علوم مستدامة

هَلْ يُمكنُ للطاقةِ المُتولدةِ عنْ تفاعُلِ الاندماجِ النووي أنْ تحلَّ أزمةَ تغيُّرِ المناخ؟

علماءُ أمريكيونَ يَتمكَّنونَ منْ تطويرِ طريقةٍ للتحكُّمِ في تفاعُلاتِ الاندماجِ النووي

هَلْ يُمكنُ للطاقةِ المُتولدةِ عنْ تفاعُلِ الاندماجِ النوويِّ أنْ تحلَّ أزمةَ تغيُّرِ المناخ؟

هَلْ يُمكنُ للطاقةِ المُتولدةِ عنْ تفاعُلِ الاندماجِ النووي أنْ تحلَّ أزمةَ تغيُّرِ المناخ؟

رحَّبَ المجتمعُ العلميُّ بالإنجازِ الذي حقَّقَهُ مجموعةٌ مِنَ العلماءِ الأمريكيينَ في أبحاثِهم عَنِ «الاندماجِ النووي»، حيثُ اعتبرَ مَا حَققوهُ تقدُّمًا كبيرًا في توظيفِ تكنولوجيا الاندماجِ النوويِّ في توليدِ الطاقة، ليُمثِّلَ بذلكَ علامةً فارقةً على الطَّريقِ نحوَ مستقبلٍ يَتمتَّعُ بطاقة غيرِ محدودةٍ وخاليةٍ مِنَ الانبعاثاتِ تقريبًا.

لتبسيطِ الأمر، تفاعلاتُ الاندماجِ النوويِّ هيَ نفسُ التفاعُلاتِ التي تحدُثُ في الشمسِ والنجومِ الأُخرى وهي المسؤولةُ عنْ توليدِ الطاقة لهذِه النُّجوم. في تفاعُلِ الاندماجِ النووي، تَندمجُ نواتَانِ ذريَّتانِ خفيفتَانِ لتَشكيلِ نواةٍ ذريَّةٍ واحدةٍ أثقل، وينطلقُ عنْ هذهِ العمليةِ الطاقة؛ لأنَّ الكتلةَ الكليَّةَ للنواةِ المفردةِ الناتجةِ تكونُ أقلَّ منْ مجموعِ كتلةِ النواتيْنِ الأصليتين، لذا يَتحوَّلُ الفرقُ في الكتلةِ إلى طاقة.

الاختراقُ العلميُّ الجديدُ في مجالِ توليدِ الطاقة مِنَ الاندماجِ النوويِّ يُمكنُ أنْ يَكونَ لهُ دَورٌ كبيرٌ في تحويلِ الاعتمادِ في إنتاجِ الكهرباءِ مِنَ الوَقودِ الأُحفوريِّ إلى هذهِ التِّقنيَّةِ الجَديدَة، ولكنْ بكُلِّ تأكيدٍ هذَا لا يَعني أنَّ أيَّامَ حرقِ الوَقودِ الأحفوريِّ ستَنْتهِي قريبًا، فالتِّقنيةُ لا تَزالُ في طَورِ البَحثِ والتطوِير.

إنجازٌ رائِع

لا شكَّ أنَّ الإنجازَ العلميَّ الكبيرَ يُعتبرُ خُطوةً هامَّةً نحوَ حُلمٍ طَال أمدُه، هذَا الحُلمُ الذي استحْوذَ على خَيالِ عشراتِ العُلماءِ عبرَ العُصور، وهو القدرةُ على مُحَاكاةِ الطريقةِ التي تُولِّدُ بِها الشمسُ الطاقةَ التي تُحافظُ على الحياةِ على الأرض، والتحكُّمُ في هذِه العمليةِ لصالحِ البشرية.

وقالَتْ وزيرةُ الطاقةِ الأمريكيَّةِ «جينيفر جرانهولم» في مؤتمرٍ صحفيٍّ بعدَ الإنجازِ الكبير، في مُختبرِ لورانس ليفرمور الوطنيِّ في كاليفورنيا: «سيُسجَّلُ هذَا الاختراقُ في كُتبِ التَّاريخ».

العلماءُ الذينَ يَعملونَ على هذِه التَّجربةِ الضَّخمةِ في مُختبرِ ليفرمور، قامُوا باستخدامِ الليزر؛ لدمْجِ نواتَيْنِ منْ نظيرينِ للهيدروجينِ إلى نواةِ عُنصرِ الهيليوم، ولأَوَّلِ مرَّة، أطلقَ التفاعُلُ طاقةً أكثرَ مِنَ التي أدخلَها الليزر، وهوَ أمرٌ غايةٌ في الأهميَّة.

كانَ العُلماءُ في جَميعِ أنحاءِ العالمِ يُحاولونَ على مدَى مَا يقربُ مِنَ القرنِ تطويرَ تفاعلاتِ الاندماجِ النوويِّ وإمكانيَّةُ التحكُّمِ فِيه (على عكسِ تفاعُلِ الاندماجِ النوويِّ الذي يتمُّ في القنابلِ الهيدروجينيَّةِ والذي يكونُ خارجًا عَنِ السيطرة).

وبينَمَا كانَ هُناكَ الكثيرُ مِنَ التقدُّمِ في الأبحاث، بقِيَ هناكَ عقبةٌ أساسيَّة، وهوَ أنَّ تفاعُلَ الاندماجِ النوويِّ يتطلَّبُ قدرًا كبيرًا مِنَ الطاقَة، معَ درجاتِ حرارةٍ تَصلُ إلى ملايينِ الدرجاتِ اللازمَةِ لحُدوثِه، لدرجةِ أنَّ أيًّا مِنَ التجاربِ لم ينتُجْ عنْها صافِي إيجابيٍّ مِنَ الطاقة (استهلكَتِ التفاعُلاتُ طاقةً أكثرَ ممَّا تنتج)، ولكنَّ هذِه العقبةَ أصبحَتْ بَعيدةً عَنِ الطريقِ الآن، على الأقلِّ بالنسبةِ لهذَا النَّوْعِ مِنَ الاندماجِ النوويِّ المُعتمدِ على الليزر.

الكشفُ الجديدُ يَجعلُ مِنَ السَّهلِ تصوُّرَ مستقبلِ محطاتِ الطاقةِ النوويةِ الاندماجيَّةِ التي لنْ تنتجَ بشكلٍ أساسيٍّ ثاني أكسيدِ الكربون أوِ الغازاتِ الدفيئَةَ الأخرى التي تُؤدي إلى ارتفاعِ درجةِ حرارةِ الكوكب. سيكونُ لهذِه المحطاتِ المستقبليةِ أيضًا مَزايَا مقارنةً بالمحطاتِ النوويةِ الحاليةِ التي تَعتمدُ عَلى تفاعلِ الانشطارِ النوويِّ للذرَّاتِ بدلًا منْ دمجِها، حيثُ إنَّ الوَقودَ اللازمَ لتفاعلِ الاندماجِ متاحٌ بسهولةٍ أكبرَ كمَا أنَّ النُّفاياتِ المُشعةَ الناتجةَ أقلُّ خُطورةً وإشكاليَّة.

مَا زالَتْ هناكَ عقباتٌ ضخمَة

تجربةٌ مثلَ تلكَ التي أُجريَتْ في مُختبرِ ليفرمور، والتي تمَّ فِيها تَبخيرُ حُبَيْبةٍ صغيرةٍ واحدةٍ بواسطة «192 حُزمة ليزر» هيَ شيء، ومَحطةُ الطاقةِ التي تُبخرُ آلافَ الحُبيباتِ وتَسحبُ الطاقةَ المُنبعثةَ بأمانٍ لتحويلِها إلى كهرباءٍ هيَ شيءٌ آخرُ تمامًا، وهذا لا يَعني أنَّهُ لا يُمكنُ تحويلُ الاندماجِ النوويِّ بالطريقةِ المُبتكرةِ هذهِ إلى محطاتِ طاقةٍ في المستقبل، لكنَّ هذَا الأمرَ سيَستغرقُ بعضَ الوقت… بل على الأرجحِ الكثيرَ مِنَ الوقت.

وينطبقُ الشيءُ نفسُه على النهْجِ الرئيسيِّ الآخرِ الذي تمَّ تطويرُهُ في مُختبر ITER بجنوبِ فرنسا لعمليَّاتِ الاندماجِ النووي، والذي يَستخدمُ «مَغَانِطَ كهربائيَّة» ضخمةً وقويةً لحصْرِ سَحابةٍ منْ غازِ الهيدروجينِ مُجردةً منْ إلكتروناتِها؛ ممَّا يَرفعُ درجاتِ الحرارةِ إلى النقطةِ التي يُمكنُ أنْ يَحدثَ فيهَا الاندماجُ النووي، حيثُ إنَّ الأمرَ أيضًا لا يَزالُ تجربةً تَحتاجُ إلى مزيدٍ مِنَ البحثِ والتطويرِ حتَّى نَتمكَّنَ منْ تطبيقِها على نطاقٍ تِجاري.

يَحتاجُ العالمُ إلى خفضٍ حادٍّ للانبعاثاتِ بشكلٍ فَوريٍّ وعاجِل؛ وذلكَ للحَدِّ مِنِ ارتفاعِ درجةِ الحرارةِ عندَ «1.5 درجة مئوية» فوقَ مُستوياتِ القرنِ التاسعِ عشر، وهو الحَدُّ الأكثرُ صَرامةً الذي أَسفرَ عنْ محادثاتِ المناخِ في باريس عام 2015، كمَا يجبُ أنْ تصلَ الانبعاثاتُ إلى مَا يَقربُ مِنَ الصفرِ بحُلولِ عام 2050.

لذا، فحتَّى لوْ أصبحَتْ محطَّاتُ توليدِ الطاقةِ الاندماجيَّةِ حقيقةً واقِعَة، فمِنَ المُحتملِ ألَّا يَحدُثَ ذلكَ في الوقتِ المناسِبِ للمساعدةِ في دَرءِ الآثارِ المُتفاقِمَةِ على المَدى القريبِ لتغيُّرِ المناخ. يقولُ العديدُ منْ علماءِ المناخِ وواضِعي السياسات: إنَّهُ مِنَ الأفضلِ بكثيرٍ التركيزُ على تِقنيَّاتِ الطاقةِ المتجددةِ المُتاحةِ حاليًا مثلَ الطاقةِ الشمسيةِ وطاقةِ الرِّياح؛ للمُساعدةِ في الوصولِ إلى أهدافِ الانبعاثاتِ هذِه.

مَتى يُمكنُ أنْ تبدأَ الطاقةُ في التدفُّق؟

السؤالُ المُهمُّ هنَا بعدَ الأخذِ في الاعتبارِ العَقباتِ التي أَشرْنا لهَا هو: إذَا لمْ يَكنِ الاندماجُ النوويُّ حلًّا سريعًا للمناخ، فهلْ يُمكنُ أنْ يكونَ حلًّا طويلَ الأمدِ لاحتياجاتِ الطاقةِ في العالم؟ رُبَّمَا، ولكنَّ التَّكلفةَ قدْ تُمثِّلُ عقبةً جديدة. ولوضعِ الأمورِ في سياقٍ أوضح، تمَّ بناءُ المُختبرِ في ليفرمور لأغراضِ البحثِ والتجربةِ مقابلَ 3.5 مليار دولار، في حينٍ أنَّ  مختبر ITER بفرنسا كلَّفَ حتى الآنَ أكثرَ من 20 مليار دولار، لذا، ليسَ مِنَ الواضحِ إنْ كانَ العالمُ قادرًا على تحمُّلِ تكلفةِ محطاتِ طاقةٍ نوويةٍ اندماجيةٍ تَنتهجُ طريقةً أيًّا مِنَ المُختبرين.

في السنواتِ الأخيرة، كانَ هناكَ زيادةٌ في الجُهودِ الخاصَّة -على مُستوى أصغر- لتطويرِ الأبحاثِ عنْ قوةِ الاندماجِ النووي، وحتى الآنَ تعملُ أكثرُ من 30 شركةً على هذِه التكنولوجيا، يقعُ حوالي ثُلثُ هذه الشركاتِ في الولاياتِ المتحدة، ولعلَّ السنواتِ القادمةَ تُعطِي صورةً أوضحَ عنْ غايةِ التقدُّمِ في تطويرِ هذِه التكنولوجيا ومدَى جدوَاها على المدَى البعيد.

وفي نفسِ السياق، تَتنبَّأُ معظمُ الشركاتِ العاملةِ على تطويرِ هذِه التِّقنيَّةِ بأنَّ الاندماجَ النوويَّ سيُوفِّرُ الكهرباءَ للاستخدامِ في وقتٍ مَا في ثلاثينياتِ القرنِ الحالي. رُبَّمَا قدْ يكونُ هذا هدفًا طموحًا وليسَ واقعيًّا، ولكنْ إذَا كانَتْ طاقةُ الاندماجِ النوويِّ ستُصبحُ قابلةً للتطبيقِ تجاريًّا، فلعلَّنَا في يومٍ مِنَ الأيامِ نُحقِّقُ الحُلمَ الذي طالَ انتظارُهُ لعقود «مصدرُ طاقةٍ كافٍ، وصديقٌ للبِيئَة، لا يَنضُبُ».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى