ثورة الاستدامة في صناعة المشروبات
ثورة الاستدامة في صناعة المشروبات
في عالم اليوم صارت الشركات والمصانع تفكر بأسلوب مختلف عن أساليب الماضي التقليدية، حيث كان بيعُ السلعة هو الأهم في العملية التجارية دون النظر إلى تأثيرها المحتمل في صحة الإنسان وبيئته؛ وعلى ذلك أصبحت أهداف التنمية المستدامة محطَّ اهتمامِ كثير من القطاعات والمجالات، خاصةً أننا نعيش واقعًا أليمًا تسببت فيه التغيرات المناخية والتدهور البيئي.
مِن هنا، تسعى صناعة المشروبات (بالإنجليزية: Beverage Industry أو Drink Industry) إلى تعزيز دورها في تحقيق مبدأ المسئولية المجتمعية، وتقليل انبعاثاتها الكربونية، والاعتماد على مكونات مستدامة، واستخدام تقنيات موفرة للطاقة.
ذلك لأنه أصبح من الضروريّ أنْ تتحول صناعة المشروبات هذا التحول المستدام؛ ففي الولايات المتحدة وحدها -على سبيل المثال- يُستهلَك أكثر من 50 مليار زجاجة مياه كلَّ عامٍ، وكذلك تُظهر الأرقام أنَّ المواطن الأمريكي العادي يستخدم كلَّ عامٍ أكثر من 800 حاوية مشروبات، ومنها الزجاجات المصنوعة من البلاستيك والألومنيوم والزجاج.
ثم إنَّ أقل القليل من هذه المعلبات والزجاجات التي يستهلكها الأمريكيون يُعاد تدويرها قبل أنْ ينتهى المطاف بأكثرها في مكبات النفايات، ومع ذلك فإنَّ شركات صناعة المشروبات تبذل جهودًا لتغيير هذه الأرقام وذلك الواقع البيئي السلبي؛ لذا استمروا في القراءة، وتعرفوا على الجديد في استدامة صناعة المشروبات.
تلوث أم أرباح مستدامة؟
إنَّ صناعةَ المشروبات قطاعٌ يُنتج مشروبات جاهزة للشرب، وتختلف عمليات الإنتاج والتعبئة من منتَجٍ إلى آخرَ؛ فقد يكون بعضها في علب مصنوعة من الألومنيوم أو البلاستيك، ومع كثرة استهلاك المشروبات المعبأة يشهد هذا القطاع الحيويّ ابتكارات متزايدة في مجالات التصنيع والمعالجة والتعبئة.
ومما لا شك فيه أنَّ الحصول على المواد الخام المستدامة هو حجر الأساس لأيِّ تحول بيئي في صناعة المشروبات؛ ولذا تلجأ شركات كثيرة إلى التعاون مع مزارعين يلتزمون بالممارسات الزراعية الصديقة للبيئة، مثل تقليل استخدام المبيدات الحشرية، واعتماد الزراعة العضوية، وتقنيات الزراعة المتجددة، التي تحافظ على خصوبة التربة، وتقلل انبعاثات الكربون. وذلك يتوافق مع الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى إنتاج واستهلاك مسئولين.
وكذلك يُعد الاتجاه نحو المصادر المحلية أحد الحلول الفعالة في تقليل البصمة البيئية، حيث تُقلل هذه المصادر من انبعاثات الكربون الناتجة عن عمليات النقل الطويلة، حيث يسعى بعضٌ من العلامات التجارية إلى دعم المزارعين المحليين من خلال عقود عادلة تضمن لهم أرباحًا مستدامة، وهو ما يحقق التوازن بين الربحية والمسئولية المجتمعية.
الطاقة المتجددة وكفاءة الاستهلاك
إنَّ صناعة المشروبات قطاع كثير الاستهلاك للطاقة، سواء في عمليات الإنتاج أو التبريد أو التوزيع؛ لذا تعمل الشركات الرائدة على تبني استراتيجيات تعتمد على الطاقة المتجددة، مثل تركيب الألواح الشمسية فوق أسطح المصانع، مع استخدام طاقة الرياح في تشغيل خطوط الإنتاج؛ وذلك يسهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
بالإضافة إلى ذلك، تُجرى عمليات تُسمَّى “تدقيق الطاقة”، وهي عمليات منتظمة لمراجعة استهلاك الطاقة، وتحسين الكفاءة التشغيلية في مصانع المشروبات. ومن الحلول المبتكرة الأخرى اعتماد تقنيات إعادة تدوير الحرارة الناتجة عن عمليات التصنيع من خلال جهاز استرجاع الحرارة، الذي يُسمَّى بالمبادل الحراري؛ مما يُمكِّننا من تقليل الهدر الحراريّ، وتحويله إلى طاقة قابلة للاستخدام في مراحل الإنتاج المختلفة.
وتمثل أنظمة النقل والتوزيع جزءًا كبيرًا من البصمة الكربونية لصناعة المشروبات؛ لذا تتجه الشركات إلى تقليل انبعاثاتها من خلال تحسين مسارات توصيل منتجاتها، واستخدام الشاحنات الكهربائية والهجينة، والاستثمار في وسائل نقل ذات كفاءة أعلى في استهلاك الوقود.
إضافة إلى ذلك، تعتمد شركاتٌ على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ من أجل تحليل بيانات الشحن والتوزيع، فيساعد هذا على تقليل المسافات المقطوعة، وتقليل استخدام الوقود؛ وبالتالي خفض الانبعاثات الكربونية المرتبطة بعملية النقل.
الاقتصاد الدائري والتعبئة المستدامة
لكم أنْ تعلموا أنَّ ما نعتبره نفايات يمكن أنْ يتحول إلى موارد قيمة عند تبني مفهوم الاقتصاد الدائري؛ ففي صناعة المشروبات يمكن استخدام العبوات القابلة لإعادة التدوير، أو العبوات المصنوعة من مواد طبيعية قابلة للتحلل، بدلًا من البلاستيك أحادي الاستخدام، وهي خطوة مهمة لتحقيق الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة، الذي يركز على حماية الحياة البحرية من التلوث البلاستيكي.
مستقبل صناعة المشروبات
إنَّ مستقبل صناعة المشروبات -ومستقبل كل صناعة- يقوم مباشرةً على ما يُسمَّى بالحياد الكربوني؛ إذْ صارت هناك ضرورة إلى التزام هذه الصناعة بممارسات صديقة للبيئة، وتطوير استراتيجيات للحد من الانبعاثات. غير أنَّ الأمر في حاجة إلى مزيد من تنظيم السياسات الوطنية وفرض التشريعات القانونية؛ كي تلتزم الشركات والمصانع بتقليل بصمتها البيئية، ودعم مشروعات التخضير، والقيام بمسئولياتها المجتمعية، والاستثمار في البحث والتطوير لتقديم حلول مستدامة أكثر كفاءة.
في الختام، تؤكد حماة الأرض ضرورةَ إعادة تعريف العلاقة بين الصناعة والبيئة، وخاصة في صناعة المشروبات، التي تعتمد على الموارد الطبيعية؛ لذا تدعو الجميع إلى العمل من أجل صناعة مشروبات مستدامة، تروي عطش الحاضر دون أنْ تستنزف موارد المستقبل.