مؤتمر جراحات المخ والأعصاب.. مصر تعزز ريادتها الطبية

مؤتمر جراحات المخ والأعصاب.. مصر تعزز ريادتها الطبية
في القاهرة، شهد قطاع الصحة المصري حدثًا علميًّا لافتًا، تمثل في انعقاد مؤتمر التميز في جراحات المخ والأعصاب، تحت رعاية وزارة الصحة والسكان، برئاسة الدكتور/ خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان. وهو المؤتمر الذي جاء تحت شعار “تكريم ماضينا من خلال صنع مستقبل أفضل” مثّل منصة دولية مرموقة جمعت نخبة من كبار الخبراء المحليين والدوليين في جراحة الأعصاب، في لحظة فارقة تستدعي تقييم التقدم المحرز وتعزيز أطر التعاون نحو مستقبل صحي أكثر عدالة واستدامة.
وتأتي أهمية هذا الحدث في ظل التحديات الصحية والبيئية المتزايدة، التي تجعل من الاستثمار في التخصصات الدقيقة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة؛ فالرعاية الصحية ليست مجرد خدمات علاجية، وإنما هي محور حيوي في أي رؤية تنموية شاملة، خاصة حين يرتبط الأمر بتخصص حساس مثل جراحات المخ والأعصاب.
التميز في جراحات الأعصاب يعكس تطور البنية التحتية الصحية
أكد الدكتور/ خالد عبد الغفار خلال كلمته في المؤتمر أن جراحات المخ والأعصاب تمثل نموذجًا متقدمًا لتكامل التكنولوجيا والكوادر البشرية في المنظومة الصحية المصرية، مشيرًا إلى أن هذا التخصص بات يحظى بأولوية واضحة في السياسات الصحية للدولة، وقد انعكس ذلك في دمج خدمات جراحة الأعصاب والقساطر المخية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار، وهو ما أسهم في إنقاذ حياة عشرات الآلاف.
فمنذ إطلاق المبادرة عام 2018، تم تنفيذ أكثر من 183 ألف عملية جراحة مخ وأعصاب، إلى جانب ما يقرب من 14 ألف قسطرة مخية، وهو ما يعكس تطور البنية التحتية الصحية في مصر. وتتوزع هذه الإنجازات على مستشفيات وزارة الصحة والجهات التابعة، بما في ذلك الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، وأمانة المراكز الطبية المتخصصة، ومستشفيات هيئة الرعاية الصحية.
وفي هذا السياق الشامل لتطوير الرعاية الصحية الدقيقة، برزت الطفرة التي يشهدها قطاع جراحات الأعصاب في مصر باعتباره أحد أعمدة منظومة التأمين الصحي الشامل، الذي تسعى الدولة إلى تطبيقه تدريجيًّا في مختلف المحافظات، باعتباره من أهم أهداف رؤية مصر 2030.
التوسع في مراكز العلاج المتخصصة للسكتات الدماغية
وضمن الاستراتيجية نفسها، تولي وزارة الصحة والسكان اهتمامًا خاصًا بتخصص السكتات الدماغية، حيث أُنشئت 7 مراكز معتمدة وفق المعايير الدولية حتى الآن، مع العمل الجاري على تعميم هذه التجربة في جميع المحافظات، هذه الخطوة تعكس التزام الدولة بتوفير مراكز استجابة سريعة ومجهزة بالكامل، قادرة على تقديم تدخلات علاجية دقيقة تقلل من نسب الإعاقة وترفع من جودة حياة المرضى.
ويمثل هذا التوسع ترجمة عملية لمفهوم العدالة الصحية؛ إذ تسعى الدولة إلى ضمان إتاحة الخدمات الدقيقة والحرجة لكل مواطن على قدم المساواة، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو حالته الاجتماعية، ويأتي هذا في إطار تحقيق التنمية المستدامة، التي تقوم على ضمان شمولية الرعاية وجودتها واستمراريتها.
من هنا، فإن هذا التوجه يُعد تمهيدًا طبيعيًا لتعظيم الاستفادة من المؤتمرات العلمية الكبرى، مثل مؤتمر التميز في جراحات المخ والأعصاب، الذي يجمع بين تبادل المعرفة والتخطيط الاستراتيجي لمستقبل صحي أكثر تكاملًا.
شراكات مؤسسية من أجل تطوير التأمين الصحي
وخلال فعاليات المؤتمر، شهد الدكتور/ خالد عبد الغفار توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للرعاية الصحية والمجلس الصحي المصري، في خطوة تعكس التوجه نحو تعزيز الشراكة المؤسسية في مجالات التدريب والتأهيل واعتماد البرامج التخصصية، وهي مرتكزات لتطوير المنظومة الصحية بما يتوافق مع رؤية مصر 2030.
وأشار الدكتور/ أحمد السبكي، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحية، إلى أن الهيئة نفذت أكثر من 10 آلاف تدخل جراحي دقيق في تخصص المخ والأعصاب منذ انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل، منها نحو 75% عمليات عالية المهارة، بما في ذلك 1700 جراحة معقدة خلال العام الماضي وحده.
وقد أوضح الدكتور/ أحمد السبكي أن ما تحقق في مجال جراحات الأعصاب داخل منشآت الهيئة يمثل نقلة نوعية، بفضل اعتماد أحدث ما توصل إليه العالم من تقنيات دقيقة، كاستخدام مناظير الأعصاب والميكروسكوبات الجراحية المتقدمة، ويُعد هذا التحديث أحد أوجه التحول الرقمي في القطاع الصحي، الذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتعزيز الكفاءة والسرعة وتقليل نسب الخطأ.
نحو توطين الخبرات الطبية وتعزيز مكانة مصر إقليميًّا
يؤكد الحضور الدولي اللافت للمؤتمر -من بينهم خبراء مثل الدكتور/ سي هون كيم، من جامعة كوريا- على أن مصر أصبحت وجهة ذات ثقل علمي متزايد في مجالات الطب المتقدمة، لا سيما في جراحات الأعصاب الدقيقة، وقد أشاد “كيم” بالتجربة المصرية، مستعرضًا نتائج عملياته الناجحة التي أُجريت داخل البلاد، بما في ذلك علاج الانزلاق الغضروفي وأورام العمود الفقري.
وهذا الانفتاح على الخبرات العالمية، وتبادل المعرفة بين المؤسسات، هو ما يشكل حجر الأساس في توطين صناعة الطب عالية التخصص، ومن خلال استمرار دعم التدريب والتعاون الدولي، يمكن لمصر أن تتبوأ موقعًا رياديًّا في خارطة الطب العالمي، مستفيدة من البنية التحتية المتطورة.
وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن ما يشهده قطاع جراحات المخ والأعصاب في مصر هو انعكاس واضح لرؤية صحية تتقاطع مع أولويات التنمية المستدامة، من حيث ضمان الجودة، وتحقيق العدالة، واستثمار التكنولوجيا، ومع مواصلة الجهود في التدريب والشراكة وتوطين الصناعات الطبية، فإن الطريق بات مهيأً لبناء منظومة صحية تُعلي من قيمة الإنسان، وتُرسخ مكانة مصر باعتبارها قائدة إقليمية في مجالات الطب والرعاية الصحية المتقدمة.









