علوم مستدامة

إفريقيا تحترق.. تغير المناخ يجتاح القارة السمراء

المناخ

إفريقيا تحترق.. تغير المناخ يجتاح القارة السمراء

تشهد إفريقيا تغيرًا مناخيًّا صعبًا يتفاقم يومًا بعد يوم، بين فيضانات تُدمّر البيوت وتهجّر السكان، ومواسم جفاف تقضي على المحاصيل والمواشي، يزداد تأثير تغيّر المناخ في حياة الناس في مختلف أنحاء القارة. هذه التغيّرات لا تضرّ البيئة فقط، وإنما تؤثر في الغذاء والماء والتعليم والصحة والاستقرار في كثير من المجتمعات.

ومن هذا المنطلق، تتابع حماة الأرض تصاعد أخطار تغير المناخ في إفريقيا، لا بوصفها أزمة بيئية فحسب، وإنما باعتبارها تحديًا شاملًا يمسّ حياة الإنسان في أساسها. هذا المقال محاولة لتقريب الصورة، وتسليط الضوء على واقع يحتاج إلى استجابة تتجاوز الأقوال، وتعتمد على التزام فعلي بأهداف التنمية المستدامة ودعم الدول الأكثر هشاشة في مواجهتها اليومية مع تغيّر المناخ؛ فتابعوا القراءة.

تصاعد الخطر المناخي

تُشير منظمة الأرصاد الجوية العالمية التابعة للأمم المتحدة (WMO) في تقريرها الأخير إلى أن تغير المناخ والظواهر الجوية القاسية -من فيضانات مدمرة إلى موجات جفاف حادة- باتت تضرب كل جانب من جوانب التنمية في إفريقيا، وتزيد من حدة الجوع، وانعدام الأمن، والنزوح القسري.

موجات جفاف حادة

ففي عام 2024، ارتفعت درجة الحرارة السطحية في القارة بمتوسط 0.86 درجة مئوية مقارنة بالفترة المرجعية من 1991 إلى 2020، مع تسجيل شمال إفريقيا أعلى معدل ارتفاع بلغ 1.28 درجة مئوية، هذه الأرقام إشارات إنذار حقيقية، تُنذر بما هو أشد، إن لم يُتخذ موقف عالمي وإفريقي عاجل، يقوده التزام جاد بمبادئ الاستدامة.

الفيضانات تعصف بجنوب السودان

في جنوب السودان، كانت الفيضانات الأخيرة بمثابة إعصار يقتلع جذور المجتمعات المحلية من مكانها؛ حيث فقد الآلاف من الرعاة حيواناتهم، تلك الماعز والأبقار التي لا تُقدّر بثمن، ليس فقط باعتبارها مصدر رزق، وإنما باعتبارها رمزًا ثقافيًّا واجتماعيًّا أساسيًّا في طقوس الزواج والتقاليد المتوارثة.

“عندما يفقد الإنسان مصدر قوته، يفقد كرامته”، بهذه الكلمات وصف مشاك مالو -ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)  في جنوب السودان- حجم الأزمة التي تمر بها البلاد، مشيرًا إلى أن الكثير من العائلات التي كانت مكتفية ذاتيًّا، باتت اليوم تنتظر المعونات، وقد فقدت البلاد ما يقرب من 34 مليون رأس ماشية، ما يعادل تقريبًا ضعف عدد السكان، وتحوّلت المستنقعات الناتجة عن مياه الفيضانات إلى بيئة خصبة لانتشار الأمراض.

تتفاقم هذه الأزمة في ظل موجات متكررة من الفيضانات، كان آخرها في أكتوبر الماضي، حيث تضرر أكثر من 300 ألف شخص، وهو عدد كبير في بلد يفتقر أصلًا إلى بنية تحتية قادرة على الصمود، ويعاني من أزمات اقتصادية ونزاعات مسلحة مزمنة. وبحسب منظمة الأرصاد الجوية، أصبحت الفيضانات في جنوب السودان أكثر حدة وتكرارًا، إلى درجة أن زخات المطر الخفيفة باتت كافية لإحداث كارثة إنسانية جديدة، وهو ما يفاقم الأوضاع الإنسانية ويزيد من اعتماد السكان على المساعدات الدولية.

الاحتباس الحراري يهدد مستقبل الأطفال

موجات الحرارة القاتلة لم تعد مجرد أرقام في جداول تغير المناخ، وإنما أصبحت واقعًا يؤثر مباشرة في حاضر الأطفال ومستقبلهم؛ ففي جنوب السودان، أُغلقت المدارس في مارس 2024 بعد أن وصلت درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية. وبحسب تقرير لمنظمة اليونيسف، فإن ما لا يقل عن 242 مليون طالب حول العالم حُرموا من التعليم بسبب الظواهر الجوية المتطرفة، أغلبهم في دول إفريقيا.

الحرارة المرتفعة ليست فقط عائقًا أمام التعليم، وإنما هي تهديد مباشر للصحة والتنمية؛ فالمدارس غير المهيئة لمثل هذه الظروف تصبح أماكن غير آمنة، في حين تعجز المستشفيات عن تقديم الخدمات وسط انقطاعات المياه وتفشي الأمراض. وتُشير منظمة الأرصاد إلى أن السنوات العشر الماضية كانت الأشد حرارة على الإطلاق، مع توقعات بتصاعد الخطر في حال استمرت الانبعاثات بالوتيرة نفسها.

في ظل هذا التصاعد، لم يعد الحديث عن التنمية المستدامة ترفًا أو خيارًا إضافيًّا، وإنما صار ضرورة وجودية، خاصة في الدول الأكثر هشاشة؛ فتهيئة بيئة تعليمية وصحية آمنة هو في صلب الهدف (4) من أهداف التنمية المستدامة، ولا يمكن تحقيقه دون تحرك عالمي حاسم لاحتواء أزمة المناخ ومعالجة آثارها المتسارعة.

تغير المناخ يتسبب في تشريد الملايين

في غرب القارة السمراء، تسببت الأمطار الغزيرة هذا العام في دمار واسع النطاق، إذ اجتاحت الفيضانات الطرق والمنازل، وأدت إلى نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص. رقم بهذا الحجم يعكس كارثة إنسانية تتطلب استجابة فورية؛ ففي نيجيريا وحدها، أسفرت فيضانات سبتمبر 2023 عن مقتل 230 شخصًا، وتشريد نحو 600 ألف في مدينة مايدوجوري، إلى جانب تدمير المستشفيات وتلوث مصادر المياه في مخيمات النزوح.

وفي الوقت الذي تعاني بعض المناطق من فيضان مفرط يبتلع القرى ويُهجّر الأسر ويُتلف البنية التحتية، تعاني مناطق أخرى من العطش القاتل الذي يشق الأرض ويُذبل الزرع ويقضي على الثروة الزراعية والحيوانية؛ ففي دول مثل مالاوي وزامبيا وزيمبابوي، باتت أزمة الجفاف أكثر حدة وتكرارًا، حيث سجّلت هذه الدول أدنى معدلات لحصاد الحبوب منذ أكثر من عقدين، بنسبة انخفاض مروعة وصلت إلى 50٪ مقارنة بالمعدل السنوي للحصاد خلال السنوات الخمس الماضية.

تغير المناخ يقضي على الثروة الزراعية والحيوانية

يعكس التناقض الحاد بين موجات الجفاف والفيضانات واقعًا بيئيًّا معقّدًا يفاقم الأزمات في إفريقيا، ويضع ضغوطًا إضافية على جهود التنمية. وهذا يستدعي تطبيقات فعلية للهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالعمل المناخي، باعتباره شرطًا أساسيًّا لتحقيق الأمن الغذائي، والحد من الفقر، ودفع عجلة النمو في المناطق الأكثر هشاشة.

هل تحل التكنولوجيا أزمة المياه؟

ومع اتساع أزمة المياه في إفريقيا، يُطرح خيار تحلية المياه باعتباره حلًّا محتملًا، غير أن الواقع يكشف عن تعقيدات تتجاوز الحلول التقنية؛ فكما يؤكد الدكتور/ داويت سولومون، أحد المشاركين في مبادرة “تسريع أثر أبحاث المناخ في إفريقيا” (Accelerating Impacts of CGIAR Climate Research for Africa-AICCRA)، فإن تحلية المياه لا تمثل حلًّا سحريًّا، وإنما تفرض تحديات اقتصادية وبيئية واجتماعية عميقة، وتثير تساؤلات جوهرية بشأن العدالة والاستدامة على المدى البعيد.

وفي ظل غياب الموارد الكافية، يؤكد العلماء ضرورة الاستثمار في استراتيجيات التكيّف، مثل أنظمة الإنذار المبكر، والبنية التحتية الزراعية القادرة على الصمود أمام الظروف المناخية القاسية؛ ففي بلدة كابويتا بجنوب السودان، أظهرت مشروعات منظمة الأغذية والزراعة نتائج واعدة، حيث انخفضت أشهر الجفاف من ستة إلى شهرين فقط بفضل تخزين المياه.

كما أوضح الدكتور/ إرنست أفيسيماما من المكتب الإقليمي لمنظمة الأرصاد الجوية بأديس أبابا، أن التكيف يجب أن يكون على رأس الأولويات، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى موارد الري. هذا النوع من التكيّف لا يسهم فقط في إنقاذ المحاصيل، وإنما في تحقيق الهدف (6) من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلق بتأمين المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع.

أمام هذا الواقع المتسارع، ترى حماة الأرض أن الحلول التقنية لم تعد كافية بمفردها لمواجهة تغير المناخ، وإنما أصبحت الحاجة ملحّة لإرادة حقيقية، وتضامن عالمي يضع قضايا المناخ في صلب السياسات التنموية، من التعليم إلى الصحة والزراعة، كما تؤمن بأنه رغم هشاشة البنية في كثير من دول القارة الإفريقية، فإن الإمكانات متوفرة لتحويلها إلى نموذج ريادي في التكيّف المناخي، إذا توفرت الإرادة والدعم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى