استخدام تكنولوجيا الاستشعار من البعد ونظم المعلومات الجغرافية لتقييم خطر الفيضانات بجنوب جمهورية مصر العربية
بقلم أ.د/ نهى سمير دنيا عميد كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية جامعة عين شمس
استخدام تكنولوجيا الاستشعار من البعد ونظم المعلومات الجغرافية لتقييم خطر الفيضانات بجنوب جمهورية مصر العربية
نبذة مختصرة
يمكن استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في جَمع معطياتٍ وبيانات مختلفة، تساعد على بناء توقُّعات لما يمكن أن يحدث في حالة وقوع الفيضان؛ بهدف الحصول على نتائج تساعد على اتِّخاذ القرارات في الوقت المناسب، وحماية السكُّان قدر الإمكان، أو التقليل من حجم الخسائر في حال وقوع الكارثة، وربما المرئيَّات الفضائية تساعد في الحصول على معطيات ميدانيَّة أثناء حدوث الكارثة، لكنَّ دقَّة الصورة هي التي تحدد نوع هذه المعطيات ومساهمتها في تقدير خطر الفيضان، ولكن في هذه الدراسة سوف يتم الاعتماد على صور القمر الصناعي لاندسات Landsat، وذلك ليس لدقته العالية أو لمدى ملائمته لهذه النوعية من الدراسة، ولكن لأنَّ بياناته سهلٌ الحصول عليها بطريقة تكاد تكون مجانية وسريعة، وأيضا لهدف أكثر رقيًّا ألا وهو إبراز الدور الكبير والفعَّال لتكنولوجيا الاستشعار من البعد، واستقراء واستنباط المعلومات المختلفة من مصادرها المختلفة للاستشعار من البعد؛ لإبراز أهمية الاستشعار عن بعد في مجال تقييم خطر الفيضانات.
في هذه الدراسة قد لمعت قدرة الاستشعار من البعد في التقاط صور لمنطقة جنوب جمهورية مصر العربية في عدة أزمنة مختلفة، ما قبل حدوث فيضان السودان وما بعده؛ للكشف عن كميَّات الجائحة للمياه من السودان إلينا، بينما لمع دور برامج نظم المعلومات الجغرافية في تحديد الغطاء المائي water body للمنطقة؛ لتحديد مناطق وكميات المياه الناتجة من الفيضان، وتم عمل المقارنة بينهما؛ لوضع تقييم سليم لاحتمالية الفيضان في مصر، ولمساعدة متَّخذي القرار.
الكلمات المفتاحيَّة: الاستشعار من البعد، نظم المعلومات الجغرافية، الفيضانات.
المقدمة
يشهد النيل لأول مرة ارتفاعًا كبيرًا في منسوب المياه لم يتعرض له لأكثر من قرن، ممَّا أدى لفيضانات في السودان، كما وصل فيضان النيل إلى مصر، حيث ارتفع منسوب المياه لدرجة كبيرة، وأغرق عشرات الأفدنة في عدة قرى بمحافظة البحيرة شمال البلاد، وتعرضت قرية الصواف التابعة لمدينة كوم حمادة بمحافظة البحيرة لفيضانات كبيرة بسبب ارتفاع منسوب النيل، ما أدَّى لغرق ما يزيد عن 70 فدانًا، حيث إن هذه الأراضي تُعدُّ أراضي طرح نهر النيل، وتخضع لملكية وزارة الموارد المائيَّة، التي تقوم بتأجيرها للفلاحين في حدود 4 آلاف جنيه للفدان سنويًّا.
وقد تواصل ارتفاع المنسوب مما أدَّى إلى غرق وإتلاف عشرات الأفدنة المزروعة بالأرز والبرسيم وبعض الخضراوات.
إن المياه الإضافيَّة التي تأتي من منابع النيل مرورًا بالسودان، تصل حتى بحيرة ناصر خلف السد العالي، حيث يجري حجزها ومتابعة عملية صرفها، حيث تتنوع الأغراض حسب الاحتياجات في الزراعة والري والصناعة ومياه الشرب.. كلُّ ذلك أدَّى إلى ضرورة سرعة الحصول على معلومات بشأن تغيرات النيل الدوريَّة؛ للمساهمة في العمل بشأن التنبُّؤات الخاصة بالفيضانات، باستخدام الأقمار الصناعية وبيانات الاستشعار من البعد، والتقنيات الحديثة لمعالجة وتحليل تلك البيانات؛ مثل برامج نظم المعلومات الجغرافية، بالإضافة إلى إقامة مشروعات من شأنها الاستفادة من مياه الأمطار والفيضانات في الزراعة.
منطقة الدراسة:
جنوب جمهورية مصر العربية، ومن الممكن تسميته بجنوب الصعيد، وهو إقليم مصري يقع في جنوب مصر، ويطل على البحر الأحمر، وحدوده البحر الأحمر من الشرق، ومن الجنوب دولة السودان، ومن الغرب دولة ليبيا، ومن الشمال إقليم شمال الصعيد، وهو يضم 7 محافظات: البحر الأحمر، والوادي الجديد، ومحافظة أسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان.. وتُعدُّ حدود مصر الجنوبية مع السودان هي أطول حدودها؛ حيث يبلغ طول الحدود مع السودان 1280 كم.
مياه نهر النيل هي المصدر الأساس لمياه الشرب:
يعتمد النيل على المنابع الدائمة في هضبة البحيرات الإفريقية بنسبة 15%، فيما يعتمد بالباقي على الأمطار التي ترفِد النيل في طريقه إليها، وتستخدم مصر بحيرة ناصر الصناعية لتخزين مياه النيل، واستخدامها في مواسم الجفاف وقلة المطر.
عند الجزء الجنوبي من وادي النيل تشكَّلت بحيرة ناصر بعد بناء السد العالي، وتبلغ مساحة البحيرة الإجمالية 5237 كم2، ذلك عند الحد الأقصى لمنسوب المياه الذي يبلغ 180 مترًا فوق سطح البحر آخذة شكلاً طوليًّا على نفس شكل مجرى النهر قبل بناء السد العالي.
يتسع وادي النيل عند حوض كوم امبو (شمال أسوان حوالي 40 كم) حتى يبلغ عرضه حوالي 13كم، ثم يضيق إلى الشمال عند خانق السلسلة، حتى يصل إلى 320 مترًا فقط، ثم يعود الوادي ليتسع عند الأقصر حتى 13 كم، كما يتراوح عرضه بين الأقصر وقنا بين 3 و18 كم، أما في الوادي الواقع بين نجع حمادي بعد تجاوز منحنى قنا وحتى القاهرة فيتراوح عرضه بين 20 و30 كم.
يحتوي مجرى النيل على العديد من الجزر، أبرزها جزيرة المنصورية عند منحنى المنصورية، وجزيرة نقنق وجزيرة الوراق، إضافة إلى جزيرة أبو الغيط بين القاهرة ورأس الدلتا.
البيانات والبرامج المستخدمة:
_ تم استخدام صور القمر الصناعي Landsat لاستخراج أنواع مختلفة من طبقات المعلومات، وتم الحصول عليها من موقع Earth Explorer على الويب: https://earthexplorer.usgs.gov
حيث يكون الإسناد والإهليلجي هو WGS84.
[لاندسات (8OLI جهاز تصوير أرضي تشغيلي) و (TIRSمستشعر حراري بالأشعة تحت الحمراء) من 15 إلى 30 مترًا بيانات متعددة الأطياف من لاندسات 8].
_ تم استخدام برنامج Arc GIS 10.8 لمعالجة البيانات المختلفة ArcMap وArcCatalog، وتطبيقات ArcGIS Desktop لإنشاء الخرائط وإجراء التحليل المكاني وإدارة البيانات الجغرافيَّة، الإصدار الصادر: 10.8.1 (يوليو 2020) الإصدار السابق: 0.18 (فبراير 2020) ، كم تم استخدام برنامج Erdas Imagine 2014 لمعالجة بيانات القمر الصناعي لاندسات Land sat 8، وإكمال عمليات الاستقراء المختلفة.
منهجيَّة الدراسة
تم بناء منهجيَّة الدراسة على الخطوات التالية:
- تغطية الصور المتكاملة.
- الحصول على البيانات والمعالجة المسبقة.
- معالجة الصور وتفسيرها:
كان مؤشر الماء بالفرق الطبيعي (NDWI) لMcFeeters (1996) تم تعديله عن طريق استبدال نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة مثلLandsat TM band 5، لنطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة المستخدم في (NDWI) المعدل (MNDWI) يمكن أن تعزز ميزات المياه المفتوحة أثناء قمعها وإزالتها بكفاءة ضوضاء الأرض المبنية، وكذلك ضوضاء الغطاء النباتي والتربة.
الماء المُعزَّز -غالبًا- ما يتم فيه خلط المعلومات باستخدام NDWI مع ضوضاء الأرض والمنطقة، وبالتالي المبالغة في تقدير المياه المستخرجة وفقًا لذلك، فإنMNDWI هي أكثر مناسبة لتعزيز واستخراج المعلومات المائية لمنطقة مائيَّة ذات أغلبية على الخلفية مساحات الأراضي المبنية بسبب ميزتها في تقليل -أو حتى إزالة- ضوضاء الأرض المبنيَّة فوق NDWI.
- ترتيب البيانات.
- عملية التحقق من صحة المعالجات.
- تحسين البيانات المستخرجة من تفسير الاستشعار عن بعد، والتعرف على السمات التي يمكن اكتشافها أو المرئية في الصورة على الأرض، وتقديم خريطة كارثة نهائية مكتملة.
النتائج والمناقشة:
أولًا: تحليل البيانات لمنطقة بحيرة ناصر وما حولها:
تم العمل في هذه المرحلة على ثلاث صور للقمر الصناعي لاندسات 8 في الفترات الزمنية 24- 8-2020 و9-9-2020 و25-9-2020، وذلك اعتمادًا على خبرة الباحث في الاستقراء النظري للصور، والكشف عن الاختلاف في كميات المياه بين الثلاث صور في الفترات الزمنية المختلفة، بينما تم العمل اعتمادًا على برنامج تحليل بيانات الاستشعار من البعد Erdas Imgine في معالجة الصور واستقرائها؛ للكشف عن الاختلاف في كَميات المياه، سواء بالزائد أو الناقص من 2020-9-25 للصورتين Change Detection (Image difference) خلال تطبيق منهج، و24-8-2020 وذلك من خلال إنتاج صورتين توضحان الاختلافات المختلفة وأماكنها ونسبها.
يتضح من هذا الشكل والناتج من تطبيق منهج الكشف عن التغيرات أن المنطقة ذات التغيرات العالية هي منطقة بحيرة ناصر وما تتصل به بالجزء الشرقي والملون باللون الأسود، دلالة على ازدياد وانتشار رقعة المياه بالمنطقة، وسوف نتبين قيمة ذلك الاختلاف من خلال تحليل الشكل التالي والناتج أيضًا من نفس الصورة، وهي صورة الفروقات لهذه المنطقة ما بين 25-9-2020 و24-.2020-8
يتضح لنا من هذا الشكل أن المناطق ذات اللون الأحمر هي مناطق ازدياد المياه في 25-9-2020، وذلك لقلص مساحتها، بينما الزيادة الطفيفة كانت في بعض المناطق الملونة باللون الأسود، ولكن من الملاحظ أنها زيادة ليست بالخطيرة -حتى الآن- ولكنها منذر قوي بالزيادات المستقبليَّة.
من خلال تحليل ال MNDWI لمنطقة بحيرة ناصر وما حولها في الفترة 8-8-2020 تبين أن المياه تتركز داخل البحيرة، ولا يوجد فائض مائي يذكر خارج البحيرة أو ما حولها من المناطق الجنوبية والغربية للمنطقة.
خريطة توضح فقط الكمية الفائضة من المياه ومساحتها، وذلك من خلال استخلاصها من خريطة MNDWI في الفترة 8-8-2020 والتي تتركز داخل بحيرة ناصر ولا يظهر فائض كبير لكميات المياه خارج البحيرة وما حولها.
من خلال تحليل ال MNDWI لمنطقة بحيرة ناصر وما حولها في الفترة 16-9-2020 تبين أن المياه تتركز داخل البحيرة، ويوجد فائض مائي كبير خارج البحيرة أو ما حولها من المناطق الجنوبية والغربية للمنطقة، ويكون التركُّز أكثر داخل البحيرة ممَّا يدل على علو منسوبها.
خريطة توضح فقط الكميَّة الفائضة من المياه ومساحتها، وذلك من خلال استخلاصها من خريطة MNDWI في الفترة 16-9-2020 والتي يظهر من خلالها أن هناك اختلافًا وفائضًا كبيرًا في المياه، زاد عما كان واضحًا في الفترة 8-8-2020؛ ممَّا يُنذِر بخطر حدوث زيادة كبيرة في كميات المياه، والتي من الممكن أن تؤدي إلى فيضانات لنهر النيل ذاته آتية من الحدود الجنوبية والغربية.
ثانيًا: تحليل البيانات لمنطقة نهر النيل وما حولها بين مصر والسودان:
يتضح من هذا الشكل والناتج من تطبيق منهج الكشف عن التغيرات أن المنطقة ذات التغيرات العالية هي منطقة نهر النيل ما بين مصر والسودان وما تتصل به من تفرُّعات مائية على جانبيه، والملون باللون الأسود دلالة على ازدياد وانتشار رقعة المياه بالمنطقة، وسوف نتبين قِيمَ ذلك الاختلاف من خلال تحليل الشكل التالي والناتج أيضًا من نفس الصورة، وهي صورة الفروقات لهذه المنطقة ما بين 16- 9-2020 و31-8-2020.
يتضح لنا من هذا الشكل أن المناطق ذات اللون الأحمر هي مناطق ازدياد المياه في 16-9-2020 وذلك لقلص مساحتها، بينما الزيادة الطفيفة كانت في بعض المناطق الملوَّنة باللون الأسود.
يتَّضح من الشكل السابق أن المياه تتمركز في المناطق الأكثر انخفاضًا حول النيل في منطقة الجنوب والجنوب الغربي.
يتَّضح من الشكل السابق أن المياه تمركزت وظهرت في المناطق الأكثر انخفاضًا حول النيل في منطقة الجنوب والجنوب الغربي، والتي لم تكن ظاهرة من قبل في الفترات السابقة؛ مما ينذر بزيادة كبيرة في كميات المياه في الجانب الجنوبي والجنوبي الغربي لجمهورية مصر العربية.
خريطة فصل المسطح المائي توضِّح حجم ومكان تكثُّف وتوسُّع كميات الفائض من المياه، والذي لم يكن ظاهرًا من قبل في الفترات السابقة، والتي من المؤشر أيضًا على قدومها من الجانب الجنوبي والجنوبي الغربي عبر الحدود المصرية السودانيَّة.
الاستنتاج
ويُمكن إنتاج خرائط الفيضانات وتقييم الخسائر الناجمة عنها بتحليل معطيات الصور الفضائية، وتحديد أماكن الفيضانات والمناطق المنكوبة، وسبل الوصول إليها، وتساعد هذه الخرائط مؤسسات الإسكان وهيئات الإغاثة والإنقاذ المحليَّة والدوليَّة على تحديد أماكن الخطر، وتفعيل أعمال المراقبة ومعالجة أوضاع المتضرِّرين، وأن من أهم العناصر لتحديد كميات ومناطق واتجاه المياه هي تطبيقات تقنيات فصل أحجام ومسطحات المياه، وعمل المقارنات اللازمة بين الصور الفضائية في الأزمنة المختلفة، ومراقبة وتحليل النتائج، وصولًا إلى إنتاج خريطة مسطح مائي محلَّلة البيانات؛ لدعم ومساعدة متَّخذي القرار.
فقد أظهرت نتائج الدراسة أن المؤشِّرات الأوَّليَّة للفيضان تشُير إلى استمرار احتماليَّة أن يكون في حدود أعلى من المتوسط، وأن الوارد خلال شهر سبتمبر وما بعدَه أنَّ الازدياد المستمر للمياه سيكون في بحيرة ناصر ونهر النيل عند الحدود السودانية خاصة في موسم المياه، وحدوث فيضان السودان، مع توقع ازدياد السيول على ساحل البحر الأحمر، وأنه قد يمرُّ بجمهورية مصر العر بية فيضان غير مسبوق من سنين طوال، خاصة في منطقتي الجنوب والجنوب الغربي للبلاد.
التوصيات
- ضرورة الاستعداد وتفريغ جزء من مياه بحيرة ناصر إلى مفيض توشكى، وتطهير البواغيز الموجودة في نهاية فرع رشيد وفرع دمياط قبل الوصول للبحر المتوسط.
- يجب أن تكون محطات الصرف الزراعي بحالة جيدة جدًّا؛ لأنها يمكن أن تغرق لأن عملية صرف المياه من الممكن أن تتم في نهر النيل، ومنها إلى البحر المتوسط.
- يجب أن تكون وحدات إدارة الأزمات بالمحافظات جاهزة من الآن، ولا نتواكل بأن الأمر في السودان وليس في مصر.
- يجب التفكير في طريقةٍ للاستفادة من تلك المياه الزائدة بدلًا من إهدارها في الصحراء، أو البحر الأبيض المتوسط.
- يجب التأكيد على جاهزيَّة بحيرة ناصر والسد العالي وخزان أسوان، مع توقع استمرار معدَّلات الأمطار بكثافة؛ مما يزيد من ارتفاع مناسيب النيل الأزرق.
- يجب أن تهيب الوحدات المحليَّة بالمواطنين، بإخلاء كافة المباني والمنازل وحظائر المواشي والمخازن والأقفاص السمكية وخلافه؛ حرصًا على سلامة الأرواح، وحِفاظًا على الممتلكات.
المراجع
- MCFEETERS, S.K., 1996, The use of normalized difference water index (NDWI) in the delineation of open water features.
- International Journal of Remote Sensing, 17, pp. 1425–.2341.