حقائق صادمة عن السجائر الإلكترونية.. ما لا يخبرك به المروجون
حقائق صادمة عن السجائر الإلكترونية.. ما لا يخبرك به المروجون
تُعد الصحة الجيدة حجر الأساس لأي مجتمع مزدهر، وهي لا تقتصر فقط على غياب المرض، وإنما تمسّ رفاهية الإنسان الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتنعكس بشكل مباشر على قدرته على العمل والإنتاج والمشاركة في بناء المستقبل؛ ولهذا السبب، تحتل الصحة موقعًا محوريًّا ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ويتجلى ذلك بوضوح في الهدف (3) الذي يدعو إلى ضمان تمتع الجميع بحياة صحية ورفاهية.
غير أن الواقع لا يخلو من مهددات خطيرة للصحة العامة، وعلى رأسها التدخين؛ ففي الوقت الذي تروج فيه شركات عالمية للسجائر الإلكترونية باعتبارها بديلًا عصريًّا “أقل ضررًا”، تتكشف تدريجيًّا حقائق مقلقة عن آثارها الصحية والبيئية، التي تمثل تحديًا جديدًا لمساعي التنمية المستدامة.
في هذا المقال، تكشف حماة الأرض الوجه المظلم للسجائر الإلكترونية، موضحة العلاقة الخفية بين هذه الظاهرة وصحة الإنسان والبيئة، وكيف تسهم في إعاقة تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة واكتشفوا الحقيقة وراء ما يُروج له على أنه البديل الأكثر أمانًا، والأقل ضررًا.
بين التسويق والواقع
إن انتشار السجائر الإلكترونية بين الشباب والمراهقين قد تجاوز حدود التوقعات، مدفوعًا بحملات تسويق تروّج لها باعتبارها مخرجًا آمنًا من التدخين التقليدي، إلا أن الوقائع الطبية الحديثة تنسف هذه الفرضية من جذورها، بعد أن أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية أن هذه الأجهزة الإلكترونية تحمل في طياتها أضرارًا جسيمة على الجهازين التنفسي والهضمي، إلى جانب تأثيراتها القاتلة في القلب والأوعية الدموية.
كما أن استنشاق بخار النيكوتين -الذي غالبًا ما يحتوي على معادن ثقيلة ومواد كيميائية- لا يختلف كثيرًا عن استنشاق دخان السجائر؛ فقد أثبتت الدراسات -بحسب موقع WebMD– أن مكونات السجائر الإلكترونية -من نيكوتين وديكيتيل ومركبات عضوية متطايرة- تسبب تهيجًا وتلفًا دائمًا في الشُّعب الهوائية، وترتبط بظهور أمراض تنفسية مزمنة وسرطانات قد تظهر بعد سنوات من الاستخدام المستمر.
المقلق في الأمر أن أضرار التدخين الإلكتروني تجاوزت حدود التأثير في صحة الأفراد إلى التأثير في البيئة والمجتمع على حد سواء؛ فإلى جانب الآثار الصحية الخطيرة على مستخدمي هذه الأجهزة، تُخلّف السجائر الإلكترونية نفايات معقّدة من بطاريات الليثيوم، وعبوات النكهات الصناعية، والمكونات البلاستيكية؛ وهو ما يؤدي إلى تلوث بيئي متصاعد يصعب احتواؤه. وهنا تظهر خطورة هذه الظاهرة من منظور بيئي، يتقاطع بوضوح مع التحديات التي تسعى أهداف التنمية المستدامة إلى التغلب عليها.
خطر الإصابة بأمراض تنفسية نادرة
وفي الوقت الذي تتسع فيه دائرة الأضرار لتشمل البيئة والمجتمع، لا تزال السجائر الإلكترونية تكشف عن جوانب خفية من خطرها على صحة الإنسان، تصل إلى أمراض نادرة وشديدة التعقيد، ومن بين هذه الأمراض ما يُعرف بـ”رئة الفشار” (Popcorn Lung)، الذي يعد من أخطر الأمراض التنفسية النادرة التي ارتبطت مؤخرًا باستخدام هذه السجائر.
وهو اسم غير طبي أُطلق على مرض “التهاب القصيبات المسد” (التهاب في الشُّعب الهوائية يُنتج عنه مادة ليفية تسد هذه الشعب)، نتيجة اكتشاف حالاته لأول مرَّة بين عمال مصنع للفشار المخصص للميكرويف في الولايات المتحدة في بداية القرن الحادي والعشرين، بعد تعرضهم لمادة كيميائية تُعرف بثنائي الأسيتيل، وهي المادة المسئولة عن إضفاء النكهة الزبدية.
ورغم الحظر المفروض على استخدام هذه المادة في الصناعات الغذائية، فلا تزال تُستخدم في بعض نكهات السجائر الإلكترونية؛ مما يشكل تهديدًا متصاعدًا للصحة العامة، خاصة بين المراهقين الذين يقبلون على التدخين الإلكتروني دون وعي بخطورته.
وانتقال هذه المادة إلى عالم التدخين الإلكتروني يفتح الباب أمام موجة جديدة من الأمراض التنفسية الخطيرة؛ فقد أثبت تقرير نشره موقع “The Conversation” أن هذه المادة تسبب التهابات شديدة في القصيبات الهوائية الصغيرة داخل الرئة؛ فتكون هناك صعوبة مزمنة في التنفس، وسعال مستمر، وإرهاق حاد، وقد تستدعي الحالة في مراحلها المتقدمة أن تتم زراعة رئة.
الآثار البيئية للسجائر الإلكترونية
إلى جانب الآثار الصحية، تسهم السجائر الإلكترونية أيضًا في أزمة بيئية متفاقمة، حيث تحتوي الأجهزة المستخدمة على بطاريات ليثيوم أيون قابلة للانفجار في حال عدم التخلص منها بشكل صحيح، كما تحتوي على البلاستيك والمعادن التي تتطلب موارد طاقة كبيرة لإنتاجها، ثم تتحول إلى نفايات خطرة عند انتهاء عمر الجهاز.
هذه التحديات البيئية والصحية تطرح تساؤلًا جوهريًّا: هل من الممكن الترويج لمنتج ملوث ومضرّ على أنه “أكثر أمانًا”؟ الحقيقة هي أن مواجهة هذا النوع من التلوث تتطلب سياسات عامة صارمة تبدأ بالتوعية وتمتد إلى التشريعات التي تحمل الشركات المصنعة مسئولية الأثر البيئي لمنتجاتها.
وفي هذا الإطار، تتداخل المخاوف الصحية مع القضايا البيئية والاقتصادية، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن تكاليف علاج الأمراض الناتجة عن التدخين -بما في ذلك السجائر الإلكترونية- تتجاوز مليارات الدولارات سنويًّا، وهذه الأعباء المالية تشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك الأهداف المتعلقة بالصحة العامة، والحد من الفقر، وتقليل التلوث.
أثر السجائر الإلكترونية في أعداد المدخنين
ورغم ما رُوِّج عن هذه السجائر باعتبارها “الخيار الأقل ضررًا” والبديل الذي قد يُسهم في تقليص أعداد المدخنين التقليديين، فإن الواقع جاء معاكسًا لذلك تمامًا؛ فقد ارتفع عدد هؤلاء المدخنين من نحو 870 مليون إنسان عامَ 1990 إلى أكثر من 1.3 مليار حاليًّا، وهذا وفقًا لبيانات وزارة الصحة المصرية.
وما يزيد الوضع تعقيدًا أن الفئة الأكثر إقبالًا على هذا النوع من التدخين هي فئة الشباب، الذين يُفترض أن يكونوا حَمَلة راية التنمية والاستدامة؛ فكيف يمكن لمجتمع يعتمد على جيل مدخن ومرهق صحيًّا أنْ يحقق التقدم المطلوب في أهداف التنمية المستدامة؟! إنها معادلة لا تستقيم.
وفي هذا الإطار، يجب تعزيز دور المنظمات والمبادرات التي تربط بين الصحة العامة وحماية البيئة، مع الاهتمام بخطاب إعلامي يعيد توجيه النقاش للانتقال من المسائل التجارية والشكلية إلى جذور القضية، بما يسهم في فهم أبعادها الحقيقية؛ فما نشهده اليوم ليس مجرد معركة طبية ضد أمراض جديدة، إنما هو صراع متعدد الأوجه بين الصحة والبيئة والاقتصاد والثقافة.
وعلى هذا الأساس تبرز رسالة حماة الأرض التي تؤكد أن الاستدامة تبدأ من التفاصيل الصغيرة؛ فلا يمكن بناء مستقبل مستدام في ظل استمرار تجاهل كل ما يضر بجهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يجب أنْ يكون مستقبل الجميع أكثر اخضرارًا واستدامة.