زلزال المغرب
هل يمكن للعلم التنبؤ بالزلازل؟
فاجعة المغرب تعطي جرس إنذار للجميع
الصدمة، البكاء، البحث عن ناجينَ أو جثث تحت الأنقاض. كانت هذه أبرز العناوين التي طُبِعتْ في اليوم الأول في الصحف المغربية بعد الزلزال المدمر، الذي ضرب البلد الشقيق. وهو الزلزال الأعنف على البلاد منذ أكثر من 120 عامًا.
حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات، قارب عددُ ضحايا فاجعة المغرب الثلاثة آلاف، هذا بخلاف عشرات الآلاف مِن المشردينَ، إلى جانب انهيار عدد كبير من المباني؛ نتيجةً للزلزال الذي ضرب المغرب بقوة بلغتْ 7 درجات على مقياس ريختر، في مساء الثامن من سبتمبر.
كان مركزُ الزلزال في منطقة جبال الأطلس، على بُعد 71 كيلومترًا جنوب غرب مراكش. وقد جعلتنا آثاره المدمرة نطرح عددًا مِن الأسئلة حول ما إذا كان ممكنًا أنْ يتنبأ العِلمُ بالزلازل، أم لا؟ وهل يمكن التقليل من آثارها المدمرة مستقبلًا؟
الطبيعة الجيولوجية في المغرب
يتكون سطحُ الأرض -في العموم- مِن عدة صفائح تكتونية، وهي أجزاء كبيرة من الطبقة الخارجية للكوكب، التي تتحرك ضد بعضها بعضًا. هذه الحركةُ مسئولةٌ عن الظواهر الجيولوجية المختلفة، مثل الزلازل، والبراكين، وتكوين الجبال وأحواض المحيطات.
ويتضمن النشاطُ التكتونيُّ للمغرب -في المقام الأول- تقاربَ الصفائح الأوراسية والإفريقية، وهذا التقارب وما نتج عنه من ضغط أدَّى إلى تكوين جبال الأطلس، التي تمتد عبر المغرب والجزائر وتونس. وفي الوقت الحالي، يتسبب التصادم بين هذه الصفائح في تقلص جبال الأطلس، مما يفسر النشاط الزلزالي للمنطقة.
هذا التقارب يؤدي إلى حدوث ما يُعرف بالفوالق أو التصدعات، وهو احتكاك كبير بين الصفائح التكتونية يمكن أنْ يؤدي إلى الزلازل، مثل هذا الزلزال الأخير.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع جبال الأطلس الكبير -كما أشار العديد من الباحثين- بخصائصَ جيولوجية فريدة من نوعها، حيث تكون الطبقةُ الخارجية والصلبة للأرض، التي تُسمى بالغلاف الصخري؛ أرقَّ من المعتاد، بالإضافة إلى ارتفاع غير عادي في الوشاح (الطبقة الموجودة أسفل القشرة الأرضية)، وجميعها خصائصُ يمكن أنْ يكون لها تأثيرٌ في حدوث الزلازل عالية القوة.
تاريخ المغرب مع الزلازل
النشاط الزلزالي وظواهره -مثل الزلازل- ليس أمرًا جديدًا على المغرب، فعلى مدى الألف سنة الماضية كانتِ الزلازلُ التي ضربتِ المغربَ تميلُ إلى الحدوث بشكل رئيسي في منطقتينِ، إمَّا في البحر، على طول الصدع التحويلي بين جزر “الأزور” وجبل طارق؛ وإمَّا على الشاطئ، على طول جبال الريف في شمال المغرب وسلسلة الأطلس التلي في شمال غرب الجزائر.
ومِن أبرز الزلازل الأخيرة التي ضربت المغرب كانت في أعوام 1994 و2004 و2016، حيث تراوحت قوتها بين 6.0 و6.3، حيث وقعت جميعها في المنطقة الأكثر نشاطًا زلزاليًّا في المغرب، وأيضًا في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط.
وبالعودة إلى الوراء قليلًا في التاريخ، نجد أنه في فبراير 1960 حدث زلزال “أكادير” المدمر بقوة 6.3 درجة، حول الحدود بين الأطلس الكبير الغربي والأطلس الصغير إلى الجنوب، وتشير البيانات المتاحة إلى أن ما بين 12000 و15000 شخص لقوا حتفهم بسبب هذا الحدث.
وحتى قبل إنشاء أجهزة قياس الزلازل، تم تسجيل العديد من الأحداث المهمة في المغرب، ومن بينها زلزال فاس عام 1624، الذي بلغت قوته 6.7 درجة، وزلزال أكادير عام 1731، الذي بلغت قوته 6.4 درجة.
هل يمكن للعلم التنبؤ بالزلازل؟
الإجابة المختصرة عن هذا السؤال هي: لا، فحتى مع المعرفة الحالية في علم الزلازل، والتقنيات المتطورة التي يستعين بها العلماء؛ فإنَّ أقصى ما يمكن التنبؤ به هو المناطق التي من المرجح أنْ يحدث فيها الزلزال، حيث يعتقد العلماء أنَّ التنبؤ الزماني والمكاني بالزلازل -بشكل دقيق- أمرٌ غير ممكن حتى في المستقبل، وأنَّ أقصى ما يمكنهم فعله هو تحديد المناطق الأكثر عرضةً للزلازل.
ما يقوم به العلماء -حاليًّا- يُسمى التنبؤ طويل المدى، والذي يتم إجراؤه من خلال دراسة المخاطر الزلزالية بشكل محدد في منطقة ما، وهذا استنادًا إلى بيانات الزلازل السابقة في المنطقة، سواءً التاريخية منها أم المعاصرة، جنبًا إلى جنب مع المعلومات المتاحة عن التصدعات الأرضية النشطة، التي يمكن أنْ تؤدي إلى زلازل.
لا شك في أنه كلما زادتِ المعرفةُ التي يمتلكها المرءُ حول الزلازل والتصدعات الأرضية في منطقة ما، زادتِ المعرفةُ حول النشاط الزلزالي المستقبلي، الذي قد يحدث في هذه المنطقة. تشمل دراساتُ المخاطرِ الزلزالية -أيضًا- دراسةَ ظروفِ التربة القريبة من السطح وخصائص المباني، وهو ما يساعد على تقييم الأضرار المحتملة للزلازل في المستقبل.
ماذا يمكن فعله للحد من تأثير الزلازل؟
أفضل أداة لدينا للحد من تأثير الزلازل هي إجراء دراسات موثوقة لتحديد أخطار الزلازل؛ ومن ثَمَّ يجب الاستعانة بنتائج هذه الدراسات في تعديل وصياغة المواصفات القياسية للبناء، فبهذه الطريقة يمكن للمهندسينَ أنْ يدمجوا عواملَ الأمانِ اللازمة بتصاميم المباني، طبقًا للطبيعة الجيولوجية لكل منطقة.
بالإضافة إلى ما سبق، يجب أنْ تُراعي مواصفاتُ وقوانينُ البناءِ خصائصَ تربة كل منطقة، وطريقة انتقال الموجات الزلزالية، وكيف يمكن للتربة تضخيم هذه الموجات، ومدى تأثر المباني والبيئات المحيطة. وبكل تأكيد تختلف هذه العوامل السابقة من منطقة إلى أخرى؛ لذا فالدراسة العميقة لطبيعة كل مكان هي أمرٌ حتميٌّ؛ حتى نتمكنَ من تعديل القوانين والمواصفات بما يحفظ الأنفس والممتلكات.
يقول العلماءُ: إنَّ الزلازلَ لا تقتل الناسَ، وإنما تقتلهم المباني، التي يتسبب انهيارها -بشكل رئيسي- في أعداد الوفيات عقب كل زلزال؛ لذا فالمباني التي تُبنى دون وجود دعم هيكلي مناسب، ودون التزام بمواصفة البناء المناسبة لطبيعة كل منطقة؛ ستكون القاتلَ الأولَ عند حدوث أي زلزال!
ولهذا، يمكن القول: مِن الواجب المقدس على كل بلد أنْ يَدرسَ -بشكل مستفيض- الطبيعةَ الجيولوجيةَ لكل منطقة فيه؛ ومن ثَمَّ صياغة مواصفات بناء وقوانين منظِّمة تراعي هذه الطبيعة، وهذا بما يضمن أقل ضرر في المستقبل نتيجة حدوث أي هزة أرضية.