كيف تعزز تقنية “من المركبة إلى الشبكة” مستقبل قطاعي الصناعة والطاقة؟
كيف تعزز تقنية “من المركبة إلى الشبكة” مستقبل قطاعي الصناعة والطاقة؟
لا شك في أنَّ العالم يشهد تحولًا نحو الطاقة النظيفة، ولا أحد ينكر أنَّ المَركبات الكهربائية لم تعد وسيلة نقل صديقة للبيئة فقط، بل أصبحت عنصرًا أساسيًّا في مستقبل صناعة الطاقة النظيفة، ولإدراك هذا تخيلوا لو أنَّ جميع أنواع المركبات لا تقتصر على استهلاك الكهرباء، وإنما صارت تمد شبكات الكهرباء بما تحتاج إليه من طاقة!
ذلك أصبح حقيقةً لا خيالًا، فباستخدام تقنية تُسمَّى “من المركبة إلى الشبكة” (Vehicle-to-Grid) يمكن للمركبات أنْ تتفاعل بشكل ذكيّ مع الشبكة الكهربائية، فتعمل على ضخ ما يفيض عن سعة تخزين بطارياتها من كهرباء إلى تلك الشبكة في أثناء أوقات الذروة، حينما يكون استهلاك الكهرباء مرتفعًا؛ أي تصير هذه المركبات مخازنَ طاقة متنقلة.
ومن المثير للاهتمام في هذه التقنية هو قدرتها على دمج قطاعين حيويين بصورة غير مسبوقة؛ وهما قطاع الصناعة وقطاع الطاقة، وفيهما تساعد المركبات على تخفيف الضغط الاستهلاكيّ الذي تمارسه المناطق الحضرية على شبكات الكهرباء العامة؛ مما يعزز من استقرار تلك الشبكات، ويقلل من احتمالات انقطاع التيار الكهربائيّ.
ومِن هنا، فإنه يوجد الآن -وفقًا للوكالة الدولية للطاقة (IEA)- أكثر من 14 مليون مركبة كهربائية في دول متفرقة من العالم، ومن المتوقع أنْ يتضاعف هذا العدد إلى 26 مليون مركبة بحلول 2030؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ هذا الانتشار المتزايد للمركبات الكهربائية يمكن أنْ يعزز مفهوم إعادة ضخ الطاقة، ويعزز -بالطبع- أهمية تقنية “من المركبة إلى الشبكة”، فتتعاون مع أنواع الطاقَة النظيفة والمتجددة -مثل الطاقة الشمسية– على تخزين الفائض من الطاقَة، والقيام بدور مسئول وأكثر استدامةً.
كيف تعمل؟
في جوهرها تعتمد تقنية “من المركبة إلى الشبكة” على مفهوم الشحن والتفريغ ثنائيّ الاتجاه؛ فعند وجود فائض في الكهرباء تقوم مستشعرات ذكية في المركبة بنقل تيار البطارية من خلال الكابل الكهربائيّ، ومنه إلى نقاط الشحن العمومية التي يمكن أن تُشحن منها المركبة في الطرق السريعة.
حينها يعود التيار المستمر المخزن في بطارية المركبة الكهربائية إلى الشبكة في شكل تيار متردد، يمكنه أنْ يمد منزلك بالطاقَة، أو يشحن مركبة كهربائية أخرى، أو يُشغل معدات تخييم، وهو انتقال شديد السلاسة بين المركبة والشبكة الكهربائية.
فوائد وتحديات التقنية
تقدم تقنية “من المركبة إلى الشبكة” فوائد بيئية واقتصادية كثيرة؛ أمَّا على مستوى البيئة فهي تسهم في تقليل انبعاثات الكربون من خلال تعزيز استخدام الطاقَة المتجددة، مثل الطاقَة الشمسية وطاقَة الرياح؛ مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوريّ. وأمَّا على مستوى الاقتصاديّ فإنَّ هذه التقنية تمنح أصحاب المركبات الكهربائية فرصة لبيع الطاقَة المخزنة في بطارياتهم خلال أوقات الذروة؛ مما يساعد على دعم الشبكة الكهربائية.
ومع ذلك فإنَّ هناك تحديات تواجه “تقنية من المركبة إلى الشبكة”، ومن أبرزها البنية التحتية الكهربائية التي تحتاج إلى تطوير في كثير من دول العالم، وهو تطوير يتطلب استثمارات ضخمة؛ من أجل تحسين قدرتها الاستيعابية للتعامل مع تدفق الطاقَة بين المركبات والشبكات الكهربائية. كما أن هناك قلقًا بشأن تأثير الشحن والتفريغ المتكرر في عُمْرِ البطاريات، مما يستدعي مزيدًا من البحث والتطوير لضمان استدامة هذه التقنية على المدى الطويل.
التطبيق الفعلي
من المثير للإعجاب هو أنَّ بعض الدول قد نجحت بالفعل في تنفيذ تقنية “من المركبة إلى الشبكة”؛ ففي ألمانيا -على سبيل المثال- تم استخدام أكثر من 4500 مركبة كهربائية في يونيو 2023؛ من أجل دعم شبكة الكهرباء في طول البلاد وعرضها. وكذلك هولندا التي فعلت الأمر نفسه؛ مما يثبت فاعلية هذه التقنية في مجالات متعددة على نحوٍ واقعيّ.
إنَّ تقنية (V2G) تتوافق توافقًا تامًّا مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (7) طاقة نظيفة وبأسعار معقولة؛ فعن طريق دمج الطاقة المتجددة وتخزينها في بطاريات المركبات الكهربائية، يمكننا توفير الطاقَة، وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقَة غير المتجددة. كما أنها تساعد على تحسين كفاءة استهلاك الطاقَة، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب في أسواق الطاقَة المختلفة.
في الختام تنظر حماة الأرض إلى مثل هذه التحولات المستدامة في قطاعَي الطاقَة والصناعة -وغيرهما من القطاعات- بنظر يوازن بين متطلبات الحاضر واحتياجات المستقبل، حيث تصبح الأرض وحياة مَن عليها أكثر صحة واستدامة.