطمئنان في نفوس الناس.
ما أهم بروتوكولات التعاون التي تُنظمها المؤسَّسة؟
كل البروتوكولات مهمة، إلا إنَّ أهمها هو بروتوكول المشورة؛ فنحن شعب متدين، وللشيخ والقسيس مكانة في نفوسنا مسلمين ومسيحيين. وإذا كان الشيخ والقسيس على درجة من الوعي والإدراك -لا أقول: على درجة من التعمق- لموضوعات الصحة النفسية، فسوف ننقذ كثيـرًا من الأرواح؛ لأنَّ الإيمانَ بالله يمنحنا التماسكَ النفسيّ!
يجب أنْ ندرك أنَّ إصابتنا بالمرض أو الإرهاق النفسيّ أمر طبيعيّ، وهنا يأتي دور الشيخ والقسيس اللذينِ يشجعانِ على الذهاب إلى الطبيب النفسـيّ؛ لذا أرى أنَّ أهمَّ بروتوكول هو بروتوكول الكنيسة والأزهر، لاسيما وأنَّ فضيلةَ الإمام الأكبر وقداسةَ البابا يتمتعانِ بقدر كبير من الفكر المستنير.
كيف يمكن دمج المتعرض للآلام النفسية في المجتمع؟
إنَّ علاجَ هذه المشكلة يحتاج إلى سنوات؛ لأننا نحتاج أولًا إلى أنْ نجعل المجتمع يقبل المريض النفسيّ، أمَّا خطوة الدمج فسوف تكون شغلنا الشاغل في المرحلة القادمة؛ لذلك نريد أنْ ندعو في مرحلة لاحقة رجال الأعمال إلى تأسيس مشروعات قومية كالمزارع، لتكون خطوةً نحو إعادة دمج هؤلاء في المجتمع.
مثل تلك الأفكار ستساعد -بلا شك- على دمج المرضى النّفسيين في المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى ستكون خطوةً نحو تعزيز الاقتصاد الوطنيّ، بخاصة وأنَّ كثيـرًا من الذين يشعرون بالإرهاق النّفسيّ شديدو الذكاءِ، ويمكنهم تنفيذ مختلف الأعمــال ببراعة.
هل سيكون هذا الدمج التدريجيّ دون الإفصاح عن التاريخ المرضيّ لهؤلاء، مثلما رأينا في احتفالية المؤسسة بمرور عامٍ على تأسيسها؟
لقد أردنا مما فعلناه في الاحتفالية أنْ نمحي أسطورةَ أنَّ المريضَ النّفسيّ مجنونٌ، ليطمئن كلُّ مَن يجلس إلى جوار هؤلاء المرضى، وأنْ نؤكد أنهم ليسوا خطيرين. أمَّا ما أقصده من دمجهم في المشروعات القومية هو أنْ يكونوا مختلطين مع أناس يشبهونهم؛ حتى يدركوا أنهم ليسوا وحيدين في هذا الأمر، وبعد هذا يمكننا دمجهم في المجتمع بصورة أوسع.
مِن ضمن الخدمات الكثيـرة التي تقدمها «مؤسَّسة فاهم» خدمة تنمية المجتمع، فما أبرز أنشطة هذه الخدمة؟
تنحصر خدماتنا في مجال التوعية، وكذلك في مجال التنمية والتطوير، مثل مشاركتنا في تطوير مستشفى العباسية، الذي شوَّهت السينما حقيقته. وهناك استطعنا -بالتعاون مع بعض رجال الأعمال- تطوير ستة عنابر، بالإضافة إلى تجديد البنية التحتية الخاصة بحمامات المستشفى. ومثل هذه الجهود نفذناها أيضًا في الخانكة والمعمورة والدمرداش.
معالي السفيرة/ نبيلة مكرم، ألا تتفقيـن معنا على شدة تأثيـر الإعلام في مجال الطب النّفسيّ؟
يمكنني أن أقول: إنَّ الأعمالَ الدراميةَ والسينمائيةَ كانت سببًا أساسيًّا في انتشار ثقافة أنَّ المرضَ النّفسيّ وصمةُ عار؛ فخرجت أجيالٌ تعتقد أنَّ المريضَ النّفسيّ مجنونٌ، والدكتورَ كذلك، حتى إننا نُعامل أدوية المرض النّفسيّ معاملة المخدرات! لكن -للحقيقة- بدأت بعض الأعمال الدرامية في إعادة تحويل هذا المسار، وتغييـر المفاهيم المتراكمة نوعًا ما، من خلال تناول المرض النّفسيّ بموضوعية بعيدًا عن السخرية والفكاهة.
في الختام تشكر حماة الأرض السفيـرة/ نبيلة مكرم علَى هذا الحوار الذي فتح كثيـرًا من آفاق المرض النّفسيّ في الواقع المصريّ؛ محاوَلةً منَّا على تأكيد أنَّ المرضَ النّفسـيّ ليس وصمة عار.