خطى مستدامة

اليوم العالمي للأعشاب البحرية فرصة مستدامة

اليوم العالمي للأعشاب البحرية فرصة مستدامة

تعد الأعشاب البحرية من أبرز الكنوز البيئية التي تسهم في تحقيق التوازن في النظم البحرية، حيث تؤدي دورًا أساسيًّا في دعم التنوع البيولوجي، وتحسين جودة المياه، ومكافحة تغير المناخ. وإدراكًا لأهميتها المتزايدة أعلنت الأمم المتحدة عام 2022 الأول من مارس يومًا عالميًّا للأعشاب البحرية، بهدف زيادة الوعي العالمي بدورها البيئي والاقتصادي، وتعزيز الجهود لحمايتها من التهديدات المتزايدة التي تواجهها.

وفي هذه المناسبة تأخذكم حماة الأرض في رحلة لاستكشاف الأعشاب البحرية، بدءًا من دورها البيئي، ووصولًا إلى تأثيرها الاقتصادي، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها هذه الأنظمة وكيفية مواجهتها؛ لضمان استدامتها باعتبارها عنصرًا رئيسيًّا يدعم الحياة على كوكبنا؛ فتابعوا القراءة.

ملاذ الكائنات البحرية

تُمثل الأعشاب البحرية -وهي نباتات مُزهِرة تنمو في المياه الضحلة- جزءًا مهمًّا من الحياة البحرية في جميع أنحاء العالم، بدءًا من المناطق الاستوائية وحتى الدائرة القطبية الشمالية، ورغم أن الأعشاب البحرية تغطي نحو 0.1% فقط من قاع المحيطات، فإنها توفر موائل طبيعية غنية تدعم حياة آلاف الأنواع البحرية؛ فهي تشكّل مناطق حضانة أساسية لأنواع لا حصر لها من الأسماك والقشريات والرخويات، حيث تجد هذه الكائنات الغذاء والمأوى فيها؛ مما يضمن استمرار دورة الحياة البحرية.

وإلى جانب دورها في دعم التنوع البيولوجي تؤدي هذه النظم البيئية دورًا حيويًّا في تعزيز الأمن الغذائي العالمي، وهو ما يسهم في تحقيق الهدف (2) من أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الجوع؛ إذ تعد الأعشاب البحرية عنصرًا رئيسيًّا في دعم الإنتاج السمكي الذي يمثل مصدرًا أساسيًّا للغذاء لملايين الأشخاص حول العالم.

حل طبيعي لمواجهة تغير المناخ

وفي مواجهة التغيرات المناخية تبرز الأعشاب البَحرية باعتبارها واحدة من أكثر النظم البيئية كفاءة في امتصاص الكربون، حيث تستطيع تخزين كميات كبيرة منه في الرواسب البَحرية لفترات طويلة، مما يسهم في التخفيف من آثار الاحتباس الحراري، وهو ما يحقق الهدف (13) العمل المناخي.

كما أن دور الأعشاب البحرية في الحد من حموضة المحيطات يسهم في الحفاظ على صحة الشعاب المرجانية والكائنات البَحرية الحساسة لتغير كيمياء المياه؛ مما يعزز مرونة النظم البيئية البحرية وقدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية. وإلى جانب ذلك، توفر هذه النظم البيئية حاجزًا طبيعيًّا يحمي السواحل من تأثيرات العواصف وارتفاع مستوى سطح البَحر، حيث تعمل على تقليل قوة الأمواج والحد من مخاطر الفيضانات والتآكل الساحلي، مما يسهم في استدامة المجتمعات الساحلية اقتصاديًّا واجتماعيًّا، ويتماشى مع الهدف (14) الحياة تحت الماء، الذي يشدد على أهمية حماية البيئات البَحرية واستعادتها؛ لضمان استمرار الخدمات التي تقدمها إلى الطبيعة والإنسان.

فرص اقتصادية واستثمار مستدام

ولا تقتصر أهمية الأعشاب البَحرية على دورها البيئي فحسب، وإنما تمتد إلى دعم الاقتصادات المحلية، خاصة في الدول التي تعتمد على النشاط البَحري باعتباره مصدرًا رئيسيًّا للدخل؛ فتطوير سلاسل مستدامة قائمة على الأعشاب البَحرية يعزز النمو الاقتصادي، وهو ما يسهم في تحقيق الهدف (8) من أهداف التنمية المستدامة: العمل اللائق ونمو الاقتصاد، وذلك من خلال توفير فرص عمل جديدة في مجالات الصيد المستدام، والاستزراع البَحري، والتصنيع الغذائي، وحتى في الصناعات الدوائية والتجميلية التي تستخدم مستخلصات الأعشاب البَحرية في إنتاج منتجات طبيعية ذات قيمة عالية.

تحديات بيئية

ورغم ما لها من فوائد، تواجه الأعشاب البَحرية تهديدات متزايدة؛ إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 21% من أنواعها أصبحت مهددة بالانقراض، مما يفرض تحديًا كبيرًا على الجهود البيئية الساعية لحمايتها. وفي هذا السياق، تمثل استعادة هذه النظم البيئية إحدى الاستراتيجيات الفعالة لمكافحة تغير المناخ، حيث يمكن إدراج قدرتها على تخزين الكربون ضمن الإسهامات الوطنية الرامية إلى خفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية، توافقًا مع التوجهات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ.

وفي السياق ذاته، أصبح حفظ مروج الأعشاب البَحرية واستعادتها جزءًا أساسيًّا من الجهود الدولية الرامية إلى حماية التنوع البيولوجي. ويعد دمجها ضمن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020، إلى جانب إدراجها في اتفاقية التنوع البيولوجي، خطوة جوهرية لضمان استدامة الموارد البَحرية، التي تشكل مصدرًا رئيسيًّا للمعيشة والأمن الغذائي لملايين الأشخاص حول العالم.

نحو التزام عالمي بحماية الأعشاب البَحرية

إن حماية هذه المواطن البَحرية باتت ضرورة لضمان صحة المحيطات واستدامة الموارد التي نعتمد عليها. ومن خلال استراتيجيات قائمة على الحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من التلوث، وتشجيع السياسات الداعمة للاستدامة، يمكن تعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على التكيف مع التغيرات البيئية، وتحقيق تنمية متوازنة تحمي الطبيعة وتدعم الاقتصادات المحلية في آنٍ واحد.

وفي هذا الإطار تواصل حماة الأرض جهودها في التوعية بأهمية الأعشاب البَحرية، وتعزيز المبادرات التي تسهم في استعادة هذه النظم البيئية الحيوية، انطلاقًا من التزامها بدعم أهداف التنمية المستدامة؛ فحماية البيئة هي استثمار في مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى