مكاسب الأسبوع العربي للتنمية في حوار خاص مع السفيرة/ ندى العجيزي
مكاسب الأسبوع العربي للتنمية في حوار خاص مع السفيرة/ ندى العجيزي
للمنطقة العربية مكانة تفرض علينا تحفيز كل الجهود، لتفعيل مسارات التنمية المستدامة؛ حتى يعود ذلك بالنفع على نمو اقتصاداتها واستقرار شعوبها، وهو الأمر الذي يُبلور دور منصة حيوية في مجال تعزيز الاستدامة الشاملة، وهي الأسبوع العربي للتنمية المستدامة.
مِن هنا، كان لحماة الأرض هذا الحوار مع السفيرة/ ندى العجيزي -الوزيرة المفوضة، ومديرة إدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي في جامعة الدول العربية- الإنسان الأقدر على فتح ملفات التنمية العربية، واستكشاف تحدياتها من خلال تسليط الضوء على أبرز ما قدَّمه الأسبوع العربي للتنمية في نسخته الخامسة.. فإلى سطور الحوار.
بعنوان “حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل.. المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور” انطلقت -تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي- فعاليات النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة، والذي يُعد حدثا تحويليًّا لتمهيد الطريق إلى مستقبل عربيّ يتسم بالاستقرار والاستدامة؛ حَدِّثِينَا عن فعاليات هذا الأسبوع ومدى أهميته.
يُعد الأسبوع العربي للتنمية المستدامة أكبر منصة حوار في المنطقة العربية من حيث الزخم، ومن حيث تفاعل المشاركين والشركاء الاستراتيجيين؛ مما يجعله أسبوعًا عربيًّا متنوعًا، وفي الوقت نفسه يغطي كل ما له علاقة بالتنمية المستدامة على المستوى الدوليّ والمستوى الإقليميّ العربيّ، وحتى على المستوى المحليّ، وذلك يعكس -بشكل مباشر وغير مباشر- مفهوم الدولة النظيفة وأنشطتها المتعلقة بالتنمية المستدامة، ونعني بالدولة النظيفة هنا جمهورية مصر العربية.
شهدت فعاليات الأسبوع العربي للتنمية المستدامة مشاركةً كبيرةً من أصحاب المصلحة، والحكومات، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، والشباب الفاعلين في المجالات التنموية؛ فما أهم التوصيات والحلول العملية التي اقترحها هؤلاء المشاركون؟
في هذه النسخة من الأسبوع العربي للتنمية كان لدينا أكثر من 50 جلسةً، مع أكثر 150 متحدِّثًا في مجالات متنوعة من خلال المحاور الرئيسية للأسبوع. وكانت هناك جلسات تناولت موضوعات تغير المناخ، وموضوعات التكنولوجيا، وموضوعات خاصة بالتمويل المستدام، وكذلك عقدنا منتدى حول تنمية الاستثمار والاستدامة. وقد خرجت من هذه الموضوعات توصيات كثيرة يتم عرضها على المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وقد أصدرنا تقريرًا يتناول كل مخرجات هذا الأسبوع، وبالنسبة إلى أكثر المخرجات أهميةً فنعمل على إدماجها بإطار اللجنة العربية لمتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة؛ أي اللجنة الرسمية للدول والأطراف الأخرى المشاركة والمعنية بموضوع التنمية المستدامة.
وبعض هذه المخرجات يكون متعلقًا بـ”forum for sustainable and investment”، وقد تمخَّض عنه إعلان عن الحوار بين الحكومات والمؤسسات الدولية والإقليمية؛ من أجل أنْ نحُدَّ من الأخطار التي تُحيط بالاستثمار في المنطقة العربية، خاصةً في ظل التحديات العالمية، مثل تحدي التغير المناخيّ، والفقر المائيّ، حيث نحاول أنْ نعمل على جذب الاستثمار في ظل هذه التحديات.
وقد أسفر هذا الحوار عن إنشاء لجنة تأسيسية سوف تقوم مستقبلًا بإنشاء صندوق ائتمانيّ يضمن الاستثمارات القادمة إلى المنطقة العربية. ومن شركائنا في هذا الصندوق البنك الدوليّ، والبنك الإسلاميّ للتنمية، والصندوق العربيّ الإنمائيّ الاقتصاديّ، وذلك بالتعاون مع مؤسسات تمويلية دولية وإقليمية أخرى.
ومن ضمن الأمور المهمة ما عقدناه على هامش الأسبوع، وهو القمة الشبابية العربية الثالثة، وكانت لهذه القمة توصيات ومخرجات متعددة من خلال جلسات كثيرة، ومن ضمنها جلسات عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، كما أننا قدَّمنا -فضلًا عما سبق- عددًا من المبادرات الجديدة، مثل مبادرة التقاضي الإلكترونيّ التي دشَّنتها مصر عن طريق وزارة العدل، موضحةً أمام جميع الدول العربية كيفية معالجة مثل هذه القضايا في المناخ المصريّ.
كل ذلك كان من ضمن أهدافنا في النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية، بالإضافة إلى الدروس المستفادة وقصص النجاح، وذلك في ظل وجود الدول العربية، وأصحاب القرار، وعدد كبير من شركات القطاع الخاص.
في رأيكِ إلى أي مدى تجدين أنَّ الحروب الغاشمة التي تخوضها إسرائيل في المنطقة، تخصم من فرص الشعوب في التنمية وتحقيق الاستدامة؟
ليس هناك شك في أنَّ الصراعات الموجودة في المنطقة العربية -مثل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين- يقوض فرص التنمية في أي دولة. وإنَّ منطقتنا العربية أصبحت -للأسف- موصومةً بفكرة النزاعات؛ وذلك دفعنا إلى أنْ نتناول الموضوع بشكل أكثر توسعًا، فقدمنا فكرة كيفية تحقيق التنمية المستدامة في دول تعاني من الصراعات، وهي دول كثيرة، منها 9 دول -تقريبًا- في المنطقة العربية، باستثناء فلسطين؛ لأنَّ لها وضعًا خاصًّا، فهي واقعة تحت احتلال.
كل تلك الدول تعاني من الصراعات بطريقة مباشرة كالحروب، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق ظاهرة اللاجئين الذين يثقلون كاهل الدول؛ لذا أسسنا لجنةً منبثقةً عن التنمية المستدامة، واسمها ” Multi stakeholder committee for countries attacked by conflicts – لجنة متعددة الأطراف للدول المعرضة للنزاعات”.
هذه اللجنة تتعاون مع جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، ومع جهات شريكة داخل الدولة نفسها، وهذا من خلال النظر بعين الاعتبار إلى المواطنين الذين يعانون بشدة من مثل هذه النزاعات. وتحقيقًا لهذا الهدف أقمنا شراكات مع جهات مجتمع مدني تعمل في أرض الواقع، مثل شبكة بنوك الطعام الإقليمية؛ وهي شبكة تغطي حوالي 59 دولةً على مستوى العالم، ومن بينها الدول العربية، حتى نصل إلى المناطق المحلية المتضررة، والناس الأشد احتياجًا وأشد فقرًا.
عبر السنوات الماضية حرصت مصر على استضافة الأسبوع العربي للتنمية المستدامة، وهذا بتعاون مثمر وشراكة تنموية ممتدة مع جامعة الدول العربية وعددٍ من شركاء التنمية الدوليين؛ حَدِّثِينَا عن أهمية دور الشراكات لتحقيق الاستدامة.
إنَّ الهدف (17) من أهداف التنمية المستدامة -عقد الشراكات لتحقيق الأهداف- هو المحور الرئيسي في عملنا المتعلق بإدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي؛ أي أننا نعمل داخل إطار من خلال التعاون مع جميع المعنيين بهذا الملف -حكومات، مجتمع مدني، قطاع خاص، برلمانيون، شباب، ذوو إعاقة، وكل أطياف المجتمع- لأنه يصعُب بشدة تحقيق التنمية المستدامة في أي دولة أو في أي إقليم دون شراكات.
مِن هنا، كانت شراكاتنا الاستراتيجية مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وكذلك شراكاتنا مع الدول الآسيوية ودول أمريكا الجنوبية، فضلًا عن شراكاتنا مع الشباب، وهو ما دفعنا إلى إنشاء منصة الشباب العربي للتنمية المستدامة، وكذلك شراكاتنا مع منظمات المجتمع المدني، حيث أسسنا شبكة منتديات التنمية المستدامة، التي تغطي حتى الآن حوالي سبع دول عربية.
وهناك أيضًا شراكة جديدة، هي تحالف شركاء جامعة الدول العربية للاستدامة، وهو ليس تحالفًا رسميًّا، وإنما هو مجموعة من شركات القطاع الخاص مع المجتمع المدنيّ وجِهات أخرى متعددة؛ للتعاون تعاونًا مستدامًا في موضوعات مختلفة يهتم بها القطاع الخاص وجامعة الدول العربية. وفي هذه التحالف أنشأنا عددًا من اللجان المختلفة، مثل لجنة المجتمع المدنيّ، ولجنة التكنولوجيا، ولجنة التحول الرقميّ؛ وكل لجنة من هذه اللجان تترأسها شركة أو جهة ما، وتندرج تحتها شركات أخرى مهتمة بالملف الذي تستهدفه اللجنة.
والسؤال هنا: ما الذي نقدمه إلى شركاء هذا التحالف، وماذا يقدمون لنا؟ نحن نتيح لهم الفرصة باعتبارهم شركاتٍ في القطاع الخاص، حيث نعمل على تقريب المسافة بينهم وبين الدول العربية من خلال الاجتماعات المشتركة؛ هذا لأنَّ لدينا 13 مجلسًا وزاريًّا متخصصًا في كل المجالات -ضمن إطار جامعة الدول العربية- في البيئة، والتعليم، والصحة، والشباب، والمرأة، وفي غيرها من المجالات، وجميعها مجالات حكومية؛ لذا عندما تأتي شركة من القطاع الخاص معنية بملف مثل ملف الأسمنت يكون دورنا إنشاء حلقة وصل بينها وبين المعنيين بهذا الملف في الدول العربية، حيث يمكننا أنْ نفتح نافذةً للحوار بين هذه الأطراف بشكل منظم.
أما هؤلاء الأطراف فهم يساعدوننا بالخبرات على عقد المؤتمرات والفعاليات، وهذا يسهم في توسيع نطاق عملنا بين الدول العربية، وذلك كله مصلحة متبادلة.
كما أنَّ التحالف الجديد من ضمن الشركاء الرئيسيين في المعرض العربي للاستدامة، الذي سوف يُعقد في مايو 2025، وسيكون له دور كبير في المستقبل؛ لأنَّ له تواصلًا واسعًا مع القطاع الخاص؛ مما يمنحنا فرصةً لكي نساعد أصحاب القرار في الدول العربية على التواصل بالقطاع الخاص الذي يجد في هذا فرصةً لتوسيع نشاطه مع الحكومات.
ثمَّنَتْ “إلينا بانوفا” -المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في جمهورية مصر العربية- الشراكة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، التي تدعم جهود التنمية المستدامة في مصر والمنطقة العربية؛ فما أهم بنود هذه الشراكة، وما خطة العمل لتحقيق الاستدامة؟
إنَّ شراكتنا مع الأمم المتحدة شراكة استراتيجية تاريخية، وتقوم على مستويات متعددة، مثل مستوى سكرتارية معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، والسكرتير العام للأمم المتحدة، وهو المستوى الذي يُعقد له اجتماعٌ كل سنتين. وهناك أيضًا تعاون على مستوى المنظمات العربية المتخصصة ووكالات الأمم المتحدة، وهذا له اجتماع سنويّ يُعقد مرَّةً في جنيف ومرَّةً في دولة المَقرَّ.
وأيضا على مستوى الإدارات المختلفة في جامعة الدول العربية، مثل المرأة مع المرأة، الزراعة مع الزراعة، البيئة مع البيئة. وبما أنَّ التنمية المستدامة متداخلة -بطبيعة الحال- مع جميع هذه الموضوعات فإنَّ شراكاتنا من حيث كوننا إدارةً تكون متنوعةً ومختلفةً.
لذلك عقدنا شراكةً مهمةً مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا (الإسكوا) الموجودة في لبنان، وهي لجنة تُغطي كل الدول العربية. ونحن نتعاون معًا على معالجة أكثر من موضوع، ومن أبرز نتائج هذا التعاون: المنتدى العربيّ للتنمية المستدامة، وهو يتناول أبرز موضوعات المنتدى السياسيّ رفيع المستوى للتنمية المستدامة؛ وهو المنتدى الذي ترفع إليه دول العالم التقارير الوطنية الطوعية للتنمية المستدامة “Voluntary National Reviews”، ويُعقد كل سنة في شهر يوليو بمدينة نيويورك.
بناءً على ما سبق فإنَّ شراكتنا مع الإسكوا تتلخص في أننا نساعد الدول العربية على كتابة هذا التقرير، وهذا من خلال ورش عمل -وصل عددها إلى 13 ورشة- حتى تُقدم كل دولة من الدول العربية صورةً عن جهودها ومدى تقدمها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك بالتعاون مع جامعة الدول العربية وأجندات الأمم المتحدة، وحينها يساعدنا هذا المنتدى على تصدير الرسائل الخاصة بالمنطقة العربية إلى المنتدى السياسي الرفيع المستوى المعنيّ بالتنمية المستدامة (HLPF).
وفي كل سنة تترأس دولة من الدول العربية المنتدى العربي للتنمية المستدامة، ويكون وزيرُها الجهةَ المنوط بها تقديم هذه الرسائل؛ ولذا فإنَّ هذه الشراكة مع الأمم المتحدة مهمة جدًّا في مجال التنمية المستدامة، سواء على مستوى تدريب الدول العربية وبناء قدراتها، أو المنتدى العربي للتنمية المستدامة، الذي يرفع تقاريره التنموية إلى المنتدى السياسيّ الرفيع المستوى.
في رأيكِ ما أهم ثلاثة مكاسب للأسبوع العربي للتنمية، وما الخطوات القادمة لدفع التنمية المستدامة في العالم العربي؟
من أهم المكاسب: الحوارُ المفتوح الذي نمارسه كل سنة في هذا المجال، وهو حوار يساعدنا على تكوين شراكات بالغة الأهمية على جميع المستويات؛ لأنه ما من شك في أنَّ الدمج بين المستويات المختلفة أمر مهم، حيث ندمج بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدنيّ والشباب والبرلمانيين والمؤسسات العلمية.
كل ذلك يُقدم لنا حوارًا بالغ الأهمية؛ لذا فإنَّ الأسبوع العربي للتنمية يُعد المنصة الكبرى، وتكون مخرجاته برنامجًا مقترحًا للأسبوع في العام التالي، وهكذا في صورة مستمرة، وكل سنة يكون لدينا موضوعات جديدة نُقدمها، وكذلك يكون لدينا شركاء جُدُد ومبادرات جديدة.
المكسب الثاني: أننا نستكشف التحديات، بخاصة أنَّ تحديات المنطقة العربية متقاربة، حيث نستطيع أنْ نتحاور مع الحكوميين والمنظمات الدولية والإقليمية؛ كي يسمعوا ما يحدث في المنطقة العربية، فنطرح كيفية المساعدة، ونستعرض ما نحن في حاجة إليه، وما الموضوعات الجديدة، وكذلك نستطيع أنْ نفهم أبعاد الصراعات التي تجتمع لها “اللجنة المتعددة الأطراف للدول المعرضة للنزاعات”؛ من أجل تقييم الوضع الراهن، وتحديد مشكلاتنا.
وأمَّا المكسب الثالث: فهو أنَّ مصر تشارك مشاركةً على أعلى المستويات؛ فمن خلال وزارة التخطيط المعنية بملف التنمية المستدامة تَبرزُ مصرُ وجهودُها من حيث كونها الدولة النظيفة. وانطلاقا من أنَّ لها صلاحياتٍ أكثر -بصفتها الدولة المضيفة- فإنَّ معظم وزرائها يشاركون في هذا الحدث، وذلك يساعدهم على عرْض مبادراتهم في المجالات المختلفة؛ وبالتالي تسمع الدول العربية لمصر، ويحدث تبادل خبرات، وتبادل شبكات بصورة أوسع.
تلك المكاسب تجعل من الأسبوع فرصةً للإفادة من نواحٍ كثيرة جدًّا، وعلى الرغم من أنَّ هذا المجال لا يزال أمامه كثير للتقدم، وفي حاجة إلى تغطية إعلامية أكثر شمولًا؛ فإنَّ هناك فوائد تتمثل في رفع الوعي بأهداف التنمية المستدامة؛ فمن سنة إلى أخرى أصبح هناك أفراد يستفيدون بفكرة جديدة إيجابية، ويتعلمون أكثر فأكثر، وإنني أرى أنَّ للأسبوع ردودَ أفعالٍ تتزايد يومًا بعد يوم، ويصل إلى شريحة أكبر.
في الختام، كانت هذه جولة حول منصة إقليمية تُبرز دور مصر في المنطقة العربية بوصفها رائدة التنمية المستدامة في شتى المجالات، حيث كان للأسبوع العربي للتنمية نتائج إقليمية ودولية؛ لذا تشكر حماة الأرض السفيرة/ ندى العجيزي، وترجو لمصر مستقبلًا أكثر استدامةً.