علوم مستدامة

تلوث الهواء يهدد أهداف التنمية المستدامة

تلوث الهواء يهدد أهداف التنمية المستدامة

يعد تلوث الهواء أحد أخطر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم؛ إذ يُسهم بشكل مباشر في تدهور الصّحة العامة وزيادة معدلات الأمراض المزمنة، ووفقًا لأحدث دراسة صادرة عن منظمة الصّحة العالمية فإنَّ تلوث الهواء مسئول عن نحو 8 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويًّا، منها نسبة غير قليلة مرتبطة بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان، خاصة سرطان الرئة.

وفي السياق نفسه يعد السرطان من أبرز أسباب الوفاة عالميًّا؛ إذ أودى بحياة نحو 10 ملايين إنسان في عام 2020، وتشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع هذه الأعداد في السنوات المقبلة ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة للحد من العوامل المسببة له، وعلى رأسها تلوث الهواء؛ حيث تظهر الأبحاث الحديثة أن تلوث الهواء يعد عاملًا مهمًّا في زيادة معدلات الإصابة بسرطان الرئة بين غير المدخنين، وهو ما يسلط الضوء على خطورة التعرض المستمر للملوثات حتى في غياب العوامل التقليدية المرتبطة بالمرض مثل التدخين.

تعكس هذه الأرقام المفزعة حجم المشكلة وتأثيرها العميق على صحة الأفراد والاقتصاد العالمي، الذي يتكبد خسائر جسيمة تتجاوز 8 تريليونات دولار سنويًّا نتيجة تراجع الإنتاجية وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية؛ ولذا سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال كيفية مواجهة تلوث الهواء والحد من تأثيراته الضارة، وتناقش علاقته بتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة.

العلاقة بين تلوث الهواء والسرطان

تتضمن ملوثات الهواء جسيمات دقيقة لا تُرى بالعين المجردة تعرف بـPM2.5، وهي جسيمات صغيرة للغاية يمكنها اختراق الرئتين والدخول إلى مجرى الدم؛ مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتات الدماغية، وأمراض الجهاز التنفسي، وعلى رأسها سرطان الرئة.

ولهذه الجسيمات تأثير خطير في الصّحة، خاصة عند التعرض لها لفترات طويلة، وتشير تقارير منظمة الصّحة العالمية إلى أن تلوث الهواء ليس فقط عاملًا في الإصابة بسرطان الرئة، وإنما يمكن أن يزيد أيضًا من احتمالية الإصابة بأنواع أخرى من السرطانات، مثل سرطان المثانة وسرطان الجلد، وترجع هذه التأثيرات إلى المواد الكيميائية السامة التي تحتوي عليها ملوثات الهَواء كالبنزين.

ويُظهر ذلك أن العلاقة بين تلوث الهَواء والسرطان تتجاوز حدود التأثير المباشر في الجهاز التنفسي؛ لتشمل تأثيرات أوسع في صحة الإنسان بشكل عام؛ فالتعرض المستمر لهذه الملوثات يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات جينية تزيد من احتمالية تطور خلايا سرطانية في أعضاء الجسم المختلفة، كما أنَّ الذين يعيشون في مناطق ذات مستويات تلوث عالية يكونون أكثر عرضة لهذه الأخطار؛ مما يبرز الحاجة إلى سياسات وقائية على مستوى المجتمع بأكمله.

تأثير تلوث الهواء في أهداف التنمية المستدامة

يرتبط تلوث الهَواء بشكل وثيق بعدة أهداف من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة؛ فهو يشكل عائقًا أمام تحقيق الهدف الثالث: الصّحة الجيدة والرفاه؛ إذ يؤدي إلى تفاقم الأمراض المزمنة، ويقلل من متوسط عمر الإنسان؛ مما يضع عبئًا صحيًّا كبيرًا على أنظمة الرعاية الصحية، حيث تتطلب موارد إضافية لعلاج أمراض كالربو والسرطان، وهذا يؤثر سلبًا في رفاهية الأفراد، ويزيد من الضغوط الاقتصادية على الحكومات.

بالإضافة إلى أنه يشكل تحديًا رئيسيًّا لتحقيق الهدف الحادي عشر: إقامة مدن ومجتمعات محلية مستدامة، ويُعدّ من أكبر التحديات خاصة في المناطق الحضرية التي تعاني من الكثافة السكانية والتلوث الصناعي؛ فالمدن الكبرى التي تعد مراكز للنشاط الاقتصادي والصناعي تكون الأكثر تضررًا من تلوث الهَواء نتيجة انبعاثات المركبات والمصانع، وهذا يجعل من الضروري تطوير سياسات حضرية تركز على تقليل مصادر التلوث وتحسين جودة الهَواء لضمان بيئة معيشية صحية.

كما أن تلوث الهَواء يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهدف الثالث عشر: العمل المناخي؛ إذ يسهم في زيادة الاحتباس الحراري من خلال انبعاث ملوثات مثل الكربون الأسود والميثان؛ فالكربون الأسود يُعدّ من أقوى العوامل المسببة للاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون، كما يسهم في ذوبان الجليد القطبي وتغيير أنماط الطقس؛ لذلك تُعد مكافحة تلوث الهَواء خطوة حيوية للتخفيف من آثار تغير المناخ، وتعزيز الجهود المبذولة لتحقيق استدامة بيئية عالمية.

الحلول الممكنة والتوصيات

ورغم خطورة الوضع الحاليّ فإن هناك حلولًا فعالة يمكن أنْ تساعد على تقليل تلوث الهَواء والحد من معدلات الإصابة بالسرطان، حيث يتطلب الحد من تلوث الهَواء تبني سياسات حكومية صارمة تهدف إلى تقليل انبعاثات المصانع والمركبات، بالإضافة إلى تحسين أنظمة النقل العام لتقليل الاعتماد على وسائل النقل التي تستهلك الوقود الأحفوري، ويمكن أن تتضمن هذه السياسات فرض معايير أكثر صرامة على انبعاثات المركبات والمصانع، وتقديم حوافز للشركات التي تعتمد على تقنيات نظيفة.

ولا ينبغي أن نغفل أهمية رفع مستوى الوعي المجتمعي بأخطار تلوث الهَواء وتأثيره في الصّحة العامة، حيث يعد التثقيف والتوعية من الخطوات الضرورية لتشجيع الأفراد والمجتمعات على اتخاذ إجراءات وقائية، مثل استخدام وسائل النقل الصديقة للبيئة، وتقليل الأنشطة التي تسهم في زيادة التلوث، ويمكن أن تشمل هذه الجهود تنظيم حملات توعوية، وإدراج موضوعات تلوث الهَواء في المناهج الدراسية، وتوفير معلومات واضحة وسهلة الفهم للجمهور.

ونخلص مما سبق إلى أن تلوث الهَواء ليس مشكلة بيئية عابرة، بل هو خطر يهدد صحتنا واستدامة كوكبنا، ويتطلب تحركًا جادًّا لمواجهته، ومن هذا المنطلق تواصل حماة الأرض جهودها في التوعية بأهمية تحسين جودة الهَواء، والدعوة إلى تبني سياسات بيئية أكثر استدامة، إيمانًا منها بأن تحسين جودة الهَواء يعد خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الشاملة، التي تضمن توازنًا بين الحفاظ على صحة الأجيال الحالية وحماية البيئة للأجيال المستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى