ما التحول الرقمي؟
ما التحول الرقميّ؟
يشهد العالمُ -حاليًّا- تطورًا هائلًا في مجال التكنولوجيا، بخاصة تكنولوجيا التحول الرقميّ، التي لا يمكن تجاهل أهميتها؛ لأنَّ التحول الرقميّ يساعد علَى تحسين الكفاءة الإنتاجية، ويعمل علَى توفير الوقت والجهد، كما أنَّه يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا في صور المشاركة المجتمعية، ويضمن لنا توفير فرص جديدة في مجالات مثل التعليم والصحة والأعمال التجارية والحكومة الإلكترونية بصورة مستدامة. ويُعدُّ التحول الرقميّ -أيضًا- تحديًا وفرصةً في الوقت نفسه، وهذا ما سنوضحه في مقالنا: ما التحول الرقميّ؟
في البدء علينا أنْ ندركَ أنَّ شركاتٍ عديدةً قد أدركت أهميةَ هذا التحول الرقمي، وأدركت -أيضًا- مدى تأثيره الإيجابيّ في تحقيق نمو اقتصاديّ واجتماعيّ سريع ومستدام. ولأجل مناقشة ذلك كله -بصورة دقيقة- يجب أنْ نتعرف أولًا علَى مفهوم التحول الرقمي، ثم الإجابة عن السؤال الأهم: لماذا أصبح موضوعُ التحول الرقمي محورَ اهتمام الشركات في عصرنا الحديث؟
مفهوم التحول الرقمي
إنَّ كثيرًا مِن خبراءِ التحول الرقميّ وصناعِ القرار في الشركات يعلمون مدى أهمية تبني أنظمة مرنة، وقادرة علَى إزالة الفجوة بين العمل في بيئات العمل الواقعية وبيئات العمل الافتراضية. وهو أمر قد شاهدناه في أثناء جائحة كورونا، حيث أعادت هذه الأزمةُ العالميةُ تشكيلَ سوق الأعمال، وأدَّتْ إلى ظهور مفهوم “الرقمنة”، باعتباره محركًا من محركات عملية التحول الرقميّ.
يتمثل التحول الرقميّ في استخدام التكنولوجيا الرقمية؛ لتحويل وتحسين العمليات التجارية وتجارب العملاء، وتلبية متطلبات السوق المتغيرة. وهذا التحول الرقميّ يتجاوز الأدوارَ التقليديةَ في القطاعات كافةً، حيث يمكننا استخدام التطبيقات الذكية، وقواعد البيانات لإدارة أعمالنا.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر التحول الرقميّ فرصًا لإعادة تصور كيفية تنفيذ أعمالنا الاستثمارية، وكيفية التفاعل مع عملاء العلامات التجارية باستخدام التكنولوجيا الرقمية. وبالنسبة إلى الأعمال الصغيرة الناشئة يمكننا بناء عملياتها التجارية بشكل رقميّ من البداية حتى النهاية؛ فيمنحها هذا قدرةً علَى النمو والاستدامة في المستقبل. ومن هذا المنطلق يُعتبر التحول الرقميّ خطوةً حاسمةً للشركات، حيث يُدعم التفكيرُ والتخطيطُ الرقميّ معدلات التنافسية، ومؤشرات الاستعداد للنمو في القرن الحادي والعشرين.
فوائد التحول الرقميّ
- زيادة الكفاءة وتحسين الإنتاجية: يمكن للتحول الرقميّ تحسين كفاءة العمليات وزيادة الإنتاجية، وهذا عن طريق تطبيق التكنولوجيا الرقمية. ويمكن اتمام العمليات المتكررة وإدارة البيانات بشكل أكثر فاعليةً؛ فنوفر الوقتَ، ونُقلل الجهدَ والأخطاءَ البشرية.
- تحسين تجربة العملاء: يتيح التّحول الرقمي للشركات توفير تجربة عملاء مُحَسَّنة ومتكاملة. وحينئذٍ يمكن للعملاء الوصول إلى المنتجات والخدمات بسهولة عبر الإنترنت، والتفاعل مع الشركة عَبْرَ وسائل تواصلها ومنصاتها الرقمية، والاستمتاع بخدمة عملاء تُلبي أذواقهم وتفضيلاتهم الشرائية؛ مما يساهم في النمو الاقتصاديّ.
- توفير التكاليف وزيادة الربحية: يمكن للتحول الرقمي تقليل التكاليف التشغيلية، عن طريق الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، وجعل عمليات التشغيل التقليدية عملياتٍ رقميةً مستدامةً؛ فيمكن للشركات حينئذٍ توفير الموارد والوقت، وتقليل التكاليف المرتبطة بالتشغيل، وهذا يساهم في زيادة الربحية، ويُعزز نموَّ الشركات.
- تعزيز التنافسية: يمكن للتحول الرقمي أنْ يساهم -أيضًا- في تعزيز التنافسية بين الشركات في سوق الأعمال، وهذا من خلال تبني التكنولوجيا الرقمية، وتحسين العمليات التشغيلية، وتقديم خدمات رقمية مبتكرة تعمل علَى جذب مزيد من العملاء. كما يمكن للتحول الرقميّ تمكين الشركات من اكتشاف فرص جديدة للابتكار، وتطوير منتجاتها وخدماتها؛ لتلبية احتياجات ورغبات عملائها.
لذلك كله، يمكن أنْ يؤدي التّحول الرقميّ إلى تحقيق نتائج أفضل في مختلف الصناعات والكيانات الاستثمارية، وفي ما يأتي بعض الأمثلة:
- التصنيع: يمكن لتقنية إنترنت الأشياء (Internet of Things) أنْ تُحَسِّنَ كفاءةَ عمليات التصنيع من خلال تمكين الصيانة التنبؤية، عن طريق توفير بيانات متعددة للمعدات والأنظمة؛ لأجل تحديد التحسينات اللازمة، وتجنب التوقف عن العمل، أو تجنب إنتاج منتجات معيبة. ولمزيد حول هذه التقنية وغيرها يمكنكم مطالعة مقال: الثورة الصناعية الرابعة.. الأدوات والتأثيرات.
- البيع بالتجزئة: يعمل التحول الرقميّ في مجال البيع بالتجزئة على تحسين تجربة العملاء، وهذا من خلال توفير قنوات تفاعلية، وإتاحة تجارب مخصصة لرغبات هؤلاء العملاء، حيث يمكن للتكنولوجيا الرقمية -مثل الذكاء الاصطناعيّ، وتحليلات البيانات- أنْ تساعد علَى تحسين توصيات المنتجات.
- الرعاية الصحية: للتحول الرقميّ دور في صناعة الرعاية الصحية، خاصةً دوره في تحسين الجودة وتقليل التكاليف؛ لأنه يمكن لتكنولوجيا مثل السجلات الطبية الإلكترونية، والاستشارات الطبية عَبْرَ الإنترنت؛ أنْ تساهم في تسهيل الوصول إلى رعاية صحية متميزة، وتحسين تجربة المرضى.
- المدن الذكية: يعمل التحول الرقميّ في المدن الذكية علَى تحسين كفاءة البنية التحتية، وتوفير خدمات أفضل للمواطنين؛ فإنه يمكن لتقنيات مثل أجهزة الاستشعار عن بُعد، والذكاء الاصطناعيّ؛ أنْ تسمح بمراقبة المَرافق، وتعزيز السلامة العامة، وتحسين الاستدامة البيئية.
- التدريب والتعليم: يوفر التحول الرقميّ في مجال التعليم والتدريب المهنيّ فرصًا جديدةً للتعلم المبتكر. ويمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية -مثل تكنولوجيا الواقع المعزز، والواقع الافتراضيّ- لتحسين عمليات التدريب، وتوفير تجارب تعليمية مُحَسَّنة، وملائمة للطلاب والمعلمين في آنٍ معًا.
وأمَّا عن تحديات التحول الرقميّ في المجتمعات الحديثة، فتتمثل في عدم وجود رؤية واضحة، والأهم من هذا هو أنَّ كثيرًا من موظفي الحكومات والقطاعات الخاصة ما يزالون يقاومون آليات التحول الرقميّ؛ لشعورهم بالخوف، أو بسبب عدم يقينهم من جدوى التحديث والتطوير.
ومن التحديات الأخرى: نقص المهارات والقدرات التي يستلزمها التّحول الرقميّ، وهذه الصعوبة يمكن تذليلها عن طريق البرامج والورش التدريبية، التي تساعد علَى تثقيف الموظفين بهذه التكنولوجيا الواعدة. ويُستحسن أنْ تشمل هذه البرامجُ تدريباتٍ مكثفةً علَى إدارة الأمن السيبرانيّ؛ لتفادي أخطار التقنيات الرقميّة، حيث يمكن أنْ تتعرضَ الشركاتُ لهجمات اختراق.
باختصار، يُعدُّ التّحول الرقميّ محورًا من محاور المؤسسات والصناعات في عالمنا الحديث، ويمكن للتكنولوجيا الرقميّة عامةً أنْ تُحدِثَ تغييرًا جذريًّا في طريقة عمل المؤسسات، وأنْ تدفعَ بالمجال الاقتصاديّ -وكذلك مجال خدمات المواطنين- إلى النمو المستدام، وتحقيق نتائج تنافسية؛ لذا ينبغي للمؤسسات والشركات الاستثمار في التّحول الرقميّ، وتبني استراتيجيات ملائمة للاستفادة الكاملة من فوائده.
في الختام نقول: إنَّ التّحول الرقميّ ظاهرةٌ تكنولوجيةٌ مهمةٌ، ومؤثرةٌ -بصورة إيجابية- في عصرنا الحديث؛ ولذا حاولت حماة الأرض في هذا المقال أنْ توضح هذا المفهوم، ليكون تصورًا لكيفية رقمنة الخدمات العامة والخاصة؛ لتصير حياةُ المواطنين أكثر استدامةً.