الاستدامة والقانون

قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية

الرقابة اللاحقة.. مفتاح النجاح

 

المنشآت الصحية

قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية

لا تدخر مصرُ جهدًا في سبيل تطوير المنظومة الصحية، وتحسين خدماتها المقدمة إلى المواطنين، ورفع كفاءة العاملين فيها. واليوم تستأنف الجهودُ المصريةُ خطواتِها نحو تطوير القطاع الصحيّ بإقرار قانون يسمح للقطاع الخاص بتشغيل وإدارة المرافق والمنشآت الصحية.

تأتي هذه الخطوة في ظل ما يواجه القطاع الصحيّ الحكوميّ من تحديات عديدة، غير أنَّ هذا القانون قد أثار مخاوفَ البعض مِن أنْ يؤثر في توفير الخدمات الصحية للفئات الأكثر احتياجًا، وارتفاع تكلفتها على المواطنين؛ فقد جاءت هذه المخاوف بالتزامن مع ما تشهده أسعار هذه الخدمات مِن ارتفاع ملحوظ تحت إدارة القطاع الخاص، فضلًا عما قد يترتب على تطبيق هذا القانون من إهمال المرافق الصحية في المناطق الأكثر فقرًا، مع تركيز القطاع الخاص على المناطق ذات الدخل المرتفع.

وقد أثار هذا القانون -بالإضافة إلى ما سبق- تساؤلاتٍ عديدةً حول مدى قدرة الدولة على مراقبة وتنظيم عمل هذه المنشآت الخاصة مراقَبةً فعَّالةً -لأجل ضمان جودة الخدمات، وعدالة الأسعار- فضلًا عن ضبابية المشهد في ما يتعلق بمصير العاملين الحاليين في المنظومة الصحية.

ومن وجهة نظر أخرى فإنَّ هذا القانون -بالرغم من تلك المخاوف- قد يُحدِثُ نقلةً نوعيةً في مستوى الخدمات الصحية المقدمة إلى المواطنين؛ لأنه من المتوقع أنْ يؤدي إشراك القطاع الخاص إلى تحسين البنية التحتية للمرافق الصحية، وتطوير الخدمات والتقنيات المستخدمة، كما أنه قد يسهم في استقطاب كفاءات طبية وإدارية متميزة، وكذلك يمكنه أنْ يُعزِّزَ الابتكارَ في المجال الصحيّ.

وما بين تلك المخاوف وهذه التطلعات يأتي دور مجلس النواب -تفعيلًا لدوره التشريعيّ- ليصنع فارقًا واضحًا بتعديلاته الجوهرية، التي ضمنت عدم المساس بوحدات الرعاية الصحية ومراكز طب الأُسرة، وهو ما شكَّل نقطةَ تحوُّلٍ إيجابيةً، لا سيما في ظل ما ستمثله وحدات الرعاية الصحية ومراكز طب الأسرة من أهمية بالغة بعد تطبيق مشروع التأمين الصحيّ الشامل بشكل كليّ، حيث يرتكز التخطيط الصحيّ لوحدات الرعاية الصحية ومراكز طب الأسرة في هذا المشروع على عدم وجود عوائق جغرافية تَحُولُ دون وصول المواطن إلى منشآت الخدمة الصحية؛ فلا تزيد المسافة بين المواطن وأقرب وحدة عن خمسة كيلومترات، كما لا تزيد المسافة بينه وبين أقرب مركز طب أسرة عن عشرة كيلومترات، بحيث يخدم مركز طب الأسرة عشرين ألف مواطن، حينما تخدم وحدة الرعاية الصحية أربعين ألف مواطن.

ذلك ما يؤكد ضمان الحد الأدنى من وصول الخدمات الصحية الجيدة إلى جميع المواطنين، كما خلصت هذه التعديلات إلى استثناء عمليات الدم والبلازما، لتُقدَّمَ هذه الخدمات من خلال الدولة فقط، كما ضمنت التعديلاتُ التزامَ مستثمرِي القطاع الخاص بالإبقاء على ٢٥٪ -على أقل تقدير- من العاملين في المنشأة.

لذا -وبعد إقرار القانون بتعديلاته سابقة الذكر- وبعد إصدار لائحته التنفيذية لم يتبقَّ سوى العمل بشفافيةٍ ودأبٍ شديدينِ على إنجاح هذا القانون؛ لتحسين الخدمات الصحية المقدمة، ورفع كفاءتها؛ وهو ما لا يتأتَّى إلا بالعمل على الارتقاء بالمنظومة الصحية كلها، من حيث بنيتها التحتية وكوادرها البشرية وخدماتها المقدَّمة، على أنْ تُوضعَ ضوابطُ وآلياتٌ رقابية صارمة؛ لضمان عدم المساس بحقوق المواطنين في الحصول على خدمات صحية جيدة، وبأسعار في متناول الجميع، مع ضرورة اتِّباع أسلوب رقابة لاحقة، تُمكِّن الجهات الرقابية من الوقوف على المشكلات -أولًا بأول- قبل تفاقمها، والعمل على تداركها، سواء بتحديث الآليات والضوابط تحديثًا لحظيًّا، أم بالتعديل الفوريّ في اللائحة التنفيذية نفسها أو حتى في القانون ذاته.

وختامًا، فإنَّ قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية؛ لن يؤثر إطلاقًا في خدمات التأمين الصحيّ، ولا العلاج المجانيّ، ولن يؤثر أيضًا في العلاج على نفقة الدولة؛ فالدولة تعي تمامَ الوعي ما لهذه الخدمات من ضرورة شديدة لا تقبل التهاون أو التقصير.

وبالرغم مما تَقدَّمَ يظل هذا القانونُ تحديًا كبيرًا أمام الدولة، لتحقيق التوازن بين تحسين الخدمات الصحية وحماية حقوق المواطنين الأكثر احتياجًا، مع ضرورة تطوير الكوادر العاملة في هذه المنظومة فنيًّا وماديًّا، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بالتكاتف الحقيقيّ بين القطاعينِ العامّ والخاصّ، مع ضرورة اتِّباع نهج الشفافية، وتوفير المعلومات الدقيقة وإتاحتها، والمثابرة على نشر الوعي بين المواطنين؛ ليكون هذا القانون أحدَ أهم الخطوات الحقيقية نحو توفير «صحة جيدة»، تحقيقًا لـ”رؤية مصر ٢٠٣٠“.

المنشآت الصحية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى