ما البيئة؟
ما البيئة؟
أصبحتِ البيئة مثارَ جدل بين الناس، بسبب التغيرات المناخية وتأثيراتها منذ عهد بعيد حتى شهدتِ العقودُ الأخيرةُ وتيرةً متسارعةً من هذه التأثيرات؛ فلم يَعُدِ الإنسانُ وصحتُه بعيدينِ عن دمار الطبيعة، وما لحِق بها من ملوثات الهواء، وفساد المياه، وغيرها من الآثار السلبية، بعدما ازداد نشاط الإنسان في العصر الحديث، حيث بنَى المصانعَ، واستخدم في المحركات موادَّ احتراق تصيب رئتيه بسُحب سوداء تُسبب له أمراضًا لا نهايةَ لها. هذه الأسبابُ جعلتْ من البِيئَةِ موضوعًا بالغ الأهمية، ليس بين المختصينَ فحسب، وإنمَّا بين الناس جميعًا في أنحاء العالم.
وإنْ نظرتَ حولك تَرَ هذه الطبيعةَ مكونةً من الهواء والماء والنبات والكائنات، وهذه المكونات مجتمِعَةً تؤثر في بعضها بعضًا، وهذا التأثير -أو التشابك- يسمى إجمالًا: البيئة. بناءً علَى هذا يمكننا القول: إنَّ البِيئَةَ -بمفهومها الذي عرضناه- ليس للإنسان تدخل فيها، وبالرغم من هذا فهو مُطَالَبٌ بالمحافظة عليها وتنمية مواردها.
لكن، ما العناصرُ الأساسيةُ التي تُشكل البِيئَةُ من حولنا؟ يمكننا إجمال هذا في ثلاثة عناصر:
الأول– العنصر الفيزيائي، وهو متمثل في تضاريس الأرض، ومعالمها الجغرافية، ومسطحاتها المائية، وتربتها.
الثاني– العنصر البيولوجي، ونشاهده في البشر والنباتات، ونلمسه في كل كائن حي.
الأخير– العنصر الثقافي، وهو تلك السمات التي شكَّلها الإنسانُ من خلال العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
وكذلك تُقسم عناصرُ البِيئَة إلى فرعينِ: عناصر حية كالإنسان والنبات والحيوان، وعناصر غير حية كالماء والهواء والمناخ والتربة والمعادن. وهذه العناصر كلها محكومةٌ بسلاسل غذائية؛ فالنباتات -مثلًا- العنصر البيئي الأشد أهميةً بين هذه العناصر؛ لأنَّ هذه النباتات تعمل علَى تنقية الهواء من غازات ثاني أكسيد الكربون، من خلال عملية تُسمى البناء الضوئي؛ وبالتالي زيادة إطلاق الأكسجين الذي تعتمد عليه الكائنات الحية كافةً.
ولذا، فإنَّ إحداثَ أي ضرر في العناصر غير الحية -مثل الماء والهواء- سيؤثر في العناصر الحية، وأولها الإنسان. وهذا معناه أنَّ عناصرَ البيئة شبكةٌ متعددةُ الأطرافِ، ولا يكفي لفهم البيئة أنْ ننظرَ إلى طرف دون آخرَ؛ حتى ينعمَ الكوكبُ كله ببيئة مستدامة.
أمرٌ آخرُ، هو أنَّ البيئة -بمفهومها السابق- محكومةٌ بما يُسمى بالنظام البيئي. ولتبسيط هذه الحقيقة العلمية ينبغي لنا أنْ ندرك أنَّ الإنسانَ جزءٌ مِن نظام معقد، وهذا النظام يؤثر فيه من خلال المجتمع، وهذا معناه أنَّ كل ما ينتج عن البيئة من آثار وظواهر لا نستطيع معالجتها إلَّا مِن خلال النظر إلى عَلاقات ثلاثة، هي: الإنسان، والبيئة، والمجتمع.
وهنا سؤال، هو: إذا كان الإنسانُ سببًا في تدمير البيئة، فكيف يُطَالَبُ بالمحافظة عليها، وأنْ يصبحَ طريقًا إلى التخلص من آثارها السلبية وما لحِق بها من دمار؟
يمكننا تحقيق هذه المعادلة من خلال زيادة الوعي بقضايا البيئة في المناهج الدراسية منذ مرحلة الطفولة. ليس هذا فحسب، وإنما يجب علينا أنْ نبني أنظمةً يمكنها توفير المعلومات البيئية الصحيحة، واستعمال الإعلام -والأجهزة الاجتماعية المماثلة- في نشر هذه المعلومات، وكذلك عن طريق قيام المؤسسات الخاصة بدورها المجتمعي في إزالة الآثار البيئية السلبية.
نأتي هنا إلى أشد الآثار والتغيرات البيئية ضررًا علَى الإنسان والكائنات، وهي اختلال التنوع البيولوجي؛ وهذا سببه الانفجار السكاني، وما تبعه من استهلاك الموارد الطبيعية بصورة مفرطة! وعن هذا أشارت تقارير رسمية إلى أنَّ حوالي مليون نوع -نباتات وحيوانات- في مواجهة خطر الانقراض بسبب الإنسان وأعماله الضارة بالبيئة، ومنها: التوسع في استخدام الأراضي الخصبة في الصناعة، بالإضافة إلى الإفراط في صيد الأسماك، والصيد البري الجائر.
أيضًا، يُعتبر التدهورُ المائيُّ أثرًا من الآثار البيئية ذات الضرر الشديد، حيث إنَّ استهلاكَ المياه العذبة عنصرٌ رئيسيٌّ في هذا التدهور؛ وبالتالي تُعتبر المياه العذبة موردًا مهمًّا للغاية، لأنَّ كوكبَ الأرض -وما عليه- يعتمد علَى هذه المياه؛ فهي تنقل المعادنَ والموادَّ الضروريةَ للحياة، وتعمل علَى إنبات النباتات والمحافظة على حياة الحيوانات.
وثالث هذه الأضرار، مياه الصرف الصحي، وهي مخلَّفات سائلة، تتسبب فيها المناطق السكنية، والتجارية، والصناعية، والزراعية. يتركز أثرها الضار بالبيئة والإنسان في أنها تحتوي علَى ملايين الأنواع البكتيرية، مثل بكتيريا السالمونيلا.
وفي نهاية المقال، تؤكد مجلة حماة الأرض علَى هذه الأهمية القصوى للبيئة من حولنا، ومدَى دور الإنسان ومؤسسات المجتمع في المحافظة عليها وتنمية مواردها، وكذلك المحافظة علَى ثرواتها البيولوجية، ورعاية كل هذا من خلال إدارة فعَّالة مسئولة.