صناعات مستدامة

استثمار الحرارة الأرضية: الطاقة الحرارية الجوفية تفتح آفاقًا جديدةً للتنمية المستدامة

الطاقة الحرارية الجوفية

استثمار الحرارة الأرضية: الطاقة الحرارية الجوفية تفتح آفاقًا جديدةً للتنمية المستدامة

الطاقة الأرضية التي تُعرف أيضًا باسم الطاقة الحرارية الجوفية (Geothermal Energy)، هي أحد المصادر النظيفة والمتجددة المعتمِدة على درجات الحرارة الكبيرة الموجودة -بشكل طبيعي- في باطن الأرض، حيث يمكن تشغيل أنظمة تقوم باستغلال هذه الحرارة لتوليد البخار؛ ومِن ثَمَّ يقوم هذا البخارُ بتدوير توربينة متصلة بمولد لتوليد الكهرباء.

ويتم إنتاج الطاقة الحرارية الجوفية -عادةً- مِن خلال حفر بئرٍ عميقةٍ في الأرض، للوصول إلى خزانات المياه الساخنة التي تتميز بتصاعد البخار؛ لذا تُعتبر هذه الطاقةُ مصدرًا مستدامًا وصديقًا للبيئة بشكل واسع؛ بسبب أنَّ انبعاثاتِ غازاتها الدفيئة محدودةٌ، وتأثيرها البيئي محدود -أيضًا- مقارنةً بالوقود الأحفوري التقليدي.

وفي هذا المقال سنستعرض معكم مدَى إمكان الاعتماد على هذه الطاقة، باعتبارها مصدرًا نظيفًا ومستدامًا في المستقبل، مع تسليط الضوء على كيفية استخراجها، والإجابة عن سؤال: ما القيودُ الحاليَّةُ أمام هذا النوع الجديد من الطاقة؟

كيف تُوَلَّدُ الطاقةُ الأرضيةُ؟

الطاقة الحرارية الجوفية

إنَّ توليدَ هذا النوع من الطاقة يتطلب سلسلةَ خطواتٍ معقدة، والبدايةَ تكون عن طريق تحديد واستكشاف الأماكن الغنية بالموارد الحرارية الجوفية، وهذا من خلال الدراسات الجيولوجية التي تحدد لكل بقعة من الأرض طبيعتها الحرارية. بعد تحديد الموقع المناسب تُحفَرُ بئرٌ في قشرة الأرض، للوصول إلى خزانات المياه الساخنة أو البخار، حيث تُستخرَجُ هذه المياه -أو البخار- من خلال آبار الإنتاج، ونقلها إلى السطح؛ وهذا لاستخدامها في محطات توليد الطاقة.

ومن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ هناك ثلاثةَ أنواعٍ من محطات توليد الطاقة الجوفية الحرارية.

الأول– يُعرف باسم محطات البخار الجاف، التي تَستخدِم البخارَ الخارجَ مباشرةً من آبار الحفر لتدوير التوربينات؛ ومن ثَمَّ توليد الكهرباء.

الثاني– يُعرف باسم محطات البخار، التي تقوم بنقل الماء الساخن من خزانٍ إلى آخرَ ذِي ضغطٍ أقل، مما يؤدي إلى تحويل الماء بسرعة إلى بخارٍ؛ وبالتالي توليد الكهرباء.

الثالث– محطات الدورة المزدوجة، التي تستغلُ السوائلَ الأرضيةَ، التي تتميز بدرجات غليان مرتفعة؛ لتسخين سوائل ذات درجة غليان أقل، مثل: الأمونيا أو إيزوبوتان، حيث يتم استغلال بخار الأخيرة لتوليد الكهرباء.

مزايا الطاقة الحرارية الجوفية

تُقدِّمُ الطاقةُ الحراريةُ فوائدَ متنوعةً بصفتها بديلًا مستدامًا للطاقة، حيث إنَّ حرارةَ الأرض الداخلية مصدرُ طاقةٍ موثوق به وثابت تقريبًا، ويمكن الوصول إليه في جميع الأوقات، على خلاف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث يعتمد كلاهما على نمط الطقس؛ ممَّا يعني أنهما لن يكونَا متاحينِ في جميع الأوقات.

تُعتبر الطاقةُ الحراريةُ الجوفيةُ مصدرَ طاقةٍ مستدامًا بيئيًّا؛ لإسهاماتها الضئيلة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهذا بسبب اختلافها عن الوقود الأحفوري في أنها لا تنطوي على عملية احتراق؛ مما يقلل من تلوث الهواء، ويتجنب أي تسبب في تغيُّر المناخ.

ويمكن استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في مجموعة واسعة من التطبيقات -بخلاف إنتاج الكهرباء- منها استخدام مضخات الحرارة الجوفية -على سبيل المثال- أو أنظمة التدفئة المركزية؛ وذلك لتوفير التدفئة والتبريد للأنشطة السكنية والتجارية والصناعية.

أما على الجانب الاقتصادي، فسيوفر سوقُ استخدام الطاقة الحرارية الجوفية فرصَ عملٍ عديدة، هذا بخلاف الإسهام في تعزيز الاقتصادات المحلية والحد من الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري. وهنا نطرحُ سؤالًا، هو: بما أنَّ الطاقةَ الحراريةَ الجوفيةَ موردٌ متجددٌ ومستدامٌ، فلماذا لا نعتمد عليها بشكل أكبر؟

عيوب الطاقة الحرارية الجوفية

على الرغم من كون الطاقة الأرضية مصدرًا مستدامًا وصديقًا للبيئة -مقارنةً بالوقود الأحفوري- فإنَّها تعاني بعضَ العوائق التي تمنع الاعتماد عليها بشكل أكبر. وأبرز هذه العوائق هو التقيد بمواقع محددة حسب التوزيع الطبيعي للموارد الحرارية الأرضية، كما أنَّ عمليةَ البحث والحفر لإنشاء المحطات الجديدة تستلزم استثماراتٍ ضخمةً وخبرةً فنيةً كبيرةً.

كما قد تواجه عمليات تطوير وإنشاء محطات الطاقة الحرارية الجوفية عقباتٍ، وتتمثل هذه العقبات في الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة من مختلف الجهات، بالإضافة إلى تخصيص الأراضي، وهو ما قد يستغرق وقتًا طويلًا وتكلفةً عاليةً.

تطور الطاقة الحرارية الجوفية

في السنوات الأخيرة شهد مجالُ الطاقةِ الحراريةِ الجوفيةِ تطورًا ملحوظًا، مما أسهم في نمو هذه الصناعة، وزيادة الاعتماد عليها باعتبارها مصدرًا للطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت تكنولوجيا الحفر تقدمًا معتبرًا؛ وهو ما وسَّع نطاقَ الأماكنِ التي يمكن استغلالها لتوليد هذا النوع من الطاقة.

على جانبٍ آخرَ، كان للدعم السياسي دورٌ حاسمٌ في التقدم الذي أحرزه مجال الطاقة الحرارية الجوفية، حيث بُذِلَتِ الجهودُ لتيسير تنفيذ مشروعات الطاقة الأرضية، مِن خلال وضع إطارات تنظيمية واضحة، وتخصيص الحوافز المالية لهذه المشروعات؛ مما أدَّى إلى زيادة الاستثمار والبحث والتطوير في هذه التكنولوجيا الناشئة.

بالإضافة إلى ما سبق، يشق استخدام الطاقة الأرضية طريقه -تدريجيًّا- إلى أسواق وتطبيقات جديدة تتجاوز إنتاج الكهرباء، كما أنَّ للشراكاتِ الدوليةِ بين البلدان دورًا مهمًّا في تطور هذه الصناعة المستدامة، حيث أدَّى هذا إلى سهولة تبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا؛ لتسريع مشروعات البحث والتطوير المشترَكة. وقد أسهم هذا التعاونُ في تسريع وتيرة تطوير التقنيات الحرارية الجوفية وإدخالها إلى مناطق جديدة على مستوى عالمي.

مستقبل الطاقة الحرارية الجوفية

تمثل الطاقةُ الحراريةُ الجوفيةُ مصدرًا واعدًا في المستقبل؛ لمَا لها من مزايا عديدة، فهي طاقة متجددة، ومصدر مستدام يعتمد على حرارة الأرض دون الحَاجَةِ إلى حرق أي نوع من الوقود؛ لذا يمكنها تلبية احتياجاتنا من الطاقة بشكل نظيف لمئات القرون القادمة.

وفي الختام نقول، إنه على الرغم من العيوب التي تشوب الاعتماد -بشكل كلي- على الطاقة الأرضية، فإنها تشكل -بلا شك- جزءًا أساسيًّا من مستقبل الطاقة النظيفة، ولاعبًا رئيسيًّا في جهودنا لتحقيق “تحول الطاقة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى