تحديات الاستدامة في صناعة أسود الكربون
كيف يمكن لتدوير الإطارات أن يشكل مستقبل هذه الصناعة
تحديات الاستدامة في صناعة أسود الكربون
في كل عام يصل أكثر من «1.7 مليار» إطار (كاوتش) إلى نهاية حياتهم الافتراضية وينتهي بهم الأمر في مدافن النفايات التي تلوث البيئة. ومن ثم فإن إعادة تدوير هذه الإطارات لاستعادة أسود الكربون منها والمواد الكيميائية الأخرى يصبح أمرا بالغ الأهمية؛ لضمان بيئة صحية واستدامة لصناعة أسود الكربون، ويعتبر أيضا خطوة مهمة نحو تحقيق الاقتصاد الدائري.
من فترة قريبة، كانت هناك جهود محدودة جدا فيما يخص إعادة تدوير الإطارات المستهلكة من أجل استعادة أسود الكربون، كما أنه في السنوات القليلة الماضية كان هناك دافع عالمي متزايد من أجل الاستدامة في جميع أنواع العمليات الصناعية والأنشطة الاقتصادية المختلفة. من بين الشركات المصنعة لأسود الكربون، تعتبر شركة أوريون «Orion Engineered Carbon» وشركة بيرلا «Birla Carbon» رائدين في مجال صناعة أسود الكربون على مستوى العالم، وبالتالي يقع جزء كبير من مسؤولية إدخال وتبني ممارسات صديقة للبيئة في هذه الصناعة على عاتقهما، بالإضافة إلى العمل على استعادة وإعادة تدوير أسود الكربون.
ما أسود الكربون؟
أسود الكربون هو مادة تتكون بشكل أساسي من عنصر الكربون النقي على شكل جزيئات غروية يتم إنتاجها عن طريق الاحتراق غير الكامل أو التحلل الحراري للهيدروكربونات الغازية أو السائلة عند درجات حرارة من 1320 إلى 1540 درجة مئوية في ظل ظروف محددة، ويكون الناتج في صورة مسحوق من الكربون أسود اللون ويتراوح قطر حبيباته بين 10 إلى 500 نانومتر.
يعتبر أسود الكربون منتجا متعدد الاستخدامات للغاية يخدم العديد من الصناعات الرئيسية، بما في ذلك السيارات والمطاط والكاوتش والدهانات والطلاء والمواد اللاصقة ومانعات التسرب، وقد زاد استخدامه مؤخرا في إنتاج البطاريات. كان المصنعون على مستوى العالم يقظين للغاية في اغتنام فرصة السوق وتوسيع الطاقة الإنتاجية.
حاليا يعتبر تصنيع أسود الكربون عملية ضارة بيئيا للغاية حيث يتم إنتاج 1 طن من أسود الكربون باستخدام 1.2 – 1.5 طن من الوقود الأحفوري في صورة الزيوت الثقيلة المتبقية والمشتقة من عمليات تكرير البترول وتقطير قطران الفحم، أضف إلى ذلك استهلاك كميات هائلة من الماء، وبالتالي فإن عملية الإنتاج تطلق بشكل كبير أطنانا من ثاني أكسيد الكربون إلى جانب الغازات الأخرى والمركبات الكيميائية الضارة، وللحد من إطلاق بعض الملوثات الأخرى الخاضعة للتنظيم بشكل قانوني، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون تقوم الشركات بحرق هذه الغازات، وهو ما ينتج طاقة قابلة للاستخدام كمنتج ثانوي .
من المتوقع أن يظهر سوق الكربون الأسود نموا متواضعا بين عام 2022 إلى عام 2027. ومن المتوقع أن ينمو سوق مطاط أسود الكربون بنسبة 2-3٪، بينما من المتوقع أن ينمو سوق منتجات أسود الكربون المتخصصة بمعدل نمو سنوي بنسبة 4-5٪ للسنوات المذكورة أعلاه، وذلك حسب تقديرات شركة أوريون.
أسود الكربون في صناعات المطاط والكاوتش
مطاط أسود الكربون له فائدة كبيرة في صناعة الإطارات، وقد بلغ إجمالي الإنتاج العالمي لأسود الكربون حوالي «13.5 مليون» طن متري، بما في ذلك المطاط ومنتجات أسود الكربون المختلفة. وبالتالي فإن الحاجة إلى دمج أسود الكربون المعاد تدويره أو المستعاد في سلاسل القيمة المختلفة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. ومن ثم فقد حان الوقت لدمج أسود الكربون المستعاد في سلاسل القيمة المختلفة ليس فقط لتلبية الطلب المتزايد على الكربون الأسود ولكن للحد أيضا من التدهور البيئي.
يعتبر أسود الكربون جزءا لا يتجزأ من عملية تصنيع الإطارات حيث يتم استخدامه كعامل تقوية للمطاط؛ لتوفير متانة أكبر، وتقليل المقاومة الناتجة عن الاحتكاك، ومنع الانزلاق. يتم إنتاج أكثر من «2.5 مليار» إطار سنويا، ويحتوي كل إطار على ما يقرب من 3 كجم من أسود الكربون، بإجمالي يبلغ «7.5 مليون» طن من الكربون الأسود؛ وبالتالي فإن أحد مصادر الكربون الأسود المتاح بسهولة هو الإطارات الهالكة والمستهلكة.
ومع ذلك، وبسبب استخدام بعض المعادن في تصنيع الإطارات، شكلت عمليات إعادة تدوير الإطارات لاستعادة أسود الكربون تحديا كبيرا؛ لذلك كان البديل استخدام الإطارات الهالكة في عمليات توليد الطاقة، حيث مثل ذلك خيارا اقتصاديا مناسبا، إلا إن الجهود لم تتوقف نحو إيجاد طريقة مناسبة لإزالة المعادن من الإطارات الهالكة واستخراج أسود الكربون عالي النقاء، ومن ثم استخدام أسود الكربون المستعاد (rCB) في تصنيع إطارات جديدة أو التطبيقات الصناعية الأخرى.
أهمية دور الشركات الكبيرة في قيادة الصناعة إلى الاستدامة
من بين أكبر 4 منتجين لأسود الكربون، تعد شركة بيرلا أكبر منتج لمطاط أسود الكربون، حيث تستحوذ على الجزء الأكبر من الطلب العالمي على أسود الكربون في هذا المنتج. وفي الوقت نفسه تعد شركة أوريون أكبر منتج لأسود الكربون في العالم لتلبي الطلب على الأنواع المختلفة من أسود الكربون.
كانت أوريون نشطة للغاية في جهودها لضمان الاستدامة في عملياتها التجارية؛ بهدف الوصول إلى الاقتصاد الدائري، وتشمل استراتيجية الشركة أقساما ثلاثة: تمكين الكربون، وإعادة تدوير الكربون، والكربون المتجدد. ونظرا لتوقعات النمو الكبيرة لصناعة بطاريات أيون الليثيوم، يتحول التركيز الآن إلى المزيد من منتجات الكربون الموصلة، ما سيعني بالضرورة زيادة الطلب خصوصا مع تزايد التوجه بتبني السيارات الكهربية.
تشمل إعادة تدوير الكربون استخدام الإطارات الهالكة في عملية الانحلال الحراري (التعرض لحرارة عالية في غياب الأكسجين) لإنتاج الزيت، ثم استخدامه لإنتاج كل من الكربون الأسود المتخصص والمطاط. كانت أوريون رائدة عالميا في بحثها عن بديل حيوي من المواد الخام لإنتاج الكربون الأسود بدلا من الزيوت التقليدية التي تحتوي على نسبة عالية من الكبريت.
في عام 2021، أقامت أوريون شراكة مع معهد الأبحاث السويدية (RISE) لإنتاج أسود الكربون المستعاد على المستوى التجاري. وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي، سيشكل استخدام الكربون القابل لإعادة التدوير المتجدد في الإطارات نسبة 10٪ من السوق بحلول عام 2030.
على جانب آخر، فإن شركة بيرلا كاربون والتي تبلغ طاقتها الإجمالية لأسود الكربون أكثر من 2 مليون طن سنويا، هي أيضا من بين الشركات المصنعة المسؤولة التي تعمل من أجل الاستدامة في عملياتها الإنتاجية. دخلت الشركة في شراكة مع Circtec لإنتاج منتج من مادة كربونية مستدامة عن طريق إعادة تدوير الإطارات الهالكة، بما يضمن تقليل البصمة الكربونية لصناعات المطاط والبلاستيك والطلاء.
التحدي الرئيسي أمام استعادة أسود الكربون
يكمن التحدي الرئيسي في استعادة أسود الكربون من الإطارات في الوجود الكبير للرماد المعدني، والذي ينتج خلال عمليات الانحلال الحراري، وهو ناتج عن استخدام بعض المعادن التي يتم إضافتها أثناء تصنيع الإطارات لتقويتها. ومع ذلك، ففي عام 2021، طور مجموعة من الباحثين في بميونخ بألمانيا عملية لإزالة المعادن من أسود الكربون المستعاد. ووفقا للباحثين، فإن أسود الكربون المستعاد المعالج من هذه التقنية المطورة سيكون خاليا من أي بقايا معدنية ويمكن استخدامه في تصنيع الإطارات دون استخدام الكربون الأسود البكر.
في السابق كان من الممكن استخدام حوالي 10% فقط من أسود الكربون المستعاد في تصنيع الإطارات؛ إلا إنه بعد التقنية الجديدة التي أشرنا لها آنفا، يمكن أن يحل أسود الكربون المستعاد الذي تمت معالجته محل المادة الأولية بالكامل حسبما قال الباحثون. الميزة الأخرى التي تمتلكها التقنية هي استخراج المعادن عالية الجودة من الإطارات والتي يمكن إعادة استخدامها في التطبيقات الصناعية هي الأخرى.
أسود الكربون المستعاد يمكن أن يكون هو الحل المثالي لاستبدال أسود الكربون الذي يتم إنتاجه لأول مرة، ومع تقدم تقنيات المعالجة، سيكون متاحا لمختلف الصناعات الاعتماد على أسود الكربون المستعاد بنسبة 100% في العديد من التطبيقات، كما سيقلل إنتاج الكربون الأسود المستعاد من استخدام المياه في هذه الصناعة بنسبة 90٪ وسينتج عنه انبعاثات أقل بنسبة 90٪ مقارنة بالكربون الأسود البكر. وحسب تقديرات الباحثين، يعد أسود الكربون المستعاد المعالج أكثر قيمة بمقدار 20 مرة من أسود الكربون المستعاد غير المعالج.
الفائدة الهامة الأخرى لتوسيع نطاق استعادة الكربون من الإطارات الهالكة، هو تخليص البيئة من ملايين الأطنان من مخلفات الكاوتش التي يمكن أن تظل في البيئة لقرون دون أن تتحلل، أو يتم حرقها مولدة بذلك الغازات الدفيئة. إن إعادة دمج الإطارات الهالكة مرة أخرى في الصناعة يعني تطبيقا مستداما واقتصادا دائريا وصديقا للبيئة.
في الختام، فإن التطوير المستمر لتقنيات تنقية أسود الكربون المستعاد وزيادة استخدامه في الصناعات المختلفة، إلى جانب الحاجة المتزايدة لتصنيف أسود الكربون المستعاد مهدت الطريق لإدماجه في تصنيع الإطارات والدهانات والطلاء والسيارات وعدد من الصناعات الأخرى. ومن خلال بحث تم إجراؤه تبين أنه حاليا يمكن استخدام نسبة 10-20٪ من خليط أسود الكربون مع أسود الكربون المستعاد في معظم تطبيقات المطاط، مما يعني وجود مساحة كافية لزيادة هذه النسبة في ظل التقدم في إيجاد طرق لتنقية أسود الكربون المستعاد.