نظام مبتكر لإنتاج الهيدروجين يحاكي عملية التمثيل الضوئي
نظام مبتكر لإنتاج الهيدروجين يحاكي عملية التمثيل الضوئي
يواجه العالم طلبًا متزايدًا على مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة ومنها على سبيل المثال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وبين سعي المجتمع العلمي وسعي المجتمع الصناعي إلى تطوير تقنيات طاقتَي الشمس والرياح – لجأ العلماءُ في جامعة روتشستر إلى قوة التمثيل الضوئي؛ ليستلهموا منه طريقةً مبتكرةً لتوليد الطاقة.
في ورقة بحثية نُشرت في مجلة “PNAS” أوضح أستاذَا الكيمياءِ في روتشستر “كارا برين” و”تود كراوس” أنَّ البكتيريا من نوع “Shewanella oneidensis” تُقدم طريقةً مجانيةً وفعَّالةً لتوفير الإلكترونات، التي يحتاجها نظام التمثيل الضوئي الاصطناعي.
الهيدروجين وقود مثالي
يُعتبر الهيدروجين وقودًا مثاليًّا، وهو بديل للوقود الأحفوري، خصوصًا إذا تم إنتاجه بطريقة مستدامة؛ لأنَّ حرقَ وقود الهيدروجين لا ينتج عنه مثل ما ينتج عن أنواع الوقود الأحفوري، التي تتميز بإطلاق كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري.
الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرةً في الكون، ويمكن استخلاصه من مجموعة مصادر متنوعة، بما في هذا الماء والغاز الطبيعي والكتلة الحيوية. وبخلاف الوقود الأحفوري، الذي يُنتج غازات دفيئة وملوثات أخرى؛ فإنَّ الهيدروجين لا يُنتِج عند حرقه سوى منتج ثانويٍّ واحدٍ، هو بخار الماء.
يحتوي وقودُ الهيدروجين -أيضًا- على طاقة ذات كثافة عالية، مما يعني أنه يحتوي على كثير من الطاقة لكل كيلوجرام، وهذا مقارنةً بأنواع الوقود الأحفوري. يمكن -أيضًا- استخدامه في مجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في هذا خلايا الوقود، ما يفتح أباب لزيادة إنتاج الهيدروجين باعتباره وقود مستدام.
تحديات استخدام وإنتاج الهيدروجين
تاريخيًّا، استخرج العلماءُ الهيدروجين إما من الوقود الأحفوري وإما من الماء، ولكن لتحقيق هذا الأخير -بشكل أكثر كفاءة- يمكن لنظام التمثيل الضوئي الاصطناعي أنْ يساعد بشكل كبير على هذا.
في أثناء عملية التمثيل الضوئي الطبيعي تمتص النباتاتُ ضوءَ الشمسِ، الذي تستخدمه في تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى جلوكوز وأكسجين. بعبارة أخرى: يتم تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية للتغذية.
وبالمثل، فإنَّ التمثيلَ الضوئيَّ الاصطناعيَّ عمليةُ تحويلِ كمية وافرة من المواد الأولية وضوء الشمس إلى وقود كيميائي. تتطلب الأنظمة التي تحاكي التمثيل الضوئي ثلاثة مكونات، هي: مَاصٌّ للضوء، ومحفِّزٌ لصنع الوقود، ومَصدَرٌ للإلكترونات. وعادة ما يتم غَمْرُ هذه الأنظمة في الماء، مع توفير مصدر للضوء، حيث تسمح هذه الطاقةُ للعامل الحفَّاز بدمج الإلكترونات الناتجة في بروتونات المياه (H+)؛ لينتج في النهاية الهيدروجين في صورته النقية.
نظام روتشستر الفريد لإنتاج الهيدروجين
تعمل مجموعتَا “كراوس” و”برين” منذ حوالي عقد من الزمن على تطوير نظام فعَّال يستخدم التمثيلَ الضوئيَّ الاصطناعيَّ، جنبًا إلى جنب مع المحفزات النانوية شبه الموصلة؛ لامتصاص الضوء.
كان أحدُ التحديات التي واجهها الباحثون لإنتاج الهيدروجين هو اكتشافُ مصدر للإلكترونات، وكذا نقل هذه الإلكترونات بكفاءة إلى البلورات النانوية. بعض الأنظمة الأخرى استخدمت حمض الأسكوربيك في توليد الإلكترونات اللازمة للنظام، وفي حين أنَّ هذا الحمضَ قد يبدو غير مكلف يحتاج النظامُ الجديدُ إلى مصدرٍ مجانيٍّ للإلكترونات، وإلا سيصبح مكلفًا للغاية.
لحسن الحظ! كشَفَ “كراوس” و”برين” في ورقتهما البحثية عن متبرع محتمل -وغير متوقع- للإلكترونات، ألا وهو البكتيريا، حيث اكتشف الباحثانِ أنَّ البكتيريا من نوع Shewanella oneidensis يمكنها توليد الإلكترونات لنظامهما.
عندما تنمو البكتيريا في ظل ظروف لاهوائية فإنَّها تتنفس الموادَّ الخلويةَ باعتبارها وقودًا، وتطلق الإلكترونات في هذه العملية، بعدها تأخذ الإلكترونات المتولدة من عملية التمثيل الغذائي الداخلي لديها، وتتبرع بها إلى المحفز الخارجي.
هذا البحثُ يفتحُ البابَ أمام تصورات طموحة عديدة، حيث يمكن -على سبيل المثال- أنْ تستخدم خزاناتٌ للمنازل تحت الأرض البكتيريا والشعاعَ الشمسيَّ لإنتاج كميات صغيرة من الهيدروجين؛ مما يسمح للناس بتشغيل منازلهم وسياراتهم بوقود غير مكلف ونظيف.