كيف يمكن للحديد جعل بطاريات الليثيوم أكثر استدامةً؟
كيف يمكن للحديد جعل بطاريات الليثيوم أكثر استدامةً؟
أصبحت بطاريات الليثيوم اليومَ جزءًا أساسيًّا في حياتنا؛ في هواتفنا المحمولة، وأجهزتنا الكهربائية، وحتـى سياراتنا. لكنَّ الأثرَ البيئيّ لهذه الصناعة جعل الأنظار تتجه نحو الأساليب والتقنيات التي تمكننا من التحول بهذا المنتج المهم إلى الاستدامة.
في هذا السياق، تعاون باحثون في جامعة ولاية أوريجون الأمريكية على بحث تقنية جديدة تعمل على تحويل بطاريات الليثيوم؛ لتكون أكثـر استدامةً. وهذا عن طريق استخدام الحديد بدلًا من النيكل والكوبالت، باعتباره كاثودًا في بطاريات أيون الليثيوم.
وقد نُشِرَتْ نتائجُ البحثِ في مجلة Science Advances، وهي نتائج يمكن وصفها بأنها مثيـرة للاهتمام، حيث يمكن للقطب الكهربائيّ المصنوع من الحديد أنْ يوفر كثافة طاقة أعلى من مواد الكاثود المستخدمة حاليًّا في بطاريات السيارات الكهربائية على سبيل المثال.
كما أنَّ الحديد مادة رخيصة مقارنةً بالنيكل والكوبالت؛ ما يعنـي خفض تكلفة صناعة بطاريات أيون الليثيوم بشكل كبيـر، حيث تعتمد هذه البطاريات -بشكل أساسيّ- على عنصرَي النيكل والكوبالت.
بديل مستدام
في الوقت الحاضر يمثل الكاثود 50% من تكلفة صنع خلية بطارية أيون الليثيوم؛ لذا فالاعتماد على الحديد في الكاثود لنْ يقلل التكلفة فحسب، وإنما سيساعد أيضًا على زيادة معدلات أمان هذه البطاريات، والعمل على استدامتها.
ومع تصنيع مزيد ومزيد من بطاريات أيون الليثيوم -لتلبية الطلب المتزايد على البطاريات في مختلف القطاعات- ارتفع الطلب العالميّ على النيكل والكوبالت. وبناءً على ما سبق، فمن المتوقع أنْ يؤدي نقصُ عنصرَي النيكل والكوبالت فـــي غضون عقدينِ من الزمن إلى التأثيـر -بشكل حاد- فـي معدلات إنتاج البطاريات.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنَّ كثافةَ الطاقة لعناصر مثل النيكل والكوبالت تم تطويرها لأقصـى حد ممكن، وأيّ محاولة لرفعها أكثـر من هذا فسوف يترتب عليها نتائج غيـر مرغوب فيها؛ مثل إطلاق الأكسـجين أثناء عمليات شـحن البطاريات، فيتسبب في اشتعال البطاريات، بالإضافة إلى أنَّ عنصرَ الكوبالت عنصرٌ سامّ، فيمكن أنْ يلوث النظم البيئية ومصادر المياه إذا تم التخلص من هذه البطاريات بشكل غيـر آمن.
فكرة العمل
تقوم البطارية بتخزين الطاقة على شكل طاقة كيميائية، ومن خلال التفاعلات تتحول هذه الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية يمكنها تشغيل المَركبات، وكذلك الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وعديد من الأجهزة والآلات الأخرى. وبالرغم من وجود كثيـر من أنواع البطاريات فإنَّ معظمها يعمل بالطريقة الأساسية نفسها تقريبًا، ويحتوي على المكونات نفسها إلى حد كبيـر.
تتكون البطارية من قطبيـن كهربائييـن: الأنود والكاثود، ويَكونانِ مصنوعيـنِ -عادةً- من مواد مختلفة، بالإضافة إلى إلكتروليت -وسط كيميائيّ يسمح بتدفق الشحنات الكهربائية- وغشاء فاصل. وفي أثناء تفريغ البطارية تتدفق الإلكترونات من القطب الموجب إلى دائرة خارجية، ثم تتجمع عند الكاثود.
في بطارية أيون الليثيوم تحمل أيونات الليثيوم الشحنات، وتقوم بنقلها عبـر الإلكتروليت من القطب الموجب إلى الكاثود في أثناء تفريغ البطارية؛ لتعود مرَّةً أخرى بعد هذا في الاتجاه المعاكس في أثناء عمليات إعادة الشحن.
وعندما نستخدم كاثودًا من الحديد فإننا بهذا نكون قد تلافينا مشكلةَ نقص الموارد المستقبلية؛ نظرًا إلى كون الحديد أكثـرَ العناصر شيوعًا -من حيث الكتلة- على وجه الأرض، كما أنه رابع أكثـر العناصر وفرةً في القشرة الأرضية. ولاستغلال وفرة الحديد الكبيـرة هذه في صناعة حيوية مثل البطاريات، قام الفريق البحثيّ بزيادة النشاط الكيميائيّ للحديد في الكاثود الخاص بهم، من خلال تصميم بيئة كيميائية تعتمد على مزيج من أيونات الفلور والفوسفات المشحونة بشحنات سالبة.
يتحول المزيج السابق إلى محول جامد (بلورة)، كما يسمح بعمليةِ التحويلِ العكسـيّ للخليط الناعم من مسحوق الحديد وفلوريد الليثيوم وفوسفات الليثيوم إلى أملاح حديد؛ مما يعني أنه يمكن إعادة شـحن البطارية.
تصميم مبتكر
استطاع تصميم البطارية الجديد أنْ يثبت أنه -باستخدام الأيونات السالبة المناسبة- يمكن تخطي السقف الحاليّ لكثافة الطاقة في البطاريات، وجعلها أكثـر استدامةً وأقل كلفةً، كما أنَّ تطبيق هذا التصميم الجديد لا يتطلب أيّ تعديلات جذرية في البطاريات الحالية، كل ما في الأمر هو أنه يتم استبدال الكاثود فقط، دون الحاجَةِ إلى أنودات جديدة، أو خطوط إنتاج جديدة.
وبطبيعة الحال مع أيّ تقنية جديدة توجد بعض العيوب والأشياء التي تحتاج إلى تحسين؛ فكفاءة تخزين الطاقة في التصميم الجديد ليست الأفضلَ، ونقصد بهذا أنه ليست كل الكهرباء التي تدخل إلى البطارية خلال عملية الشحن تكون متاحةً في أثناء التفريغ.
لا شكَّ في أنَّ الاستثمارَ في هذه التكنولوجيا الناشئة لنْ يستغرق وقتًا طويلًا قبل أنْ نستطيع تلافي عيوبها وتحويلها إلى الإنتاج على مستوى تجاريّ، خصوصًا عند النظر إلى المميـزات الكبيـرة التي يقدمها الاعتماد على الحديد، باعتباره كاثودًا في بطّاريات أيون الليثيوم؛ فمن ناحية سنقلل الاعتماد على عناصر سامة وأكثـر ندرةً، وسنعتمد على عنصر رخيص ومتوفر؛ وبالتالي خفض تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى إطالة عمر البطّاريات، وحينها نُحقق استدامةً بيئيةً واقتصاديةً حقيقيةً.
قام برنامج علوم الطاقة الأساسية -التابع لوزارة الطاقة الأمريكية- بتمويل هذا البحث المهم، الذي شارك في قيادته «تونجشاو ليو» من مختبـر أرجون الوطنـيّ، و«مينجليانج يو» من جامعة ولاية أوريجون، بالإضافة إلى باحثيـنَ من جامعة فاندربيلت، وجامعة ستانفورد، وجامعة ميريلاند، ومختبـر لورانس بيركلي الوطنـيّ، ومركز المُعَجِّلِ الخطيّ ستانفورد “SLAC”.
في الختام، يجب أنْ ندرك أنَّ تطويرَ بطّاريات الليثيوم وضمانَ استدامتها يمثلانِ أحدَ أهم التحديات التكنولوجية في العصر الحاليّ؛ فمع زيادة الجهود في ملف «تحول الطاقة» يزداد الاعتماد أكثـر فأكثـر على هذه البطّاريات؛ ما يعنـي أنه لا مفرَّ من تطويرها، وزيادة كفاءتها، والتحول بها إلى الاستدامة.