الأغنياء يسهمون في ثلثي ظاهرة تغير المناخ
الأغنياء يسهمون في ثلثي ظاهرة تغير المناخ
بينما يكافح النصف الأشد فقرًا من سكان الأرض لتأمين احتياجاتهم الأساسية، يواصل الأغنياء تجاوز حدود الانبعاثات بحرية تامة، متسببين بأعمالهم واستثماراتهم غير المسئولة في زيادة الاحترار العالمي، والتسبب في حدوث موجات جفاف تفتك بالمحاصيل، وغيرها من الأضرار المناخية، حيث يدفع مَن لا يملك شيئًا ثمنَ ما يستهلكه الآخرون.
وفي هذا الإطار كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة زيورخ -نشرتها مجلة “Nature Climate Change“- عن حقيقة علمية مقلقة؛ هي أنَّ 10% من سكان العالم الأعلى دخلًا مسئولون عن ثلثي ظاهرة تغير المناخ منذ عام 1990.
وهذه الحقيقة العلمية تؤكد مدى الفجوة الواقعة بين الطبقات الاجتماعية بخصوص التأثير البيئي السلبي، وبذلك تكون أصابع الاتهام موجَّهةً توجيهًا مباشرًا إلى ممارسات الأغنياء في مجال الأعمال والاستثمار، وهذا بوصفهم محركًا رئيسيًّا للأحداث المناخية المتطرفة، التي تهدد كوكب الأرض، وتُعيق جهود تحقيق مبادئ العدالة المناخية.
لذا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال الأبعاد الخطيرة التي تكشف عنها هذه الدراسة العلمية، التي تسلط الضوء على دور بعض الأغنياء الأثرياء في تسريع وتيرة تغير المناخ؛ فتابعوا قراءة المقال.
تأثير مباشر في تغير المناخ
توضح دراسة جامعة زيورخ مدى إسهام بعض الأفراد من طبقة الأثرياء في زيادة ظواهر الطقس المتطرفة بشكل غير متناسب، وهذا مقارنةً بالفئات الأخرى من المجتمع؛ ففي الوقت الذي تتسبب فيه نسبة 10% من سكان الأرض -هم الأكثر ثراءً مثلما أشرنا من قبل- في حوالي 66% من الانبعاثات الكربونية، فإن بقية سكان الأرض الواقعين في الفقر لم يسهموا سوى بقدر ضئيل من تلك الانبعاثات!
وبحسب “سارة شونجارت” -المؤلفة الرئيسية للدراسة- فإنَّ “ما يظهر هو أنَّ الأغنياء ليسوا مسئولين عن انبعاثات الكربون الكبيرة فحسب، بل هم السبب الرئيسي في زيادة الأحداث المناخية المتطرفة، مثل درجات الحرارة العالية، والجفاف في مناطق متعددة كمنطقة الأمازون”.
وعن ذلك أضافت “شونجارت” قائلةً: «إنَّ الانتقال من قياس الانبعاثات إلى تحديد المسئولية المناخية هو أمر بالغ الأهمية لفهم التأثيرات، التي يسببها هذا النمط الاستهلاكي فوق كوكب الأرض».
الاستثمار البيئي
لقد أظهرت الدراسة أنَّ أغنى 10% من السكان في الصين والولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- أسهموا باستثماراتهم غير المسئولة مضاعفة درجات الحرارة القصوى والأحداث المناخية المتطرفة على نحوٍ بالغ الخطورة، وهو ما يشير إلى دور الاستثمارات في الشركات من حيث كونها عاملًا رئيسيًّا في زيادة الأضرار البيئية.
وفي هذا السياق، يرى “كارل فريدريش شليوسنر” -مدير مجموعة الأبحاث بشأن تأثيرات المناخ في معهد آيزا في فيينا- أنَّ التحرك لمحاسبة الأثرياء على انبعاثاتهم خطوة مهمة للحد من أضرارهم البيئية المستقبلية. ويوضح كذلك أنَّ فرض الضرائب التصاعدية على الثروات قد يكون حلًا بيئيًّا فعَّالًا، خصوصًا في ظل التركيز الكبير للثروة في يد قلة تملك تأثيرًا شديدًا في صحة كوكبنا.
الاحتباس الحراري مستمر
مع استمرارية ظاهرة الاحترار العالمي كشفت البيانات الجديدة -الصادرة عن مرصد كوبرنيكوس الأوروبي (Copernicus)- أنَّ شهر إبريل الماضي من العام الحالي كان ثاني أكثر الشهور حرًّا في التاريخ المسجَّل -بعد إبريل 2024- مؤكِّدًا بحرارته الشديدة أنَّ العالم قد اقترب من تجاوز الحد الذي وضعته اتفاقية باريس للمناخ؛ وهو 1.5 درجة مئوية.
وهذا الوضع المؤسف يشير دون أنْ يدع مجالًا للشك إلى أنَّ العالم في طريقه لتجاوز هذا الحد في وقت قريب؛ مما يعني حدوث مزيد من الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف، والفيضانات، وحرائق الغابات، وارتفاع درجات الحرارة التي لم يسبق لها مثيل.
ومن جهتها قالت “سامانثا بيرجس” -خبيرة المناخ في مرصد كوبرنيكوس الأوروبي-: «من المحتمل أنْ نصل إلى 1.5 درجة مئوية في وقت قريب جدًّا، وهذا سيكون له تأثيرات شديدة في النظم البيئية والموارد المائية في مناطق متعددة من العالم». وتضيف “بيرجس” «الأمر الأكثر إلحاحًا الآن هو التحرك السريع لتقليل الانبعاثات التي تصدر خاصةً من الأغنياء وشركاتهم الكبرى».
التحديات المستقبلية
في ضوء هذه التحديات يصبح من الضروري أنْ تركز السياسات البيئية العالمية على محاسبة الشركات الكبرى وأصحابها الذين لا يلتزمون بالمعايير البيئية، مع ضرورة فرض ضرائب على الثروات الخاصة والاستثمارات المرتبطة بالصناعات الملوِّثة؛ لتكون خطوةً على طريق جهود تقليل انبعاثات الكربون في المستقبل.
ويجب -فضلًا عمَّا سبق- أنْ تتبنى الحكومات استراتيجيات بيئية شاملة تستهدف تقليل الانبعاثات الصادرة عن جميع فئات المجتمع، مع التركيز تركيزًا خاصًّا على أولئك الذين يسهمون بنسبة كبيرة في هذا التلوث، على أنْ يكون الأمر في إطار من المسئولية البيئية العادلة.
وفي الختام تدعو حماة الأرض إلى إعادة هيكلة المنظومة البيئية من منظور أهداف التنمية المستدامة، ووفق رؤية تضع العدالة والشفافية في صلب كل سياسات المناخ، التي يجب أنْ تقوم على توازن؛ من أجل أنْ يكون كوكب الأرض أكثر صحة واستدامة.