الدور المنتظر من سوق شهادات الكربون في البورصة المصرية
الدور المنتظر من سوق شهادات الكربون في البورصة المصرية
في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي، صدر قرار الدكتور مصطفى مدبولي -رئيس مجلس الوزراء- رقم (4664) لسنة 2022، بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون رأس المال رقم (135) لسنة 1993، وهذا بإضافة المادتينِ (35 مكررًا 7)، و(35 مكررًا 8)، لإنشاء وتنظيم سوق طوعي لشهادات الكربون في البورصة المصرية.
أتى هذا القرار بعد إطلاق الحكومة المصرية -في خلال فعاليات مؤتمر المناخ «COP27» بشرم الشيخ- أول سوق طوعي لتداول وإصدار شهادات الكربون، وهو الأول من نوعه في القارة السمراء. السوق الجديد سيتم تنظيمه عن طريق التعاون بين عدد من الجهات، منها البورصة المصرية، والهيئة العامة للرقابة المالية، وغيرها؛ وذلك لوضع الأسس التنظيمية وهياكل العمل لتفعيل دور هذا السوق الواعد.
تساعد أسواق الكربون الشركات والمؤسسات من مختلف القطاعات علَى استعادة جزء من استثماراتها الخضراء الموجَّهة نحو المشاريع الخاصة بالحد من البصمة الكربونية وغازات الاحتباس الحراري؛ وبالتالي إعادة استثمار الأموال المستعادة في العمل على تحقيق المزيد من أهداف التنمية المستدامة، والوصول إلى الحياد الكربوني.
ماذا نعني بشهادات الكربون؟
نقصد بشهادات الكربون (Carbon Credits) كل شهادة أو تصريح قابل للتداول، يمثل الحق في إصدار كمية محددة من ثاني أكسيد الكربون، أو كمية مكافئة من الغاز الدفيئة المختلفة. وتعتبر أرصدة الكربون وأسواق الكربون مكونًا رئيسيًّا في الاستراتيجيات الوطنية والدولية لدى العديد من البلدان والمؤسسات، وذلك ضمن مساعي التخفيف من زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري (GHGs) في الغلاف الجوي.
شهادة واحدة من شهادات الكربون تساوي طنًّا واحدًا من هذا الغاز، أو كمية مكافئة لهذا من الغازات الدفيئة الأخرى كما هي الحال في بعض الأسواق. ويُعَدُّ تداول الكربون تطبيقًا لنهج تجارة الانبعاثات “Emissions trading”، حيث يتم وضع حد أقصى لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ثم يتم استخدام الأسواق لتوزيع الانبعاثات بين مجموعة من المصادر.
ويرجع الهدف من هذه الشهادات إلى السماح لآليات السوق بتوجيه العمليات الصناعية والتجارية في اتجاه انبعاثات منخفضة، أو أساليب أقل كثافة للكربون؛ نظرًا إلى أنَّ مشاريع التخفيف من الغازات الدفيئة تولد أرصدة من شهادات الكربون، حيث يتم تخصيص عدد معين من الشهادات للشركات أو الدول، وقد يتم تداولها للمساعدة على موازنة إجمالي الانبعاثات في جميع أنحاء العالم.
ولتبسيط الأمر، لنفترض أنَّ مصنعًا -ملتزمًا بالقانونين واللوائح ذات الصلة- يَنتج عن عملياته الصناعية كمية تبلغ 10 أطنان من ثاني أكسيد الكربون، وقام بعمل مشروع لخفض هذه الانبعاثات حتى تصل إلى 6 أطنان فقط؛ سينتج عن هذا المشروع 4 شهادات كربون، كل شهادة بكمية طن واحد. يمكن لهذا المصنع بيع هذه الشهادات إلى شركات أخرى، بحيث تكون كل شهادة دليلًا على أنَّ مالكها قام بتمويل الحد من انبعاثات الكربون بمقدار واحد طن.
على جانب آخر، فإن المالك النهائي لهذه الشهادة سيكون له الحق في توليد كمية واحد طن إضافية من ثاني أكسيد الكربون، أو ما يكافئه من الغازات الدفيئة الأخرى؛ وبالتالي تلجأ العديد من الشركات إلى شراء شهادات الكربون للسماح بزيادة كميات انبعاثاتها، خصوصًا تلك الشركات التي تدير أعمالًا يصعب خفض بصمتها الكربونية.
تنظيم شهادات الكربون
تنص المادة (35 مكررًا 7) من لائحة قانون رأس المال رقم (135) لسنة 1993 على: «ينشأ في البورصة المصرية سوق طوعي لتداول شهادات خفض الانبعاثات الكربونية. وتعد تلك الشهادات أدوات مالية قابلة للتداول… وتصدر لصالح أي جهة تنفذ مشروعات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعد الحصول على موافقة الجهات المعنية ذات الاختصاص، وتمثل كل وحدة طنًّا من ثاني أكسيد الكربون المكافئ تم تخفيضه…».
ولتنظيم الأمر نصت تعديلات اللائحة في المادة (35 مكررًا 8) على تشكيل لجنة للإشراف والرقابة على وحدات خفض الانبعاثات الكربونية، تتولى وضع القواعد الخاصة بإصدار شهادات خفض الانبعاثات الكربونية، وإتاحتها للتداول.
ولعل هذا التعديل يكون حجر الأساس لبدءِ تداول شهادات الكربون في السوق المصري، ولكن حتى الآن لم يَصدر القانون المنظم لآلية عمل هذه الشهادات وكيفية تداولها؛ لذا قدمت النائبة غادة علِي مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون سوق المال، وهو ما تم مناقشته والموافقة عليه في اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، والتي يترأسها الدكتور محمد سليمان.
ولعل الهدف من ذلك هو إضافة مشروعية أقوى لسوق تداول شهادات الكربون، نظرًا إلى ما تحمله القوانين من قوة مقارنةً بالقرارات الوزارية، ولرسم سياسة التمويل الأخضر في مختلف القطاعات المصرية، خصوصًا بعد احتضان مصر لقمة المناخ «COP27».
هذه الجهود للحاق مصر بأسواق الكربون العالمية سيكون لها بالغ الأثر في دفع الاستثمارات الخضراء، وتعزيز مكانة مصر الريادية في القارة السمراء في دعم مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية، تحقيقًا للعديد من أهداف التنمية المستدامة.
المنتظر من التشريعات الجديدة
يقع على سوق تداول الكربون المصري دور مهم في دعم الجهود لمختلف بلدان القارة السمراء، سواءً على المستوى الخاص أم الحكومي؛ لتحقيق العديد من الفوائد على مناحي التنمية الثلاثة الأساسية: الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية.
لن نبالغ إذا قولنا: إنَّ الإعلان عن سوق طوعي لتداول شهادات الكربون في مصر حدثٌ تاريخي طال انتظاره، حيث يضع القارة الأفريقية على خارطة العمل المناخي العالمي، كما سيتيح للعديد من البلدان الحصول على المزيد من التمويلات المناخية، وزيادة قدراتها على التكيف مع التغيرات المناخية.
السوق الطوعي للكربون -والذي يُعَدُّ الأول من نوعه في أفريقيا- يأتي اتساقًا مع استراتيجية مصر الوطنية لتغير المناخ 2050، التي تركز بشكل رئيسي على زيادة كفاءة وتعزيز البنية التحتية لتمويل المناخ.
بكل تأكيد نعي أنَّ اكتمال الإطار التشريعي والقانوني لتداول شهادات الكربون سيأخذ بعض الوقت، ولكن نأمل في المستقبل القريب أنْ تحقق هذه النتائج المنتظرة إصدار ما يصل 7 مليارات طن من أرصدة الكربون المحلية في خلال الأعوام القليلة القادمة.
ننتظر من سوق الكربون الطوعي المساهمة في تحويل العديد من القطاعات إلى الاستدامة، ليس فقط قطاعات الزراعة والصناعات الثقيلة فحسب، وإنما أيضًا المؤسسات الخدمية المختلفة.
الصياغة النهائية للإطار التشريعي المنظم لسوق الكربون الطوعي سيكون له تأثير بالغ في ظهور عدد كبير من الشركات المصرية التي تعمل في هذا السوق الناشئ، كما سيكون من الحاسم التسويق لهذا السوق بالشكل المناسب، مثل الجولات الترويجية في بلدان القارة السمراء.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أنْ نعبر عن سعادتنا بهذه الخطوة التي طال انتظارها، كما أننا نتطلع إلى تحقيق عدد من الإنجازات الخضراء في الأعوام القليلة القادمة؛ نتيجةً للدعم المنتظر من سوق الكربون الطوعي، واتساقًا مع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.