علوم مستدامة

كارثة مناخية وشيكة.. ارتفاع درجات الحرارة اليوم يهدد مصير الكوكب

درجات الحرارة

كارثة مناخية وشيكة.. ارتفاع درجات الحرارة اليوم يهدد مصير الكوكب

في الوقت الذي ينشغل العالم بحالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة القياسية، أطلق أكثر من 60 عالم من كبار خبراء المناخ تحذيرًا غير مسبوق: الأرض على وشك تجاوز الحدّ الآمن للحرارة العالمية خلال أقل من ثلاث سنوات، ويبدو أن طقس اليوم لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، وإنما عرضٌ مستمر لمرض مناخي يهدد استقرار الكوكب.

بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، فإن العلماء يؤكدون أن متوسط درجة الحرارة العالمية يقترب بسرعة من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية -الحد الذي اتفقت عليه قرابة 200 دولة ضمن اتفاقية باريس- غير أنَّ المؤشرات توضح أننا نتجه في الاتجاه المعاكس تمامًا.

ومع استمرار الانبعاثات الكربونية وارتفاع مستويات التلوث، تتحرك الأرض نحو منطقة الخطر بسرعة غير مسبوقة، وعن هذا يقول الباحث “بيرس فورستر” من جامعة ليدز: «كل شيء يسير في الاتجاه الخطأ». وهو بذلك يؤكد أنَّ ارتفاع درجة حرارة الأرض يتسارع، إلى جانب ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر.

ومِن هنا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال العلاقة بين حالة الطقس اليوم والتغير المناخي العالمي، ولماذا يعد تجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية لحظة فارقة في حياة كوكبنا، وكيف يؤثر ذلك في مستقبل الأمن المائي والغذائي، والتعرض للكوارث المناخية؛ فتابعوا القراءة.

درجات الحرارة تسجل أرقامًا قياسية

تُظهر أحدث بيانات الأرصاد الجوية أنَّ عام 2024 هو الأشد حرارة في تاريخ الأرض، متجاوزًا كل التوقعات، وفي حين يستمر ارتفاع درجة الحرارة اليوم في مناطق عديدة، يتساءل الناس: هل هذا مجرد موسم صيف حار؟ أم أننا نشهد تحوّلًا مناخيًّا جذريًّا؟

الإجابة عند العلماء واضحة: نحن نعيش في زمن تغير المناخ المتسارع؛ فدرجات الحرارة الآن ترتفع بمعدل نصف درجة فهرنهايت كل عقد، وهو معدل لم يُسجّل من قبل في السجلات المناخية، وهذا الارتفاع المتواصل ليس طبيعيًّا، وإنما هو نتاج مباشر لانبعاثات الغازات الدفيئة واستنزاف الموارد الطبيعية.

وكانت السنوات العشر الأخيرة الأكثر حرارة على الإطلاق، وكل سنة جديدة تحطم الرقم القياسي للسنة السابقة، هذا التسارع في الحرارة لا يعني فقط طقسًا مزعجًا، وإنما يترتب عليه تأثيرات مدمرة، مثل الجفاف، وحرائق الغابات، وذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستويات البحر.

ومع تصاعد درجات الحرارة، تصبح التنبؤات الجوية أقل دقة، وتفقد الأرصاد التقليدية قدرتها على توقّع سلوك الطقس؛ فالكوكب اليوم لا يخضع لأنماط مناخية ثابتة، وإنما يعيش حالة اضطراب بيئي غير مسبوق، تجعل من طقس اليوم، وغدًا، مسألة حياة أو فناء.

كوارث متتابعة وتكاليف باهظة

يشبّه العلماء حالة الطقس الحالية بأنها غير مستقرة، وهو تعبير يوضح كيف أن الاحتباس الحراري يغذّي الظواهر الجوية المتطرفة، ويجعلها أكثر عنفًا ودمارًا من أي وقت مضى، وهذا ما شهدناه في موجات الحر القاتلة وحرائق لوس أنجلوس المدمّرة هذا العام. ووفقًا لتحليلات مناخية متعمقة، فإن الارتفاع المستمر في درجات الحرارة يؤدي إلى تسارع دورات التبخر والتكاثف، وهذا ما يعني المزيد من العواصف، والأمطار الغزيرة، والفيضانات، وفي المقابل يؤدي الجفاف إلى تصحّر مناطق واسعة من العالم، خاصة في الدول النامية.

وأصبح من الواضح الآن أن الطقس لم يعد مجرد ظاهرة موسمية عابرة، وإنما تحوّل إلى تهديد دائم يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية؛ ففي المدن -على سبيل المثال- تؤدي قلة المساحات الخضراء وتكدّس المباني والطرق الإسفلتية إلى ما يُعرف بـ”الجزيرة الحرارية“، حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل لافت، وهو ما يزيد من الضغط على السكان والبنية التحتية، وتتسع دائرة التأثير لتشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية؛ إذ تدفع الكوارث المناخية ملايين الأشخاص إلى النزوح، وتُفاقم أزمات الغذاء والمياه، وتُرهق شبكات النقل والخدمات.

المدن في مواجهة الحرارة

ومع استمرار ارتفاع درجة الحرارة اليوم، تتجه الأنظار نحو المدن الكبرى التي باتت في صدارة المشهد المناخي، حيث تتركز الكثافة السكانية والبنية التحتية والأنشطة الاقتصادية، هذه المدن تتحول تدريجيًّا إلى “أفران حرارية” بفعل الظاهرة المعروفة بجزيرة الحرارة الحضرية، التي تجعل درجات الحرارة فيها أعلى من المناطق الريفية المحيطة.

الخرسانة والأسفلت وغياب المساحات الخضراء كلها عناصر تسهم في احتجاز الحرارة داخل المدن؛ مما يرفع من معدل استهلاك الكهرباء للتبريد، ويؤدي إلى ارتفاع فواتير الطاقة ويزيد من الضغط على الشبكات الكهربائية، وفي ظل موجات الحر المتكررة، باتت الصحة العامة مهددة، خاصة بين كبار السن والفئات ذات الدخل المحدود.

ومن هنا أصبح التخطيط الحضري المستدام ضرورةً لا تحتمل التأجيل؛ فالحلول المبتكرة -مثل أسطح المباني الخضراء، وتوسيع الحدائق العامة، واستخدام مواد بناء عاكسة للحرارة- تُعزِّز مرونة المدن في مواجهة أزمات المناخ؛ ولأن المستقبل المناخي سيُحسَم داخل المدن، بوصفها نقطة التقاء بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا، فإن كل خطوة لتصميم مساحات حضرية أكثر خضرة وذكاء تُعَدّ استثمارًا مباشرًا في قدرة المجتمعات على التكيّف مع التغيرات المناخية، وإنشاء بنية تحتية قادرة على مجابهة التحديات بمرونة وشجاعة.

 هل يمكن إنقاذ الأرض؟

رغم الصورة القاتمة التي ترسمها الأرقام، فإن العلماء لا يرفعون راية الاستسلام، حيث إن هناك فرصة حقيقية لتجنّب تجاوز الحدّ الكارثي قبل فوات الأوان إذا بدأت الدول فورًا بخفض الانبعاثات وتبنّي تقنيات الطاقة النظيفة، ومن بين أبرز الحلول المطروحة: توسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ووقف دعم الوقود الأحفوري، وتسريع خطط النقل الأخضر والمدن المستدامة.

ويشير البروفيسور “جويري روجلي” إلى أن كل جزء من الدرجة يمكن أن يصنع فرقًا، مما يعني أن كل خطوة –حتى وإن بدت بسيطة– قد تخفف المعاناة وتحدّ من التحديات، خاصة لدى الفئات الأضعف، غير أن الوقت ينفد، وأي تأجيل إضافي يعني ارتفاعًا أكبر في درجات الحرارة وصعوبة أكبر في التكيّف.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن ما نراه اليوم من طقس متطرف وارتفاع قياسي في درجات الحرارة ليس مجرد تقلب موسمي، وإنما هو إنذار واضح بأن الكوكب يقترب من نقطة اللاعودة؛ فتجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية بات خطرًا داهمًا يهدد الأمن المناخي والغذائي والصحي للبشرية؛ ولذلك تدعو مؤسسة حماة الأرض إلى تحرك دولي عاجل يُترجم إلى سياسات حاسمة لخفض الانبعاثات، وتسريع الانتقال العادل إلى الطاقة النظيفة، وتعزيز قدرة المدن والمجتمعات على التكيّف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى