الاقتصاد الأزرق كنز المحيطات الذي يمكنه إنقاذ الكوكب
الاقتصاد الأزرق كنز المحيطات الذي يمكنه إنقاذ الكوكب
تشكل المحيطات أحد أهم الأعمدة التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي؛ فهي مصدر للغذاء والطاقة، كما أنها تحتضن أنشطة حيوية مثل الصيد التجاري والنقل البحري والسياحة الساحلية، ويعتمد مئات الملايين من البشر حول العالم على هذه الأنشطة، خاصةً في المناطق الساحلية.
وتشكل هذه الأنشطة مجتمعة ما يُعرف اليوم بمفهوم الاقتصاد الأزرق، الذي يعكس القيمة الاقتصادية الهائلة للمحيطات، ويوضح في الوقت نفسه حجم التحديات التي تواجهها، وفرصها الواعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومع التوسع في هذه القطاعات، يزداد الاعتماد على الموارد البحرية باعتبارها أداة استراتيجية مهمة لتحقيق التنمية المستدامة؛ ولذلك ستتناول حماة الأرض في هذا المقال مفهوم الاقتصاد الأزرق، وتناقش كيف يمكن لهذا النموذج أن يسهم في إنعاش الاقتصادات المحلية، وتوفير فرص العمل، وتحقيق الأمن الغذائي، من دون تعريض المحيطات للخطر؛ فتابعوا القراءة.
مفهوم الاقتصاد الأزرق
يعد الاقتصاد الأزرق تحولًا جذريًّا في طريقة التفكير بشأن استغلال المحيطات، ورغم عدم وجود تعريف موحد له عالميًّا، فإن جوهره يدور حول الاستخدام المستدام للموارد البحرية بما يعزز النمو الاقتصادي ويضمن في الوقت نفسه الحفاظ على صحة النظم البيئية البحرية وحقوق المجتمعات الساحلية.
يُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى إزالة الكربون من الأنشطة البحرية، في إطار الجهود العالمية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ. وفي السياقات البيئية يُنظر إلى الاقتصاد الأزرق باعتباره نهجًا شاملًا يدمج التعليم البحري، وحماية التنوع البيولوجي، وتطبيق التقنيات الخضراء.
ويتفق هذا المفهوم مباشرة مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (14) “الحياة تحت الماء”، الذي يهدف إلى الحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكل مستدام. ورغم بعض التقدم في مجالات مثل إنشاء المحميات البحرية وتحسين ممارسات الصيد، تظل 7.5% فقط من المحيطات محمية حاليًّا، ولتحقيق هدف حماية 30% من المحيطات بحلول عام 2030، يتطلب الأمر استثمارات إضافية تتراوح بين 8 و11 مليار دولار.
إمكانات الاقتصاد الأزرق
وتشير التقديرات العالمية إلى أن الاقتصاد الأزرق يحقق اليوم نحو 1.5 تريليون دولار أمريكي سنويًّا، مع توقعات بمضاعفة هذا الرقم ليبلغ 3 تريليونات بحلول عام 2030، وذلك بتوسع قطاعات مثل طاقة الرياح البحرية، وتربية الأحياء المائية، ومعالجة الأسماك. هذا النمو يعكس الإمكانات الكبيرة التي يحملها الاقتصاد الأزرق.
هذا النمو يعكس الإمكانات الكبيرة التي يحملها الاقتصاد الأزرق، غير أن هذا التوسع السريع لا يخلو من تحديات بيئية خطيرة تهدد استمراريته؛ فاستمرار هذا النمو يتطلب رؤية واضحة وإجراءات مدروسة، تضمن الاستخدام الرشيد للموارد وتقلل من الأثر البيئي، وهذا يتطلب رؤية واضحة وإجراءات مدروسة، تضمن الاستخدام الرشيد للموارد وتقلل من الأثر البيئي.
حوكمة المحيطات وثرواتها
تُعد إدارة المحيطات من المهام المعقدة نظرًا لاتساع مساحاتها وتشابك المصالح بين الأطراف المختلفة. ومع هذا التعقيد تبرز الحاجة الماسّة إلى وجود إطار قانوني فعّال ينظم استغلال الموارد البحرية ويحميها. وهنا يأتي دور حوكمة المحيطات، باعتبارها آلية تنسق بين السياسات الدولية والواقع البيئي والاقتصادي، بهدف تحقيق توازن بين متطلبات الاستدامة واحتياجات المجتمعات البشرية.
تعتمد حوكمة المحيطات على شبكة من الاتفاقيات والقوانين الدولية، مما يجعلها من القضايا العالمية ذات الأولوية؛ فالمحيطات -باعتبارها فضاءً شاسعًا- تشهد تداخلًا في المصالح بين الدول، والشركات، والمجتمعات الساحلية، وقد تؤثر الأنشطة البحرية في منطقة واحدة في النظم البيئية في مناطق بعيدة.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه الدول الساحلية بسيادة على مياهها الإقليمية حتى مسافة 12 ميلًا بحريًّا، فإنها تملك أيضًا حقوقًا اقتصادية حصرية ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة (EEZ) التي تمتد حتى 200 ميل بحري. أما أعالي البحار -التي تشكل نحو 65% من إجمالي مساحة المحيطات- فتُعد منطقة مشتركة بين الجميع، وهذا ما يزيد من تعقيد إدارتها ويستلزم تعاونًا دوليًّا فعّالًا لضمان استدامتها.
وفي هذا السياق تم التوصل في عام 2023 إلى معاهدة الأمم المتحدة لأعالي البحار، التي تهدف إلى حماية 30% من المحيطات من خلال إنشاء محميات بحرية، وضمان توزيع عادل للموارد الجينية البحرية، ووضع معايير لتقييم الأثر البيئي. تُعد هذه المعاهدة بمثابة اتفاقية باريس للمحيطات، ومن المتوقع أن تؤدي إلى إنشاء مؤتمر دولي دوري مشابه لمؤتمرات المناخ والتنوع البيولوجي.
إضافة إلى ذلك، هناك اتفاقيات قائمة مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، واتفاق مكافحة الصيد غير المشروع (PSMA)، وتوجيهات خاصة بالصيد الصغير النطاق، فضلًا عن لوائح لتنظيم الشحن البحري. تشكل هذه الأطر القانونية الأساس الذي يعتمد عليه الاقتصاد الأزرق.
وترى حماة الأرض في الختام أنَّ دمج الاقتصاد الأزرق في السياسات العامة، وربطه بالتنمية المستدامة، سيجعل منه أداة فعالة لمواجهة التحديات المشتركة للبشرية. وهذا يتطلب شراكات متعددة الأطراف، ومشاركة حقيقية للمجتمعات المحلية، وإدارة تُدرك أن الاستثمار في المحيطات هو استثمار في الحياة.