خطى مستدامة

جائزة إيرث شوت لعام 2024

جائزة إيرث شوت لعام 2024

في عالم يواجه تحديات بيئية متزايدة، يأتي حفل توزيع جائزة إيرث شوت (Earthshot)، الذي أُقيم في 6 نوفمبر 2024 ليكون بارقة أمل تبشر بمستقبل مستدام. وتكون هذه الجائزة في 5 مجالات لها علاقة بالبيئة، وهي: حماية الطبيعة واستعادة توازنها – نظافة الهواء – إحياء المحيطات – بناء عالم بلا النفايات – إصلاح المناخ. وسيمنح الفائزون لعام 2024 الذين تم اختيارهم من بين 15 من المرشحين النهائيين لجائزة إيرث شوت مليون جنيه إسترليني لكل منهم؛ تشجيعًا لهم وإيمانًا بأهمية ما قدموه من حلول للحفاظ على البيئة وضمان استدامتها.

أظهر لنا الفائزون هذا العام أن هناك العديد من الأفراد والمؤسسات التي تعمل بجد لإنقاذ كوكبنا. تخيلوا أنفسكم بين الحاضرين وأنتم تستمعون إلى قصص ملهمة عن علماء وشباب ورائدات أعمال، كرسوا حياتهم لحماية هذا الكوكب. وحرصًا من حماة الأرض على تسليط الضوء على كل ما هو مبتكَر وجديد في عالم البيئة والتنمية المستدامة، واستكمالًا لتغطيتها لهذا الحدث الملهم الذي يقام كل عام، ننطلق في رحلة عبر القارات، لنكتشف كيف أن هذه الأفكار المبتكرة يمكن أن تغير العالم.

حماية الطبيعة: مبادرة Altyn Dala

هل سمعت من قبل عن السهوب؟ السهوب هي مناطق طبيعية عبارة عن سهول واسعة ومفتوحة، تغطيها الأعشاب القصيرة والنباتات المتفرقة. وهي تخلو عادةً من الأشجار الكبيرة بسبب المناخ الجاف. تعد السهوب نظامًا بيئيًّا متنوعًا ومميزًا، وتوجد في مختلف أنحاء العالم، خاصة في المناطق ذات المناخ شبه الجاف.

تواجه السهوب في كازاخستان المعروفة باسم السهوب الذهبية -وهي واحدة من أقل النظم البيئية حماية في العالم- تهديدات خطيرة بسبب تغير المناخ والزراعة المكثفة والتطور الصناعي. ففي الحقبة السوفيتية دُمِّر حوالي 50% من مساحتها، مما أدى إلى انخفاض كبير في أعداد الحيوانات البرية. وفي عام 2015 تسبب فيروس مرتبط بالتغير المناخي في وفاة 60% من ظباء “سايغا”.

في مجال حماية الطبيعة واستعادة توازنها نجحت مبادرة Altyn Dala) للحفاظ على البيئة) في تحقيق إنجاز غير مسبوق بإنقاذ ظباء “سايغا” المهددة بالانقراض، وتحولت إلى أحد أكبر مشروعات الحفاظ على البيئة في العالم، بهدف حماية السهوب الذهبية واستعادتها. ومن بين الجهود التي تقدمها المبادرة بالشراكة مع الحكومة الكازاخستانية ومنظمات بيئية عالمية مراقبة 250 ظبيًا من ظباء “سايغا” بأجهزة تتبع لدراسة تحركاتها وحماية مناطق تكاثرها. وبناءً على ذلك، دعمت هذه الدراسات الحكومة في اتخاذ قرارات لإدارة المناطق المحمية.

ركزت جائزة إيرث شوت على إنجازات هذه المبادرة؛ إذ بفضل هذه الجهود ارتفع عدد ظباء “سايغا” من 20,000 في عام 2003 إلى 2.86 مليون، وعُدّل تصنيفها من “مهددة بالانقراض” إلى “قريبة من التهديد” حسب بيان الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (International Union for Conservation of Nature).

تهدف مبادرة Altyn Dala إلى استعادة النظام البيئي للسهوب بالكامل بحلول عام 2030، بما يشمل زيادة عدد ظباء “سايغا” إلى 4 ملايين، وإدخال أنواع جديدة مهددة بالانقراض ضمن المبادرة، مثل خيول برزوالسكي البرية (Przewalski’s Wild Horse)، وتعزيز التعليم والتوظيف في مجال الحفاظ على البيئة، وقد تم توظيف 725 موظفًا من خلالها بدوام كامل. كما تسعى المبادرة إلى توسيع تجربتها عالميًّا، من خلال الشراكة مع دول مثل الولايات المتحدة ومنغوليا والأرجنتين والهند، لتحسين مشروعات الحفاظ على المراعي على نطاق عالمي.

نظافة الهواء: منظمة (GAYO)

تواجه المدن الإفريقية تحديات بيئية خطيرة بسبب النمو الحضري السريع وعدم وجود أنظمة مستدامة لإدارة النفايات؛ فإن حرق النفايات في الهواء الطلق والتخلص منها في مكبَّات القمامة يتسبب في تلوث الهواء والمياه، والإضرار بالتربة نتيجة تحلل البلاستيك والمواد الكيميائية الضارة.

تبنت منظمة (شباب إفريقيا الخضراء GAYO – غانا) نموذجًا مبتكرًا يُعرف بنموذج “صفر نفايات”، الذي يجمع بين الخبراء في مجال إدارة النفايات والمجتمعات المحلية، بما في ذلك النساء والشباب وجامعِي النفايات، ويعمل هذا النموذج على جمع النفايات ومعالجتها وتحويلها إلى منتجات مفيدة مثل السماد العضوي والفحم النباتي.

نجحت منظمة GAYO في توفير 70 وظيفة للشباب والأرامل والأمهات وذوي الإعاقة، واستفاد من هذا النموذج أكثر من 5000 إنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما نجحت في منع إلقاء 70 طنًا من النفايات في المكبّات في عام 2023، ونتج عن هذا تقليل الانبعاثات بمقدار 3.6 أطنان من ثاني أكسيد الكربون.

وتهدف المنظمة إلى توسيع نطاق عملها في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وتوفير 500 وظيفة بحلول عام 2030، وتسعى إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 70٪، ومنع إلقاء 4000 طن من النفايات سنويًّا في المكبّات بحلول عام 2030.

يعد نموذج “صفر نفايات” نموذجًا رائدًا؛ لذلك رأت لجنة جائزة إيرث شوت نجاح المنظمة في إثبات إمكانية تحقيق إدارة مستدامة للنفايات على نطاق واسع، مما يضعها على طريق الريادة في مجال إدارة النفايات في إفريقيا.

إحياء المحيطات: تحالف (HAC)

عانت الجهود العالمية لحماية التنوع البيولوجي من غياب واضح للأهداف الرسمية المحددة والالتزامات الحكومية الملموسة، مما أدى إلى تراجع كبير في تحقيق هذه الأهداف. يسعى تحالف (الطموح الكبير من أجل الطبيعة والبشرية HAC) إلى معالجة هذه الفجوة من خلال دفع الحكومات للالتزام بحماية 30% من أراضي ومحيطات العالم بحلول عام 2030.

توسع تحالف HAC بشكل كبير منذ تأسيسه ليضم 120 دولة لتحقيق هذا الهدف الطموح، حيث تضاعف عدد أعضائه منذ عام 2021، ويكمن التحدي الآن في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات عبر مكافحة الصيد الجائر، ومنع الاستيلاء غير القانوني على الأراضي، وتعزيز الاستثمار المالي والخبرات التقنية. ويُشرِف على هذا التحالف كل من كوستاريكا وفرنسا، بالتعاون مع المملكة المتحدة باعتبارها رائدة في مجال حماية المحيطات. وقد أسهم التحالف بشكل كبير في اعتماد اتفاقية 30×30 خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي COP15 الذي أُقيم عام 2022.

وقد حقق تحالف HAC تقدمًا ملموسًا، حيث وسَّعت تشيلي مساحة المحميات البحرية بمقدار 1.5 مليون كيلومتر مربع في عام 2022. وفي كندا وأستراليا ورابا نوي (جزيرة الفصح) أسهمت الجهود في حماية الأراضي هناك، كما أسهمت في إنشاء أكبر محمية بحرية متعددة الاستخدامات في أمريكا الجنوبية. ومن جهة أخرى يهدف التحالف بالتزامن مع أهداف جائزة إيرث شوت- إلى توسيع نطاق الحماية ليشمل المزيد من البلدان. ويجعل التحالف الأولوية للجهود الرامية إلى الإسراع من عملية حماية المحيطات وتحقيق هدفها بحلول 2030؛ فأصبح تحالف HAC نموذجًا للتعاون العالمي الذي يربط الالتزام السياسي بالخبرة العملية لتحقيق مستقبل أكثر استدامة وحماية التنوع البيولوجي.

بناء عالم بلا نفايات: مبادرة (KIC)

في العديد من الأسواق الإفريقية، يتسبب نقص أنظمة التبريد والنقل الملائمة في خسائر كبيرة للمنتجات الزراعية والسمكية. على سبيل المثال، يخسر الصيادون على ضفاف بحيرة فيكتوريا في كينيا ما يصل إلى نصف صيدهم يوميًّا بسبب نقص أنظمة التبريد. كما أن غياب الشبكات المركزية للطاقة ومحدودية خيارات التخزين البارد يجعلان الحفاظ على المنتجات طازجة أمرًا صعبًا، مما يؤدي إلى هدر الغذاء وخسائر مالية للمزارعين والصيادين. وحرصًا من جائزة إيرث شوت على دعم فكرة الحد من الهدر الغذائي، قررت اللجنة منح الجائزة في مجال “عالم بلا نفايات” إلى مبادرة (Keep IT Cool: KIC لحلول التبريد المستدامة – كينيا).

تأتي مبادرة KIC بحلول فريدة لصغار المزارعين والصيادين، مثل: وحدات تبريد مستدامة تعمل بالطاقة الشمسية، يتم تركيبها عند موانئ الصيد للحفاظ على الأسماك طازجة. بالإضافة إلى ربط المزارعين والصيادين مباشرة بالأسواق عبر اتفاقيات مع 1,600 متجر تجزئة، مما يضمن شراء المنتجات في الوقت المناسب وبأسعار مضمونة دون الاعتماد على الوسطاء.

وحققت المبادرة نجاحًا ملحوظًا بعد أن استطاعت الأنظمة الجديدة في تقليل الفاقد من الصيد بنسبة 25%، وزيادة دخل 3,600 صياد بأكثر من 15%. بالإضافة إلى أنها حققت انخفاضًا بنسبة 98٪ في خسائر ما بعد الحصاد لحوالي 1.5 مليون كيلوجرام من الغذاء منذ عام 2022. كما زودت أكثر من 2,000 شركة صغيرة و40 محل بقالة بالمنتجات الطازجة.

تطمح مبادرة KIC إلى توسيع نشاطها ليشمل شرق إفريقيا وما بعدها، بالإضافة إلى وضع خطط لتوسيع خدماتها لتشمل منتجات الدواجن والفواكه والخضروات. وتنوي إطلاق أكبر سلسلة توزيع لمرافق التبريد في كينيا، بسعة 70 طنًا أي ما يعادل سبعة أضعاف السعة الحالية. وبحلول 2030 تهدف المبادرة إلى تحسين سبل العيش لـ 1.6 مليون شخص وزيادة قدراتها لدعم المجتمعات الجديدة. وتعد مبادرة KIC مثالًا متميزًا في الحد من هدر الغذاء ودعم المزارعين والصيادين، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.

إصلاح المناخ: شركة (ATS)

يفقد حوالي 60% من الطاقة المستخدمة في الصناعات الثقيلة -مثل صناعات إنتاج الأسمنت والصلب- على شكل حرارة مهدرة. وهذا يعادل الطاقة التي يحتاجها 4 مليارات منزل، وهو ما يمثل عبئًا اقتصاديًا وبيئيًّا كبيرًا. ففي الولايات المتحدة، تستهلك الأنشطة الصناعية حوالي 32% من إجمالي الطاقة المستخدمة، مما يتسبب في إنتاج انبعاثات كبيرة لثاني أكسيد الكربون. وتستهلك صناعة الحديد والصلب وحدها عالميًّا 8% من إجمالي الطلب على الطاقة، وتنتج 2.6 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

طَوَّرت شركة ATS تقنية آمنة وقابلة للتوسع لالتقاط الحرارة المُهدَرة وتحويلها إلى كهرباء. يمكن لهذه التقنية الاستفادة من مصادر الحرارة المختلفة، بما في ذلك الطاقة الحرارية الأرضية؛ إذ تستخدم التقنية ألواحًا صغيرة الحجم تشبه الهواتف الذكية، لتحويل الحرارة إلى كهرباء دون الحاجة إلى توربينات أو أنظمة معقدة أو أجزاء متحركة، مما يجعلها آمنة وسهلة الاستخدام.

على الصعيد الصناعي يمكن لهذه التقنية أن تحدث ثورة في استخدام الطاقة في الصناعات الثقيلة حول العالم، أما على الصعيد البيئي، فيمكن أن تسهم في الاستفادة من ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون ومن ثم فهي تسهم في الحفاظ على غلافنا الجوي.

في المستقبل القريب تهدف شركة ATS إلى إتاحة أنظمتها لأكثر من 100 منشأة صناعية، وهذا سوف يسهم في تقليل 3.5 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي المستقبل البعيد تخطط الشركة لتوسيع تأثيرها في عمليات تقليل الانبعاثات بنسبة تصل إلى جيجا/طن بالكامل؛ ومن أجل كل تلك الخطوات المستدامة رَأَت جائزة إيرث شوت أن أنظمة ATS خطوة ثورية لاستغلال الحرارة المُهدَرة وتعزيز الكفاءة في الصناعات الثقيلة، مما يسهم بشكل كبير في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وهو أمر يحقق أهداف التنمية المستدامة على نحو شامل.

في ختام هذا الموضوع، ترى حماة الأرض جائزة إيرث شوت رؤية ملهمة لمستقبل أفضل لكوكبنا؛ إذ إن قصص الفائزين بالجائزة تلهمنا وتدفعنا إلى العمل. كما أنها دليل على أن الحلول موجودة، والتحديات البيئية التي تواجهنا تمكن معالجتها، وهذا يساعدنا على بناء مستقبل مستدام لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى