حماية حقوق العمال فرضيَّةٌ مؤكدةٌ ضِمنَ أهدافِ التنمية المُستدامة
أهدافُ التنميةِ المُستدامةِ يُحققُها قانونُ العملِ الجديد، وأبرزُها الارتقاءُ بجودةِ حياةِ العاملِ المصري، وتحسينُ مُستوى معيشتِه
حماية حقوق العمال فرضيَّةٌ مؤكدةٌ ضِمنَ أهدافِ التنمية المُستدامة
التنمية المُستدامة هي التنميةُ التي تأخُذُ بعيْنِ الاعتبارِ الأبعادَ الاجتماعيَّةَ والبيئيةَ إلى جانبِ الأبعادِ الاقتصاديةِ لتحسينِ استغلالِ المواردِ المُتاحة؛ لتلبيةِ حاجاتِ الأفرادِ معَ الاحتفاظِ بحقِّ الأجيالِ القادِمَة. وإذَا كانَ العالَمُ يواجِهُ خُطورةَ التدهورِ البيئيِّ الذي يجبُ التغلُّبُ عليه، فمِنَ الضَّروريِّ أيضًا عدمُ التخلِّي عنْ حاجاتِ التنمية المستدامة والتنميةِ الاقتصادية، وكذلك المساواةُ والعدالةُ الاجتماعية، وتهيئةُ بيئةٍ صحيةٍ آمنةٍ للعُمَّالِ والمستثمرينَ معًا، فهي علاقةٌ وَطيدةٌ لا يجوزُ تمييزُ أحدِ أطرافها عَنِ الآخر.
جودةُ الحياة: الارتقاءُ بجودةِ حياةِ المُواطنِ المصريِّ وتحسينُ مُستوى معيشتِه
دعمًا لقضَايَا التنميةِ المستدامة، ولحرصِ مصرَ على تفعيلِ قضايا هذه التنمية وبُنودِها واهتماماتِها بمَا تَتحسَّنُ معَهُ مُستوياتُ معيشةِ المُواطن، جاءَ مشروعُ قانونِ العملِ الجديد 2022، لِيُنظِّمَ العَلاقةَ بينَ أصحابِ العملِ والعُمَّالِ بالقطاعِ الخاص، حيثُ يُطَبَّقُ القانونُ على حوالي «26 مليون» مواطنٍ يَعملونَ في القِطاعِ الخاصِّ والجِهاتِ غيرِ الحكوميَّة، ويَنصُّ على إنشاءِ محاكمَ عُمَّاليَّةٍ متخصِّصَة؛ للفَصْلِ في النزاعاتِ العمَّاليَّة، ويَحظرُ فصلَ العاملِ بشكلٍ تعسُّفِي، ويكونُ الفصلُ منْ خلالِ حُكمٍ قضائِي، ولا تُقبَلُ استقالةُ العاملِ إلَّا باعتمادِها منْ وزارةِ القُوَى العاملةِ ومكاتبِ العملِ في المحافظات.
نصَّ مشروعُ قانونِ العملِ الجديد 2022 على مجموعةٍ مِنَ المَحظوراتِ التي يُحْظَرُ على العاملِ وصاحبِ العَملِ فعلُها، والتي تَأتِي في إطارِ تنظيمِ العلاقةِ مَا بينَ العاملِ وصاحبِ العملِ وحفظِ حقوقِ الطرفَيْن؛ بِمَا يُحقِّقُ مَكاسبَ لصاحبِ العملِ ويحفظُ حقوقَ العامِل.
العدالةُ والاندماجُ الاجتماعيُّ والمشاركةُ أبرزُ التوجُّهاتِ الرئيسيةِ للقانونِ الجديد
يعملُ مشروعُ قانونِ العملِ الجديدِ الذى وافقَ عليهِ مَجلسُ الشيوخِ على تحقيقِ التوازُنِ والعدالةِ بينَ طرفي علاقةِ العمل، بالإضافةِ الى إرساءِ مبدأِ ربطِ الأجرِ بالإنتاج؛ لِيَطمئِنَّ المستثمرُ الوطنيُّ والأجنبي، ويُحفِّزَ العاملينَ على بذلِ الجهدِ لتعظيمِ الإنتاجيَّة، وفيمَا يلِي نستعرضُ أبرزَ 10 مزايا للعمَّالِ بمشروعِ قانونِ العملِ الجديدِ، وأبرزُها: إلغاءُ «استمارة 6» حيثُ كانَتْ تُستخدَمُ في التهديدِ بالفصل، حظرُ فصلِ العاملِ منْ جَانبِ إدارةِ العَمَلِ دونَ معرفةِ المَحكمةِ العُمَّاليَّة، صرفُ عِلاوةٍ سنويَّةٍ دوريَّةٍ لا تقلُّ عنْ 3% منْ أجرِ الاشتراكِ التأميني.
الاستدامةُ البِيئيَّة: نظامٌ بيئيٌّ مُتكاملٌ ومُستدام
حَرصَ التشريعُ على تأمينِ بيئةِ عملٍ صحيةٍ وآمنة، منْ خلالِ إلزامِ المُنشأةِ وفروعِها بعددٍ مِنَ الالتزاماتِ لحمايةِ العُمَّال: وذلكَ منْ خلالِ توفيرِ طُرقِ السلامةِ والصحةِ المَهنيَّة، وتأمينِ بيئةِ العملِ منْ سائرِ المخاطرِ البيولوجيةِ والكيميائية، واتخاذِ التدابيرِ الخاصَّةِ بالوقايةِ منْ مَخاطرِ الحرائق، ومُراجعةِ كافَّةِ أجهزةِ ومُعدَّاتِ الإطفاء، وتحديدِ وتحليلٍ للمخاطرِ والكوارثِ الصناعيَّةِ والطبيعيةِ المُتوقعة.
وشَملَ التأمينُ إلزامَ المُنشأةِ بِالوقايةِ مِنَ المخاطرِ الهندسيَّة، والوقايةِ مِنَ الأخطارِ التي تنشأُ عنِ المُعدَّاتِ وأدواتِ الرفعٍ والجَر، ووسائلِ الانتقال، والتداوُلِ ونقلِ الحركة، وعنْ أعمالِ التشييدِ والبِناءِ والحفر، ومخاطرِ الانهيارِ والسقوط، ومِنها عدمُ مراعاةِ التناسُبِ بينَ البِنيةِ الجسديةِ للعاملِ والمعداتِ والآلاتِ ومكانِ العمل.
حوكمةُ مؤسساتِ الدولةِ والمُجتمع
تحققُ حوكمةُ مؤسساتِ الدولةِ والمجتمعِ والتنمية الكفاءةَ والفاعليَّةَ لأجهزةِ الدولةِ الرسميَّةِ ومؤسساتِ القطاعِ الخاصِّ والمجتمعِ المدني، لذَا فرؤيةُ مصرَ للمستقبلِ تضعُ الحوكمةَ والالتزامَ بالقوانينِ والقواعدِ والإجراءاتِ على رأسِ أولويَّاتِها؛ لتحقيقِ الشفافيَّةِ والمُساءلةِ ومُحاربةِ الفساد.
منْ هذَا المنطلقِ جاءَ القانونُ الجديدُ ليحمِي العاملَ والمستثمرَ معًا، فالمستثمرُ يَحظى بتسهيلاتٍ وحوافزَ تشجيعيَّةٍ مِنَ الدولة؛ لتطويرِ مُنشآتِه في إطار التنمية المستدامة، ومنْ مصلحتِه الحفاظُ على حقوقِ العاملينَ لديه، ورفعُ معدَّلاتِ الثقةِ والأمانِ الوظيفيِّ لَدَيْهِمْ، كمَا أنَّ أوجُهَ الحمايةِ كافَّةً التي فندَها القانونُ للعمَّالِ تُنفذُها غالبيةُ المستثمرينَ حرصًا على نجاحاتٍ متواليةٍ لمؤسساتِهم، وهي ضماناتٌ ووسائلُ حمايةٍ منضبطةٍ لا تُوقعُ الأذَى على الطرفِ الأساسيِّ في المعادلةِ وهمُ المستثمرونَ وأصحابُ المنشآت.
الحدُّ مِنَ التفاوُتِ أبرزُ مَا أكدَّ عليه القانونُ الجديد
مشروعُ قانونِ العملِ الجديدِ يَعملُ على تحقيقِ التوازُنِ والعدالةِ بين طرفي علاقةِ العمل، بالإضافةِ إلى ترسيخِ مبدأِ ربطِ الأجرِ بالإنتاج معَ الحفاظِ على حدٍّ أدنى منَ الأُجورِ لجعلِ المستثمرِ الوطنيِّ والأجنبيِّ يَشعرانِ بالاطمئنان، ولِتَحفيزِ العاملينَ على بذلِ الجهدِ لتعظيمِ الإنتاجيَّة؛ لتتحقق التنمية المستدامة.
كافَّةُ النصوصِ وموادِّ القانونِ الجديد تعدُّ ضماناتٍ لتوفيرِ مبدأِ السلامةِ المهنيَّةِ للعمَّال، ومِنَ المهمِّ ألَّا تكونَ هذهِ الضوابطُ عراقيلَ في طريقِ المنشآتِ أوِ الاستثمار، فتُعاقبُ بِها الجهاتُ الإداريةُ المستثمرين أو تستغلُّها في الضغطِ عليهم، حيثُ إنَّهُ منَ المُفترضِ أنْ تحميَ هذِه الضماناتُ الاستثمارَ وكذلكَ العامل، وتوفِّرُ بيئةً متوازنةً يَنطلقُ فيها الاستثمار، ويُحقِّقُ فيها العاملُ طموحاتِه الوظيفيَّةَ والمهنيَّة، وهذا من أهداف التنمية.
أهمُّ مَا يَشوبُ قانونَ العملِ الجديد
لعلَّ أبرزَ مَا يَشوبُ قانونَ العملِ منْ عيوبٍ جاءَ نتيجةَ إجراءِ المقارنةِ بينَ أوضاعِ العاملينَ في القطاعِ الخاصِّ والعاملينَ في القطاعِ العام، ومحاولةِ توحيدِ النصوصِ التي تَحكمُ عملَ الفئتيْن، بالرَّغمِ منْ عدمِ تَماثُلِ ظروفِ كلِّ فئة، فقدَ جرَى العملُ على مدارِ سنواتٍ طويلةٍ أنَّ العاملينَ في القطاعِ الخاصِّ تُطبَّقُ عليهم قوانينُ العملِ الخاصَّةِ والتي تَختلف – جملةً وتفصيلًا – عن قوانينِ العاملينَ المدنيينَ بالدولة.
كمَا أنَّ القانونَ لمْ يَتناوَلْ بعضَ الأمورِ المستجدةِ في الآونةِ الأخيرةِ في ضَوْءِ التحوُّلِ الرقميِّ ومَا رَتَّبَتْهُ أيضًا جائحةُ كورونا منْ خَلقِ أنماطِ عملٍ جديدة، ومِنها ضرورةُ تضمينِ قانونِ العملِ الجديدِ لنُصوصٍ تُنظِّمُ عقودَ العملِ بدوامٍ جُزئي «Part-time»، والعملِ عنْ بعد، والعملِ منْ خلالِ التطبيقاتِ الإلكترونيَّةِ والمنصَّاتِ الرقميَّة، والعملِ العابرِ للقارَّات، جميعُها نماذجُ مُختلفةٌ عنِ الصورةِ النمطيَّةِ لعقودِ العمل.
كذلكَ أرَى أهميَّةَ تقريرِ حجيةٍ في الإثباتِ للتوقيعِ الإلكترونيِّ والمراسلاتِ الإلكترونيةِ والرسائلِ النصية، واجتماعاتِ العملِ التي تتمُّ إلكترونيًّا بحيثُ يكونُ لهَا حجيةٌ في الإثباتِ مثلَ الكتابةِ والمحرراتِ الورقيَّة، وكذلكَ تضمينُ القانونِ لنصوصٍ تتعلقُ بحمايةِ البياناتِ الشخصيةِ للعاملين، والمسائلِ المتعلقةِ بالحفاظِ على سِرِّيَّةِ المعلومات.
مواكبةُ السياقِ المحليِّ والإقليميِّ والعالميِّ هيَ أبرزُ المَزايا التي تَضمنها قانونُ العملِ الجديد
بالرغمِ مِنَ العيوبِ التي ذَكرْنَاها، إلَّا إنَّ مشروعَ القانونِ أعادَ تنظيمَ بعضِ الأمورِ بشكلٍ أكثرَ وضوحًا ممَّا هوَ عليه في القانونِ الحالي، ويَشملُ ذلكَ على سبيلِ المثال، إنشاءَ محاكمَ عمَّاليةٍ متخصصة، والتوسُّعَ في نطاقِ اختصاصِها ليشملَ كافَّةَ الدعاوى الناشئةِ عنْ عقدِ العملِ والدعاوى المتعلقةِ بالمنظماتِ النِّقابيَّة وحقوقِ العمَّالِ التأمينية.
كمَا ألغَى المشروعُ سُلطةَ المَحكمةِ في الحُكمِ باستمرارِ العاملِ المَفصولِ في عملِه (إلَّا في حالاتِ الفصلِ للنشاطِ النقابي)؛ وذلكَ حتى لا يتمَّ إجبارُ صاحبِ العملِ على الاستمرارِ في تشغيلِ أشخاصٍ غيرِ مَرغوبٍ فيهم.
القانونُ أيضًا اعتبرَ التحويلَ البنكيَّ للأجرِ على حسابِ العاملِ وسيلةَ إثباتِ حصولِ العاملِ على أجرِه وإبراءً لذِمَّةِ صاحبِ العمل، والاكتفاءُ بإبلاغِ الجهةِ الإداريةِ لتشغيلِ العاملينَ لساعاتِ عملٍ إضافيةٍ دونَ اشتراطِ موافقةِ الجهةِ الإداريةِ على ساعاتِ العملِ الإضافيَّة (كما هو الوضعُ في القانونِ الحالي).
كمَا أنَّ هناكَ بندَ إعادةِ تنظيمِ الوساطةِ والتحكيمِ العُمَّالي، وإنشاءَ مركزِ وساطةٍ وتحكيمٍ تابعٍ لوزارةِ القوى العاملة؛ للنظرِ في منازعاتِ العملِ الجماعيَّة، واشترطَ مشروعُ القانونِ إبرامَ مشارطةِ تحكيمٍ بينَ طرفي النزاع.
مِنَ النقاطِ المُهمةِ التي صاغَها القانونُ أنَّهُ أعادَ تنظيمَ الإضراباتِ العمَّاليَّةِ واشترطَ أنْ يتمَّ إعلانُ الإضرابِ عَنِ العملِ وتنظيمِه منْ خلالِ النقاباتِ العماليَّة، كمَا اعتبرَ أنَّ تغيُّبَ العاملِ عنِ العملِ دونَ إذنٍ بمثابةِ استقالة، دونَ أنْ يلتزمَ صاحبُ العملِ برفعِ دَعْوَى لفصلِ العاملِ (كمَا هو الوضعُ في القانونِ الحالي)، وتَمَّ استحداثُ نصٍّ يُقرِّرُ ضرورةَ تحديدِ القَرارِ أوِ الحُكمِ الصادرِ بحلِّ المنشأةِ أوْ تصفيتِها للوفاءِ بحُقوقِ العاملين.