مصر واليونان.. شراكة استراتيجية نحو مستقبل مستدام
مصر واليونان.. شراكة استراتيجية نحو مستقبل مستدام
في خطوة استراتيجية تعكس عمق العلاقات بين مصر واليونان، تتجه البلدان نحو تعزيز شراكتهما الاستراتيجية من خلال تأكيد التزامهما بمشروع الربط الكهربائي البحري”GREGY”، الذي يهدف إلى نقل الطاقة المتجددة من شمال إفريقيا إلى أوروبا، بما يعكس التزام البلدين العميق بالتنمية المستدامة، ويعزز من مكانتهما باعتبارهما محورين رئيسيين في سوق الطاقة العالمي، في وقت تتسارع فيه الخطى نحو التحول الأخضر.
ومن هنا تستعرض حماة الأرض في هذا المقال أبعاد هذا التعاون المتنامي، بوصفه نموذجًا عمليًّا للتكامل الإقليمي في خدمة التحول الأخضر، وانعكاسًا لرغبة مشتركة في بناء شراكات مستدامة، كما ستلقي الضوء على ما يحمله هذا التعاون من فرص استراتيجية نحو تحقيق التنمية المستدامة.
تطور العلاقات بين مصر واليونان
شهدت العلاقات بين مصر واليونان خلال السنوات الأخيرة تطورًا نوعيًّا في شتى المجالات، مدفوعة برغبة مشتركة في ترسيخ الشراكة الاستراتيجية وتوسيعها، وقد تُوج هذا المسار بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أثينا مطلع الشهر الجاري، حيث تم إطلاق مجلس التعاون الأعلى بين البلدين، وهو إطار مؤسسي جديد يعزز التنسيق السياسي والاقتصادي طويل المدى.
وفي هذا السياق، وُقّعت مجموعة من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية، شملت قطاعات متنوعة، مثل الطاقة، والثقافة، والنقل البحري، والاتصالات. كما جرى الاتفاق على شراكة استراتيجية جديدة تُعنى بتعزيز الاستقرار في شرق البحر المتوسط؛ الأمر الذي يعكس توافق البلدين على أهمية العمل المشترك في مواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة.
تفاصيل مشروع كابل الكهرباء
وفي هذه الزيارة التي أشرنا إليها سابقًا جدد الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” التزام البلدين بمشروع كابل الكهرباء، الذي يُعد أول رابط مباشر من نوعه بين قارة إفريقيا وقارة أوروبا لنقل الكهرباء المولدة من مصادر متجددة.
ويمتد الكابل الكهربائي البحري على مسافة تقارب 1000 كيلومتر تحت مياه البحر الأبيض المتوسط، بقدرة نقل تصل إلى 3000 ميجاواط، ويهدف هذا المشروع الاستراتيجي إلى تمكين مصر من تصدير فائض الطاقة النظيفة إلى أوروبا، مع توفير بديل مستدام للطاقة التقليدية.
ومن المتوقع أنْ يبدأ تشغيل المشروع خلال خمس سنوات، وفقًا للجدول الزمني الذي وضعته حكومتَا مصر واليونان، ويأتي هذا الموعد في إطار خطة مدروسة تضمن التنفيذ التدريجي للمراحل الفنية واللوجستية، بما يشمل مد الكابل البحري وإنشاء البنية التحتية المصاحبة.
ويُنتظر أن يُسهم المشروع -عند دخوله حيز التشغيل- في تعزيز قدرة أوروبا على استيراد الطاقة النظيفة من شمال إفريقيا، خاصة من مصر التي تمتلك إمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
الأبعاد الاستراتيجية للمشروع
يمثل مشروع كابل الكهرباء أكثر من مجرد تعاون فني أو اقتصادي؛ إذ يرمز إلى نقلة نوعية في العلاقات الإقليمية بين ضفتي المتوسط، وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته أن هذا الربط الكهربائي هو مشروع إقليمي بامتياز، يفتح أفقًا واسعًا للتكامل بين إفريقيا وأوروبا في مجال الطاقة النظيفة، ويُعد منصة جديدة لتعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية.
وفي السياق نفسه أوضح رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” أهميةَ المشروع في تأمين مصادر طاقة موثوقة ومنخفضة التكلفة لأوروبا، خاصة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية المتزايدة، وأشار إلى أن الاعتماد على الطاقة المتجددة من مصر -خاصة طاقة الرياح- يُعد خيارًا اقتصاديًّا واستراتيجيًّا لبلاده وللاتحاد الأوروبي على حد سواء.
دور المشروع في تعزيز التعاون بين البلدين
ويأتي هذا المشروع في سياق أوسع من العلاقات الثنائية المتنامية بين مصر واليونان، حيث تسعى الدولتان إلى تنويع مجالات الشراكة بما يشمل الطاقة، والبيئة، والاستثمار، والسياحة، والأمن. وقد عكست المباحثات الثنائية الأخيرة توافقًا واضحًا بشأن ضرورة تنسيق الجهود لتعزيز الاستقرار في شرق المتوسط، والتعامل المشترك مع تحديات الهجرة، وأمن الملاحة، وظاهرة التغير المناخي.
وفي الوقت نفسه تسعى اليونان إلى لعب دور داعم لمصر داخل الاتحاد الأوروبي، حيث أكد رئيس الوزراء اليوناني التزام بلاده بالعمل على تعزيز العلاقات المؤسسية بين القاهرة وبروكسل، بما ينعكس إيجابًا على مصالح الطرفين، كما شدد على أن مصر تُعد شريكًا موثوقًا في منطقة الشرق الأوسط، وتقوم بدور محوري في الحفاظ على استقرار المنطقة.
آفاق مستقبلية للتنمية المستدامة
ويمثل مشروع كابل الكهرباء خطوة جادة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك المتعلقة بالطاقة النظيفة والعمل المناخي؛ فمع انطلاق التنفيذ الفعلي للمشروع، يُتوقع أن يشكل هذا الربط الكهربائي نموذجًا للتعاون الدولي في مواجهة أزمة الطاقة العالمية، وتفعيل دور مصر باعتبارها مركزًا إقليميًّا لإنتاج وتصدير الطاقة المتجددة.
كما تشير التقديرات إلى أن المرحلة التجريبية للمشروع ستبدأ بحلول عام 2028، مع احتمالية زيادة السعة في مراحل لاحقة وفقًا للطلب الأوروبي، وهذا ما يعزز من فرص توفير وظائف جديدة، وتنشيط الاقتصاد المحلي، وتحقيق فوائد بيئية ملموسة من خلال تقليص الانبعاثات الكربونية، وتحفيز الاستثمارات في قطاع الطاقة الخضراء.
وعلى ذلك ترى حماة الأرض أن هذه التطورات المتسارعة في العلاقات المصرية اليونانية تبرز نموذجًا متقدمًا للتعاون الاستراتيجي، يقوم على المصلحة المشتركة والرؤية التنموية الواضحة، وأن مشروع الربط الكهربائي البحري تجسيد عملي لهذا التعاون.