التعليم من أجل التنمية المستدامة
التعليم من أجل التنمية المستدامة
أصبح من الجلي لنا جميعًا ما يعيشه كوكب الأرض مِن مِحَنٍ مستمرةٍ تهدد جميع أشكال الحياة للأنظمة الحيوية المختلفة، تلك المِحَنُ التي نجد على رأسها تغير المناخ، الذي أصبح موضوعَ الحديثِ الرئيسي في المحافل الدولية، في محاولة من البشرية لإيجاد حلول فعالة للتعاطي مع هذا الخطر الداهم، الذي يهدد استدامة العيش على الأرض. ولعل من أبرز هذه الحلول “التعليمُ المستدام” أو “التعليمُ من أجل التَّنمية المستدامة”؛ لذا تناقش معكم حماة الأرض في ملفها الخاص لهذا العدد قضية التعليمِ ودوره في تحقيق أهداف التنميةِ المستدامة.
لا يخفى على عاقل أهمية التعليمِ لتَقدم ورفعة الأمم، فهو السبيل الأول والأهم لقيادة أي بلد إلى موقع الريادة الإقليمية والدولية، ولنا في ألمانيا واليابان خير عبرة! فبعد الهزيمة المذلة لكلا البلدين في الحرب العالمية الثانية، والدمار الشامل الذي حَلَّ بهما -بل إن ألمانيا قد تم تقسيمها إلى بلدين- استطاعَ كلٌّ منهما في خلال العقود الأخيرة الانطلاق إلى آفاق جديدة من النمو والتطور على جميع الأصعدة، وكل ذلك يُعزى إلى الاهتمام بالتعليمِ والتعليمِ الفني على حد سواء.
ولعل مَا سَبَقَ انعكس -بشكل أو بآخر- على جميع سكان العالم في صورة ثقة مطلَقة في المنتجات المصنَّعة في ألمانيا أو اليابان، من السيارات والمعدات الثقيلة، إلى الإلكترونيات والبتروكيماويات؛ ليتحول كلا الاقتصادين إلى عضوين دائمين في قائمة أقوى 10 اقتصادات في العالم، على الرغم من محدودية الموارد الطبيعية في كلا البلدين.
ولكن في خضم هذا التسابق العالمي للنهوض والتقدم أدركنا متأخرًا أن العواقب كانت وخيمةً؛ فأنشطة الإنسان الفردية والجماعية كانت لها تأثيرات سلبية حادة في البيئة وأشكال الحياة المعتمدة عليها؛ لتجد البشرية نفسها مطالَبَةً بإيجاد الحلول لمعالجة هذه التأثيرات، ليس فقط من أجل البيئة، وإنما من أجل الحفاظ على بقائها.
ومِن هنا، نشأ مفهوم “التنميةِ المستدامة“، وهو المفهوم الذي أصبحت تدور حوله سياسات واستراتيجيات التنميةِ المستدامة لجميع الدول، نظرًا إلى ما يطرحه من سبل لضمان تحقيق التنميةِ للأجيال الحالية، وضمان استدامة كوكبنا بشكل يسمح للأجيال القادمة بالحصول على فرص متكافئة في النمو والازدهار.
ترجع أهمية التعليمِ إلى تأثيره الحاسم في تشكيل قِيم ومفاهيم النَّشْءِ الصغيرِ، والإسهام في تنمية المهارات وإكساب الأدوات المناسبة للأجيال الحالية؛ حتى تتمكنَ من العيش بشكل مناسب، ومنها يمكن استغلال التعليمِ في غرس مبادئ التنميةِ المستدامة من الصِّغر، مشكِّلًا بذلك مستقبل الأمم وحاضرها.
تتعدد الأدوار التي يمكن أن يقوم بها التعليمُ في مجال الاستدامة، حيث يمكن أن يساهم تعليم النساء والبنات -بشكل فعَّال- في الحد من النمو السكاني، الذي يعد بدوره واحدًا من التحديات الأساسية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولكن للعلاقة بين التعليمِ والتنمية المستدامة تأثيرات أعمق من كل سبق، وهو ما سنستعرضه معكم في السطور القادمة.
ما أهمية التعليم؟
لم تعد الحياة بسيطةً كما اليوم، وصار الفرد مطالبًا بتعلم مهارات عديدة حتى يصبح مؤهَّلًا لكسب العيش، ويكفي القول: إنَّ اكتسابَ الأطفالِ في البلدان النامية لمهارات القراءة والكتابة الأساسية قبل ترك المدرسة، يمكن أنْ يؤدي -وفقًا لليونسكو- إلى إعادة تشكيل مجتمعات كثيرة بشكل أفضل. وبالإضافة إلى هذا، تتوقع اليونسكو -إنْ أَكْمَلَ جميعُ البالغين مرحلةَ التعليمِ الثانوي- أنْ يتمَّ انتشال 420 مليون إنسان من الفقر. لكن لا تقتصر فائدةُ التعليمِ على ضمان العيش فوق خط الفقر فقط، حيث يتعلق الأمر بجودة ونوعية الحياة، وإتاحة المزيد من خيارات العمل، إلى غير ذلك من المزايا الأخرى.
ما سبق يبدو منطقيًّا وبديهيًّا، فالتعليمُ يطور في النشء الصغير جوانبَ كثيرةً بالغةَ الأهميةِ، هذا إلى جانب تحقيق عديدٍ من الأهداف على المستوى الفردي والجمعي. ونلخص في النقاط الآتية أهميةَ التعليمِ.
أولًا– تنمية مهارات حل المشكلات: يشكل التعليمُ عقلية الإنسان وكيفية اتخاذ قراراته الخاصة، وهذا من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي والمنطقي، ليُعِدَّ الأطفالَ لمرحلة البلوغ وبعدها تحمل المسئولية؛ وبالتالي فالتعليمُ الجيد يمكِّن الأفراد من اتخاذ القرارات بشكل أفضل، ويساهم في مواجهة التحديات المجتمعية المختلفة، أو التخطيط لكيفية إعالة الأسرة بالشكل الأمثل.
ثانيًا– الاعتماد على النفس والتمكين: إن معرفة كيفية القراءة والكتابة والقيام بالعمليات الحسابية البسيطة هو أمر تمكيني في الأساس، فعندما يستطيع الإنسان القراءة -على سبيل المثال- سيتمكن من الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها، كما أن معرفة القراءة والكتابة تجعله أكثر اعتمادًا على نفسه، وتمنحه الثقة، فما بالك بمَن تعلم تعليمًا جيدًا؟!
ثالثًا– تعزيز المساواة بين الأفراد: للعملية التَّعليمية النموذجية دور كبير في تعزيز المساواة بين الأفراد، فعند تلقي المعرفة لا مجالَ للتمييزِ على أساس العِرق أو الجنس أو الدِّين أو الطبقة الاجتماعية أو مستوى التفكير. ومن خلال التعليمِ يمكن للمرء أن يكتسب ما يكفي من النضج والوعي لتقبل الآخر واحترام الآراء المخالفة لرأيه؛ لذا ليس مستغرَبًا أن نجد اتفاق كثير من الخبراء -محليًّا وعالميًّا- على أنَّ التعليمَ يساهم -بشكل كبير- في تحقيق السلام المجتمعي.
رابعًا– الاستقرار والأمن المالي الفردي: غالبًا ما يرتبط دخل الفرد -بشكل وثيق- بمستواه التَّعليمي، وجودة التعليمِ الذي تلقاه؛ لذا نجد في جميع أنحاء العالم أنااتأنَّ هناك مزيدًا من فرص العمل لأولئك الذين أكملوا دراستهم الثانوية، أو حصلوا على درجة علمية أو دبلوم، أو يتابعون الدراسات العليا. وهو ما يمكن أن يعني -أيضًا- رواتبَ أعلى، ومستوى معيشيًّا أكثر استقرارًا.
خامسًا– النمو الاقتصادي الوطني: بكل تأكيدٍ، ينعكس مستوى التعليمِ في سكان أي بلد على اقتصاده. ووفقًا للدراسات، فإن البُلدان التي لديها أعلى معدلات في معرفة القراءة والكتابة هي أكثر عُرضةً لتحقيق تَقدم في التنميةِ البشرية والاقتصادية، حيث يبدأ النمو الاقتصادي الوطني بالنمو الاقتصادي الفردي، والذي غالبًا ما يرتبط بالتعليمِ. في كندا -على سبيل المثال- نجد أن 70% من الوظائف تتطلب مهارات في القراءة والكتابة بمستوى جامعي.
سادسًا– خدمة المجتمع: إن تعليم الأجيال تعليمًا جيدًا لهو أمر أساسي لإكسابهم المهارات والأدوات اللازمة، لإحداث فَرْقٍ في مجتمعاتهم؛ فأطفال اليوم هم معلمو وأطباءُ وعلماءُ المستقبلِ، وهم كوادرُ الغدِ للقطاع الحكومي والخاص، سواءً الخدمي أم الصناعي؛ ما يعني أن جودة المستقبل لأي أمة ستتوقف -بلا شك- على جودة تعليم أطفالها.
وعند النظر إلى النقاط السَّتِّ السابقة نجد أنها في ذاتها تمثل صميم أهداف التنميةِ المستدامة، فالتعليمُ وحده مسئول عن تحقيق عدد من هذه الأهداف، على رأسها الهدف الأول (القضاء على الفقر)، والثاني (القضاء على الجوع)، والثالث (الصحة الجيدة والرفاه)، والرابع (التعليمُ الجيد)، والخامس (المساواة بين الجنسين).
الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة
ليس مستغرَبًا أن نجد هدفًا مخصَّصًا للتعليم في أهداف التنميةِ المستدامة، فالتعليمُ هو أداة ووسيلة تنمية أي مجتمع بشكل مستدام؛ لذا يمكننا اختصار جوهر الهدف الرابع في ضمان إتاحة فرص التعلم بشكل دائم، سواءً الطفولة أم تعليم الكبار، وكذا ضمان المساواة والشمول في التعليمِ لجميع الفئات، بالإضافة إلى أنَّ ضمان التعليمِ -بشكل فعال- يؤدي إلى اكتساب المهارات المناسبة، وأخيرًا ضمان تحقيق التعليمِ لمتطلبات سوق العمل المهنية والفنية.
على جانبٍ آخرَ، فللهدف الرابع من أهداف التنميةِ المستدامة -التَّعليم الجيد- ثلاثة مبادئ أساسية، هي:
أولًا– التعليمُ حق من حقوق الإنسان: لضمان كفالة هذا الحق يجب على الحكومات أن تكفل فرص التعلم الجيد بشكل منصف وشامل للجميع، وهذا بشكل مجاني وإلزامي، دون تفرقة اجتماعية أو اقتصادية؛ لِمَا للتعليم المحوري من دور في تطوير عقلية وفكر الإنسان، وتعزيز معاني التسامح والسلام. ولا نقصد هنا بالتعليمِ اكتساب المهارات الأساسية لمحو الأمية والحساب، وإنما التعليمُ الذي يعمل على إنماء الفكر الإبداعي وإكساب المهارات التعاونية، وغرس فضائل الأخلاق.
ثانيًا– التعليمُ منفعة عامة: ونقصد بهذا أنَّ التعليمَ يجب أن يمثل غايةً مجتمعيةً مشترَكةً، تكون الدولة مسئولةً عنه؛ لصياغة سياساته العامة وتنفيذها، في حين يشارك المجتمع بعناصره في هذه العملية؛ لضمان تحقيق أفضل النتائج.
ثالثًا– المساواة الاجتماعية: ولا نقصد بالمساواة ضمان التعليمِ الجيد لمختلف الفئات فحسب، وإنما نقصد المعنى الأشمل للمساواة الاجتماعية، والذي يتضمن تمكين جميع الفئات في الحصول على حياة أفضل من خلال التعليمِ الجيد، وليس توفيره فحسب.
ولعل بعضكم يتساءل الآن: كيف يمكننا تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنميةِ المستدامة؟ ولكن قبل التطرق إلى كيفية تحقيق الهدف الرابع، ينبغي أولًا أن نناقش الغايات السبع لهذا الهدف، التي حددتها اليونسكو، وبعدها سنتطرق إلى وسائل التنفيذ.
الغاية الأولى: هي توفير التعليمِ الابتدائي والثانوي لجميع الفتيان والفتيات بشكل مجاني وجيد وعادل، بهدف تحقيق نتائج فعالة بحلول عام 2030. الغاية الثانية: هي تنمية الطفولة في مرحلة ما قبل التعليمِ الابتدائي، وهذا عن طريق توفير الرعاية الجيدة للأطفال، بحيث يصبحوا جاهزين للتعليم الابتدائي. أما الغاية الثالثة: فهي ضمان تكافؤ فرص الرجال والنساء في الحصول على التعليمِ الفني والعالي بصورة جيدة وميسورة التكلفة.
الغاية الرابعة: تكمن في إكساب المهارات المناسبة والمطلوبة في سوق العمل، وهذا بما يساعد في حصول الجميع على فرص عمل لائقة، مثل مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي والإبداعي، والعمل الفردي والجماعي، ومهارات الاتصال والتفاوض. الغاية الخامسة: القضاء على الفوارق الاجتماعية في الحصول على التعليمِ؛ لتحقيق الشمول المجتمعي، الذي يكفل حق التعليمِ الجيد للفئات المهمشة والضعيفة، ودون النظر إلى الدِّين أو العِرق أو الحالة الصحية أو الثروة.
الغاية السادسة: هي محو الأمية في جميع أنحاء العالم، بما يضمن حصول البشرية جمعاء على المهارات الأساسية من القراءة والكتابة والحساب، ويُمَكِّنُ الأفراد من الاعتماد على أنفسهم بشكل مستقل. الغاية السابعة والأخيرة: هي التعليمُ من أجل التنميةِ المستدامة، وهذا عن طريق إكساب المعرفة والمهارات المطلوبة، التي تعزز تحقيق التنميةِ المستدامة، وزيادة الوعي بالسلوكيات المستدامة على المستوى الفردي والمجتمعي.
حتى نتمكن من الوصول إلى هذه الغايات السبع في طريقنا إلى تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنميةِ المستدامة، نحتاج إلى وسائل تنفيذ مناسبة، وهو ما أشارتْ إليه اليونسكو أيضًا، ونُجمِلُها في ثلاث وسائل تنفيذية أساسية:
أولًا– توفير بيئات التعلم الفعال، ونقصد بهذا تصميم الأبنية التَّعليمية بشكل يراعي الفروق الجنسية، والإعاقات الجسدية، والفئات العمرية، والخلفيات الدينية، بالإضافة إلى رفع كفاءة الأبنية التَّعليمية الحالية، بحيث توفر البيئة الخصبة للتعلم بشكل فعال؛ فلا نشك في أن البنية التحتية القوية والملائمة لقطاع التعليمِ ستنعكس -بكل تأكيد- على مخرجاته.
ثانيًا– زيادة المنح الدراسية، وهي وسيلة تقع مسئولية تنفيذها -بشكل كبير- على البلدان المتقدمة، حيث إن هذه الدول مطالَبَةٌ بتوفير عدد متزايد من المنح الدراسية للطلاب في البلدان النامية، على الأخص الطلاب الأكثر فقرًا؛ بغرض نقل العِلم والمعرفة، وتعويض النقص الموجود في الأنظمة التَّعليمية للبلدان الفقيرة.
ثالثًا– الارتقاء بالمعلمين، فالمعلم هو حجرُ زاويةٍ في المنظومة التَّعليمية، فبه ترتقي وتستقيم، وبدونه تختفي وتنهار؛ لذا يجب أن تسعى الحكومات إلى تأهيل وتدريب المعلمين بشكل مناسب، وتوفير الأعداد المناسبة منهم للمؤسسات التَّعليمية المختلفة، مع ضمان توفير حياة مستقرة وكريمة لهم.
التعليمُ وتغير المناخ
يُعَدُّ التعليم عاملًا حاسمًا في معالجة قضية تغير المناخ، وهو ما جعل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) تحمل المسئولية على أطراف الاتفاقية؛ للقيام بالحملات التثقيفية والتوعية العامة بشأن تغير المناخ، مع مراعاة دمج عناصر المجتمع في هذه الحملات، وإتاحة سبل الوصول إلى المعلومات حول هذه القضية الوجودية.
يمكن للتعليمِ أن يشجع الناس على تغيير مواقفهم وسلوكياتهم، كما أنه يساعدهم على اتخاذ قرارات مسئولة تعزز تحقيق الاستدامة. في الفصول الدراسية -على سبيل المثال- يمكن شرح تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل مبسط، بالإضافة إلى تعلم السلوكيات التي تمكننا من مجابهة هذه الظاهرة.
ولا يقتصر الأمر على تعليمِ الأطفال والبالغين في المدارس والجامعات، وإنما يمتد إلى تعليمِ الآباء والأمهات وتثقيفهم حول هذه القضية، لِمَا يقع على عاتقهم من دور في تربية وتنشئة الأجيال الصاعدة؛ فإذا استطعنا توفير بيئة من الوعي بقضايا الاستدامة في المدرسة وفي البيت، سنضمن تشكيل وجدان وسلوك مستقبل البشرية بشكل يراعي تنميتها واستدامتها.
لذا، يمكننا القول: إنَّ التعليمَ وتغيُّرَ المناخِ هما مجالان مهمان، يتشابكان -بشكل كبير- في بناء مستقبل أفضل للبشرية؛ فالتعليمُ لم يعد وسيلةً لنقل المعرفة والمهارات فقط، وإنما أصبح أداةً أساسيةً لنشر الوعي بقضايا التغير المناخي وتعزيز السلوكيات المستدامة، فمن خلال دمج مفاهيم التغير المناخي في المناهج الدراسية وتشجيع البحث والابتكار في هذا المجال، يمكن للتعليمِ أن يؤدي دورًا حيويًّا في تحفيز الطلاب والشباب على اتخاذ إجراءات مسئولة وإيجابية للحد من تأثيرات التغير المناخي.
لا شك في أنَّ تغيُّرَ المناخِ يمثل تحديًا عالميًّا يتطلب جهودًا مشترَكةً من الحكومات والشركات، ومن المجتمعات والأفراد؛ وبالتالي يجب توفير مناهج تعليميةٍ حول تأثيرات التغير المناخي وكيفية التكيف معها والحد منها لجميع الشرائح العمرية.
من خلال دمج التعليمِ في جهود مكافحة تغير المناخ، يمكن تعزيز الوعي والتضامن والتحفيز للعمل من أجل حماية كوكبنا وضمان استدامته للأجيال القادمة. ولعل مجلة حماة الأرض قدمت إسهامًا فعالًا في هذه القضية، وهذا عن طريق سلسلة حلقات “يعني إيه؟”، التي بسَّطت أهم المصطلحات المتعلقة بالتنميةِ المستدامة في صورة مقاطع قصيرة، بإخراج بصري جذاب.
تجدر الإشارة هنا إلى أننا عندما نتكلم عن التعليمِ، فنحن نقصد التعليمَ بنوعيه الأكاديمي والفني (المهني)، حيث تتسم مجتمعاتنا العربية -للأسف- بتجاهل أهمية التعليمِ الفنيّ، كما تنظر المجتمعات إلى أصحاب التعليمِ الفني بنظرة غير عادلة؛ وهو ما انعكس -بشكل سلبي- على جودة هذا النوع المهم من التعليمِ.
أهمية التعليمِ الفني
يمثل التعليمُ الفني جزءًا مهمًّا في نظام التعليمِ، حيث يهدف إلى تأهيل الطلاب وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة للدخول -بشكل سريع- في سوق العمل بكفاءة وثقة. ويتميز التعليمُ الفني بالتركيز الكبير على التطبيق العملي وتطوير المهارات الفنية والتقنية، التي يحتاج إليها الفرد في مجال معين، وهذا بخلاف الدراسة الأكاديمية التي تهتم بدراسة النظريات والمفاهيم.
يساهم التعليمُ الفني -بالإضافة إلى ذلك- في تعزيز حصول الشباب على فرص العمل المناسبة، مما يساعد على تحسين مستوى المعيشة، وتقليل معدلات البطالة، بالإضافة إلى تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة. ويتيح التعليمُ الفني الجيد للمؤسسات والشركات الحصول على العمال الماهرين والمدرَّبين بشكل مناسب في مجالات عديدة، مما يساعدهم على تحسين الإنتاجية وتعزيز التنافسية.
تجدر الإشارة إلى أنَّ التعليمَ الفني يمكن أن يشكل مسارًا مهمًّا للطلاب الذين يفضلون التعلم العملي والتطبيقي على النظري؛ لذا يُعدُّ الاهتمام بالتعليمِ الفني أمرًا حاسمًا في أي مجتمع، فالفكر السقيم المتمحور حول حتمية تلقي الفرد تعليمًا جامعيًّا يجب أن ينتهي، كما يجب أن تتغير نظرتنا إلى التعليمِ الفني باعتباره مستوى أقل من التعليمِ.
ولعل لنا خير عبرة في دولة مثل ألمانيا! فهذا البلد الأوروبي الذي يشتهر بجودة صناعته أدرك أهمية التعليمِ الفني واعتنى به أشدَّ اعتناءٍ، وهو ما ظهر أثره -على المدى البعيد- في الاستغلال الأمثل لقدرات الشعب الألماني، عن طريق توجيه الطلاب إلى أي من مساري التعليمِ -الأكاديمي والفني- حسب قدراتهم ومهاراتهم.
يُعتبر التعليمُ المهني -بشكل عامّ- جزءًا أساسيًّا من نظام التعليمِ الذي يساهم في تحسين الفرص الاقتصادية للأفراد وتلبية احتياجات سوق العمل، كما يؤدي التعليمُ الفني دورًا حيويًّا في تحقيق التنميةِ المستدامة، عن طريق الإسهام في بناء مجتمعات أكثر استدامةً اقتصاديًّا واجتماعيًّا وبيئيًّا.
من خلال التعليمِ الفني يمكن تعزيز الوعي البيئي، وهذا عن طريق دمج مفاهيم التنميةِ المستدامة والحفاظ على البيئة في المناهج، بحيث يستطيع الطلاب دمج الممارسات الصديقة للبيئة واستخدام التكنولوجيا الخضراء في مجالاتهم الفنية.
يمكن للتعليم الفني أن يوفر فرصًا لكسب العيش لجميع شرائح المجتمع، بما في هذا الشباب والنساء والأقليات؛ وهو ما يعني بناء مجتمعات شاملة ومتكافئة، يستطيع فيها الفرد إيجاد مصدر للعيش بشكل لائق؛ لذا يجب علينا الاهتمام بتعليم الحِرف المختلفة، البسيطة منها والمعقدة، في محاولة منا للقضاء على البطالة وتبعاتها، مثل معدلات الفقر والجريمة.
وفي السياق نفسه، يمكن للتعليم الفني تعزيز الاعتماد على التكنولوجيا النظيفة والابتكار، من خلال تدريب الطلاب على استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطويع الابتكارات البيئية في أعمالهم؛ مما يعزز استدامة مختلف القطاعات الصناعية والخدمية. وسيؤدي كلُّ ما سبق -بشكل أو بآخر- إلى دعم النمو الاقتصادي المستدام، لِمَا للعمالة الماهرة من دور محوري في تلبية احتياجات سوق العمل، وتعزيز إنتاجيته واستدامته.
خلاصة القول، هي أن للتعليم الفني دورًا حيويًّا -لا يجب علينا إغفاله- في تعزيز التنمية المستدامة من خلال تطوير المهارات والمعرفة اللازمة لبناء مجتمعات متكاملة؛ فمن خلال تكامل مفاهيم الاستدامة في برامج التعليمِ الفني يمكن تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية للأفراد والمجتمعات على المدى الطويل.
تحديات التعليم من أجل التنمية المستدامة
تواجه قضية التعليمِ المستدام -بطبيعة الحال- عددًا من التحديات التي يمكنها أن تعوق تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التَّعليمية، وهو الأمر الذي ينبغي لنا أن نلمسه ونتوقف عنده، فبدون معرفة التحديات لن يمكننا وضع الحلول. ومِن هنا، يمكننا إجمال التحديات التي تواجه التعليمَ من أجل التنمية المستدامة في سبع نقاط نناقشها معكم فيما يأتي:
أولًا– غياب الفهم الصحيح للتنمية المستدامة، فلا يزال عديدٌ من الناس -بما فيهم المعلمون- يفتقرون إلى فهم واضح لمعنى الاستدامة وسبب أهميتها، وهو ما يمكن أن يجعل من الصعب دمج مفهوم “التَّعليم من أجل التنمية المستدامة” في نُظم التعليمِ الحالية. ولمواجهة هذا التحدي، يحتاج المعلمون وصناع القرار إلى التمتع بفهم واضح لمفاهيم الاستدامة وأهمية تحقيقها.
ثانيًا– نقص الموارد اللازمة، وهو ما يظهر جليًّا في نقص الدعم المخصص لملف التعليمِ المستدام، سواءً الدعم المالي أم السياسي. ولمواجهة هذا التحدي يجب على المعلمين وبقية عناصر المنظومة التَّعليمية الدعوة إلى زيادة التمويل والدعم للتعليم من أجل التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تطوير الشراكات مع المنظمات والشركات التي يمكنها توفير الموارد والدعم اللازمين.
ثالثًا– دمج الاستدامة في المناهج التَّعليمية، وهو تحدٍّ يمكن أن يجعل من الصعب على المعلمين تطبيق مفاهيم التعليمِ من أجل التنمية المستدامة بشكل فعال، كما قد يعيق الطلاب عن فهم أهمية الموضوع. ولمواجهة هذا التحدي، من المهم دمج مفاهيم التنمية المستدامة في المناهج الدراسية على جميع المستويات التَّعليمية، عن طريق تطوير هذه المناهج، أو حتى استبدالها.
رابعًا– ضعف كفاءة المعلمين، وهو الأمر الناتج عن نقص التدريب اللازم والبرامج التثقيفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، والذي يؤدي إلى وجود صعوبة بين المعلمين في تدريس مبادئ التنمية المستدامة بشكل واضح وميسر للطلاب؛ بسبب غياب المهارات والمعرفة اللازمة لقيامهم بذلك. ولمواجهة هذا التحدي، من المهم أن توجد برامج تدريبية للمعلمين تشمل التعريف بمفهوم الاستدامة، وكيف يمكن دمجه في استراتيجيات التدريس، وما الموارد اللازمة لتحقيقه.
خامسًا– غياب المشاركة الطلابية، ونقصد هنا تعامل الطلاب مع أي مقرر يخص التنمية المستدامة على أنه مادة للامتحان فقط، دون وجود دافع ورغبة داخلية في استيعاب أهداف التنمية المستدامة، والعمل على تحقيقها. ولمواجهة هذا التحدي، من المهم تطوير المواد والأنشطة التَّعليمية لتكون جذابةً وتفاعليةً؛ لتنالَ اهتمام الطلاب، وتلهمهم لاتخاذ الإجراءات وتبني السلوكيات المستدامة.
سادسًا– غياب التقييم والتقدير، فوجود معلمين أكفاء، ومناهج دراسية مناسبة، وأبنية تعليمية مهيئة، كل ذلك ربما لا يكون كافيًا لتحقيق الغايات المنشودة؛ لذا يتوجب علينا تقييم البرامج والمبادرات التَّعليمية بشكل مستمر ودقيق، بحيث نستطيع الوقوف على مدى فعالية هذه البرامج والمبادرات، وكيف يمكننا تحسينها وتطويرها.
سابعًا– ضعف التعاون والشراكات بين الشركات والمعلمين وصناع القرار والمنظمات المختلفة، ما قد يؤدي إلى وجود عوائق في تطبيق “التعليمِ من أجل التنميةِ المستدامة” بشكل فعال، وغياب الموارد والدعم اللازم لنجاح العملية التَّعليمية. ولمواجهة هذا التحدي، من المهم تطوير الشراكات وأوجه التعاون بين المعلمين وصناع القرار والمنظمات والشركات التي يمكنها توفير الموارد والدعم اللازمين للتعليم من أجل التنميةِ المستدامة.
استدامة العملية التعليمية نفسها
لعلنا أسهبنا -في فقرات الملف الخاص لهذا العدد- في الحديث عن تأثير التعليمِ في تحقيق أهداف التنميةِ المستدامة، وكيف يؤثر التعليمُ الجيد في تقدم ونمو الأمم. ولكن الأمر الذي لا يجب أن نغفل عنه هو استدامة العملية التَّعليمية نفسها، من بنية تحتية، ومناهج دراسية، وكوادر تدريسية، إلى غير هذا.
ويمكننا إيجاز مفهوم استدامة عملية التعليمِ في أنها تعني القدرة على توفير بيئة تعليمية فعَّالة ومستدامة للأجيال الحالية والمستقبلية، وبما يشمل العديد من الجوانب، بما في هذا الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
أولًا– الاستدامة البيئية، وهذا عن طريق استخدام تقنيات التعليمِ والمواد التَّعليمية التي تعكس الوعي بالبيئة، وتشجع على حمايتها، فضلًا عن التحول إلى التعلم الرقمي، الذي يعتمد على وسائل التعلم عن بُعدٍ؛ ما يعني خفض استهلاك العملية التَّعليمية لاستخدام الموارد، مثل الطاقة والورق. جانب آخر في الاستدامة البيئية لعملية التعليمِ، هو تشجيع استخدام الطاقة المتجددة وتقنيات البناء الصديقة للبيئة في تصميم وتشييد المدارس والجامعات.
ثانيًا– الاستدامة الاجتماعية، وأُولى مبادئ الاستدامة الاجتماعية في التعليمِ هي التنوع والشمولية، وهذا عن طريق إنشاء بيئة تعليمية ترحب بالجميع دون اعتبار للجنس أو العِرق أو الدِّين أو الخلفية الاجتماعية. المبدأ الثاني هو المشاركة المجتمعية، وهذا عن طريق العمل مع المجتمعات المحلية بشكل أعمق؛ لتحديد احتياجات التعليمِ حسب طبيعة كل منطقة، وضمان توفير التعليمِ بالجودة المرجوة. أخيرًا، يجب علينا تعزيز العدالة الاجتماعية في التعليمِ، ونقصد بهذا ضمان إتاحة فرص متساوية للتعليم الجيد بين جميع الطلاب، بغض النظر عن مستواهم المادي.
ثالثًا– الاستدامة الاقتصادية، وتكون عن طريق الاستثمار في التعليمِ؛ لتحسين البنية التحتية الخاصة به، وتطوير المناهج، وتدريب المعلمين بشكل يُناسب واقعنا الذي نعيشه اليوم. أمر آخر هو الاستثمار في أنواع التعلم، التي تعزز مهارات التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات والتواصل. وهي مهارات أساسية تنعكس على كوادر المستقبل؛ ما يعني -بالضرورة- الإسهام في الازدهار الاقتصادي. ويجب علينا -بالإضافة إلى هذا- تطوير الاقتصاد المعرفي عن طريق التشجيع على البحث والابتكار، ونقل المعرفة من خلال الشراكات بين الجامعات والحكومات والقطاع الخاص.
لتحقيق الاستدامة في عملية التعليمِ، يتطلب الأمر تعاونًا وجهودًا مشترَكةً من الحكومات والمؤسسات التَّعليمية والمجتمعات المحلية والشركات، فمِن خلال الاستثمار في هذه الجوانب الثلاثة -البيئية والاجتماعية والاقتصادية- يمكننا بناء نظام تعليمي مستدام، يساهم في تحقيق التنميةِ المستدامة على المدى الطويل.
ولا يفوتنا في هذا الموضع أنْ نشدِّدَ على أهمية ومحورية دور المعلم في العملية التَّعليمية، فهو ليس مجرد موظف يُقدم المعرفة فحسب، وإنما هو -أيضًا- مُرَبٍّ يُفترَضُ فيه أن يكون نموذجًا ملهِمًا وقدوةً ومرشِدًا لطلابه؛ فالمعلم يحمل على عاتقه مسئوليةً عظيمةً وأدوارًا كبيرةً في دفع استدامة العملية التَّعليمية، وضمان إسهامها -بشكل إيجابي- في تحقيق أهداف التنميةِ المستدامة.
المعلم هو المسئول عن توجيه الطلاب وتحفيزهم لاكتساب المهارات المختلفة، كما أنه يقوم بنقل المعرفة والخبرات الحياتية إلى طلابه، كما أنَّ له دورًا كبيرًا في تشكيل السلوك والشخصية، عن طريق إرشاد الطلاب إلى القيم المُثلى والأخلاق الحميدة، بالإضافة إلى تقديمه الدعم والتوجيه الشخصيّ للطلاب؛ للتغلب على المصاعب التي يواجهونها في حياتهم بشكل عامّ، وكل ما سبق يؤثر -بشكل عظيم- في النمو العقلي والاجتماعي للأجيال الجديدة.
ويناقش معكم في السطور القادمة -بمزيد من التعمق- الدكتور/ محمد زيادة دورَ المعلم التربوي في صناعة كوادر المستقبل، التي يمكنها تحقيق تطلعاتنا الحالية والمستقبلية.
استدامة التعليم المستدام
كثيرًا ما يكون الحديث حول كيفية تحقيق التعليمِ المستدام بالحثِّ على تضمين المناهج الدراسية العديدَ من الموضوعات المتعلقة بالتنميةِ المستدامة، وزيادة الوعي بقضاياها المختلفة، وخاصةً حقوق الأجيال القادمة في حياة جيدة، غير أنه من الأهم العمل على ضمان حق هذه الأجيال في عملية تعليمية جيدة، وليس فقط عن طريق التوعية بحقهم في حياة جيدة وتعليم جيد في العملية التَّعليمية الراهنة؛ لذا فما هو أكثرُ أهميةً وأشدُّ إلحاحًا هو العمل على ضمان استدامة التعليمِ، وليس العمل على تحقيق التعليمِ المستدام فقط.
التربية أساس التعليم المستدام
لطالما اقترنتْ كلمتَا التربية والتعليمِ، غير أنَّ الأُولى لم تكن لتأتي أبدًا بعد قرينتها؛ فالتربية هي الأساسُ الذي تُبنَى عليه كل معرفة، والتربةُ الصالحةُ التي تُغرَسُ فيها أخلاقُ العِلم والعمل، والسلوك المستدام الذي تطمح إليه شعوب العالم؛ فلا جدوى من تعليم يفتقر إلى نفوسٍ سويةٍ وعزائمَ قويةٍ تحب العملَ وتُقدر العِلم وتُؤثِرُ الآخرَ؛ لتتحقق بذلك تنمية مستدامة صادقة؛ فتحسين العملية التَّعليمية بمفردها -حتى لو كانت مستدامةً في ظاهرها- مجردَ عملية زائفة.
لذا، يمكنني أنْ أجزم بأنَّ التربيةَ هي حجر الأساس، والأصل الذي لا غنى عنه لتحقيق التنميةِ والاستدامة معًا، وإنْ كان عادةً ما يقتصر الحديث عن التعليمِ المستدام على كيفية جعل العمليات التَّعليمية معنيةً بقضايا الاستدامة، إلا إنه من الضروريّ أنْ نعملَ على استدامة العملية التَّعليمية في حد ذاتها، وهو ما يعني أنْ تتركز جهودنا في كيفية ضمان عملية استدامة التعليمِ حاليًّا بتنميتها، ومستقبلًا بضمان المحافظة على السير بالوتيرة ذاتها وعلى النهج نفسه؛ لأجل توفير تعليم جيد للأجيال القادمة.
لذا، يضمن لنا نهج الارتقاء بالعملية التربوية مسيرةً مستدامةً، تغرس في قلوب الطلاب وطباعهم وسلوكهم منذ الصغر الأفكارَ والثقافاتِ المتعلقةَ بالأخلاقيات الحميدة أولًا، وبالعِلم ثانيًا، ثم بالسلوك المستدام ثالثًا؛ لنضمنَ بذلك كله أجيالًا ذاتيةَ التعلم لكل ما هو حَسنٌ وحميدٌ، وعلميّ وصالحٌ، وتنمويّ ومستدامٌ، مهما اختلفت مستويات ومجالات التعليمِ وآلياته ومخصصاته، ومهما تباينت النظم التَّعليمية ومناهجها وإمكاناتها، وغيرها من الأمور التي لا تجدي خطط تطويرها نفعًا ما دامت مفتقِرةً إلى الارتقاء بالمنظومة التربوية ذاتها.
المُعلم أساس استدامة التعليم
لا يُنكِر أحدٌ ما للتكنولوجيا من دور في إعادة بلورة مفاهيم التعليمِ، وتعزيز قدراته بما يتواكب مع القفزات العالمية على المستويينِ الاقتصاديّ والاجتماعيّ. ولكننا، ندرك -أيضًا- أنَّ أصلَ ذلك كله هو الإنسان؛ محور كل عمليات التنميةِ في القطاعات كافةً، بخاصة التَّعليم.
فالكادر البشريّ هو الركيزة الرئيسة التي ترتكز عليها الأممُ في بناء حاضرها، وتأمين مستقبل أجيالها. وحتى نكون أكثر دقةً فالمقصود هنا بالكادر البشريّ هو ذلك الفرد الذي حظِي بمستوىً مناسبٍ من التعليمِ، والذي بَنَتِ التربيةُ فيه رغبةً حقيقيةً في أنْ يكون مؤثرًا بالارتقاء بعمله، وقيمةً مضافةً في رفعة شأن مجتمعه، ومحافِظًا على حقوق الأجيال القادمة.
فإنْ كانتِ التربيةُ هي قلب التعليمِ وجوهره، فإنَّه لا شكَّ في أنَّ المُعلمَ هو تلك الرئة التي تمد هذا القلب بالحياة، فَلَإِنْ صَلُحَا صَلُحَ جسدُ العملية التَّعليمية برمتها؛ لذا إنْ كان من المستهدف أنْ نُحقق استدامةَ العملية التَّعليمية على أكمل وجه فلا بُدَّ لنا من أنْ نعملَ على بناء أجيال من المربِّينَ -المُعلِّمين- ليكونوا قادةً وقدوةَ أحفادِنا في المستقبل.
حماة الأرض
في النهاية أقول: إنَّ استدامةَ التعليمِ المستدام لنْ تَتَأَتَّى إلا بالاهتمام بالمنظومة التربوية، وبالعمل على إنشاء أجيال من المُعلِّمين ذوي الخُلق الرفيع والسلوك المستدام والعِلم النافع؛ ليصبحوا بذلك كله قدوةَ أجيالٍ قادمةٍ، تُربي أجيالًا آتيةً على الأسس والمبادئ والأخلاق والسلوكيات ذاتها؛ لنضمن بذلك كله عمليةً تنمويةً تربويةً مستدامةً، ولنحقق استدامةَ التعليمِ المستدام؛ فنكون حينئذٍ -حقًّا- حماةَ الأرضِ.