اتفاق دولي جديد لتنظيم انبعاثات قطاع الشحن البحري
اتفاق دولي جديد لتنظيم انبعاثات قطاع الشحن البحري
في خطوة تُعد تقدمًا بارزًا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة التغير المناخي، توصلت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة يوم الجمعة 11 إبريل الجاري، إلى اتفاق تاريخي بشأن وضع معيار عالمي لانبعاثات الوقود في قطاع الشحن البحري، يتضمن فرض رسوم على السفن التي تتجاوز الحدود المقررة، ومنح حوافز للسفن التي تستخدم وقودًا نظيفًا.
جاء هذا الاتفاق خلال الاجتماعات التي عُقدت هذا الأسبوع في مقر المنظمة البحرية الدولية بلندن، وذلك رغم انسحاب الولايات المتحدة من المحادثات ودعوتها دولًا أخرى إلى اتخاذ موقف مماثل، مع تهديدها بفرض “إجراءات متبادلة” ردًّا على أي رسوم قد تُفرض على السفن الأمريكية.
ومع ذلك، حظي الاتفاق بتأييد أغلب الدول المشاركة، في إطار مسعى جماعي لخفض صافي انبعاثات قطاع الشحن الدولي بنسبة 20% بحلول عام 2030، والوصول إلى الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2050، وهو ما يُمثل التزامًا دوليًّا بتطبيق اتفاقية باريس للمناخ ويعكس التوجه العالمي نحو الاستدامة البيئية.
وبموجب هذه الآلية الجديدة، سيبدأ تطبيق الرسوم اعتبارًا من عام 2028، حيث ستُفرض غرامة قدرها 380 دولارًا أمريكيًّا عن كل طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون تتجاوزه السفينة فوق الحد القياسي المحدد، إلى جانب غرامة أخرى بقيمة 100 دولار عن كل طن متجاوز لمعيار أكثر صرامة.
ومن المتوقع أن تُستكمل المصادقة النهائية على الاتفاق خلال اجتماع المنظمة المرتقب في شهر أكتوبر المقبل، في ظل استمرار الخلافات بين الدول بشأن وتيرة التحول البيئي في قطاع النقل البحري. وكانت المحادثات قد شهدت استبعاد مقترح تقدمت به دول جزرية في المحيط الهادئ، بدعم من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، لفرض ضريبة كربون أكثر صرامة تشمل جميع الانبعاثات، وذلك بسبب معارضة من دول كالصين والبرازيل والسعودية.
ويُنتظر أن يُدر هذا النظام ما يصل إلى 40 مليار دولار من الرسوم بحلول عام 2030، ستُستخدم جزئيًّا لدعم تخفيض كلفة الوقود النظيف عديم الانبعاثات، مثل الأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر؛ مما يعزز الابتكار في قطاع الطاقة البحرية ويخدم أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (7) “طاقة نظيفة وبأسعار معقولة”، والهدف (13) “العمل المناخي”.
وعلى الصعيد الفني، سيُلزم النظام السفن اعتبارًا من عام 2030 بخفض كثافة الانبعاثات الناتجة عن الوقود بنسبة 8% مقارنة بمستويات عام 2008، على أن يرتفع هذا الخفض إلى 21% وفقًا للمعايير الأكثر صرامة. وبحلول عام 2035، ستزداد هذه النسب لتصل إلى 30% و43% على التوالي. وستتم مكافأة السفن التي تتجاوز الحد الأعلى المقرّر عبر منحها أرصدة كربونية قابلة للتداول؛ مما يعزز روح التعاون والاستثمار في تقنيات أكثر كفاءة داخل القطاع البحري.
وقد تباينت ردود الفعل الدولية بشأن الاتفاق الأخير، بين الترحيب الحذر والتحفظ الصريح؛ فقد اعتبرت المفوضية الأوروبية الاتفاق “خطوة ذات مغزى” نحو تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ، غير أن هذا لا يضمن مشاركة قطاع الشحن في بلوغ الأهداف المناخية العالمية بشكل كامل. وفي السياق نفسه، وصفت وزيرة النقل البريطانية “هايدي ألكسندر” الاتفاق بأنه دفعة نوعية نحو خفض الانبعاثات، مشيدة بدوره في تسريع تطوير واعتماد الوقود النظيف.
وفي المقابل، أعرب وزير المناخ في جزيرة “فانواتو” الواقعة في المحيط الهادئ “رالف ريجينفانو” عن خيبة أمله، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي أخفق في دعم حزمة من الإجراءات كانت قادرة على وضع قطاع الشحن في مسار يتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية، وهو السقف الذي حذّر العلماء من تجاوزه لتفادي الآثار الكارثية للاحتباس الحراري.
ورغم الجدل المثار، عبّرت غرفة الشحن الدولية عن تفاؤلها بإمكانية أن يسهم الاتفاق في تسريع وتيرة إنتاج الوقود عديم الانبعاثات، مؤكدة أن الحكومات بدأت تدرك أهمية تحفيز الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. وقد أبدت منظمة “أوبورتونيتي جرين” البيئية مخاوفها من أن يؤدي الاتفاق إلى ترسيخ الاعتماد على أنواع معينة من الوقود، مثل الوقود الحيوي المستخرج من المحاصيل والغاز الطبيعي المسال، وهما خياران لا يحققان الحياد الكربوني الكامل.
وفي ضوء هذه التحركات العالمية، تؤكد حماة الأرض أن هذا الاتفاق –رغم ما يحيط به من تحفظات وتساؤلات– يمثّل خطوة نحو إصلاح بيئي في قطاع الشحن، ومسارًا واعدًا لتعزيز الابتكار في الوقود النظيف، ودعم أهداف المناخ العالمية بخطى أكثر واقعية والتزامًا.