صناعات مستدامة

الأقطاب أحادية البلورة ثورة في عالم البطاريات

الأقطاب أحادية البلورة ثورة في عالم البطاريات

تواجهنا أزمة عالمية تتمثل في التخلص من النفايات التي تهدد البيئة وتستنزف الموارد الطبيعية. وفي الوقت نفسه يسعى المستهلكون إلى اقتناء أجهزة متطورة وعصرية قد تتسبب في زيادة هذه النفايات، مما يطرح تحديًا يتمثل في تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات المستهلك والحفاظ على البيئة.

تُعتبر البطاريات من المكونات الأساسية في حياتنا اليومية، ومع تسارع السباق العالمي لإطالة عمر بطاريات الليثيوم المستخدمة في مجموعة متنوعة من الأجهزة، بدءًا من الهواتف المحمولة وصولًا إلى المَركبات الكهربائية، أصبحت هذه القضية محورية في تحويل تلك الأجهزة إلى خيار أكثر استدامة وجاذبية.

ومن التطورات الحديثة في تكنولوجيا البطاريات برزت تقنية الأقطاب أحادية البلورة Single-Crystal Electrode باعتبارها حلًّا مبتكرًا يَعِد بتحسين أداء البطاريات وزيادة كفاءتها؛ وهو ما جعلها محل اهتمام الباحثين والمختصين في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة؛ ولذلك ستلقي حماة الأرض الضوء على هذه التقنية؛ كي تشرح ماهية الأقطاب أحادية البلورة، وكيفية عملها، وكيف برزت لتكون حلًّا واعدًا يحقق الاستدامة في قطاع الصناعة وغيره من القطاعات؛ فتابعوا القراءة.

أهمية تحسين عمر البطاريات

قبل أن ندخل في تفاصيل الموضوع نشير إلى أن عمر البطاريات وأداءها على المدى الطويل من أهم العوامل التي تؤثر في قرار المستهلك عند شراء الأجهزة الإلكترونية والمركبات الكهربائية؛ فالمستهلكون يطالبون بضمانات عن أداء البطارية وعمرها الافتراضي، وذلك لتجنب التدهور السريع للبطارية وتكاليف الاستبدال المرتفعة.

ومِن هنا تبرز أهمية تطبيق تلك التقنية الجديدة على هذه الأجهزة؛ فقد أظهرت الاختبارات أن الأقطاب أحادية البلورة تحتفظ بنسبة عالية من سعتها الأصلية بعد آلاف من دورات الشحن والتفريغ؛ فعلى سبيل المثال حافظت بطاريات NCM523 -المصنَّعة باستخدام هذه التقنية- على 96% من سعتها بعد 4000 دورة، وهو أمر يجعلها مثالية للأجهزة وجميع المركبات الكهربائية.

كما خضعت هذه التقنية لاختبارات صارمة في مختبر بمدينة هاليفاكس الكندية، حيث تم شحن البطارية وتفريغها بشكل متواصل لأكثر من ست سنوات، وكانت النتائج مذهلة؛ إذ أظهرت البطارية متانة فائقة مع قدرتها على تحمل أكثر من 20,000 دورة شحن قبل أن تصل سعتها إلى 80%، أي خسرت فقط 20% من سعة التخزين لديها في تلك الفترة.

وهذا الأداء يعادل عمرًا افتراضيًّا يصل إلى 8 ملايين كيلومتر من القيادة، وهو رقم يتجاوز العمر الافتراضي لبطاريات الليثيوم التقليدية، التي تدوم عادةً حوالي 2,400 دورة أو 960,000 كيلومتر، وهو ما يجعلها خيارًا مثاليًّا، ويدفعنا إلى التعرف عليها بشكل أعمق.

مفهوم الأقطاب أحادية البلورة

لتعزيز عُمْر بطاريات الليثيوم طوَّر باحثون في جامعة دالهاوسي Dalhousie في كندا -بالتعاون مع مركز الضوء الكندي Canadian Light Source (CLS) بجامعة ساسكاتشوان Saskatchewan– التقنية الجيدة بالاعتماد على مادة “أحادية البلورة”؛ وهي مادة صلبة تتميز بامتداد الشبكة البلورية فيها من أولها إلى آخرها مكوِّنةً بلورةً كبيرةً منتظمةً.

تُستخدم هذه المادة في تصميم الأقطاب الكهربية داخل البطاريات، مثل القطب الموجب Cathode أو القطب السالب Anode، وتتميز ببنيتها البلورية المنتظمة والمتماسكة، التي تعزز من قدرتها على نقل الأيونات والإلكترونات بشكل أكثر كفاءة، مقارنة بالمواد متعددة البلورات التقليدية، وهذا ما يجعلها أكثر متانةً وأطول عمرًا منها.

أسباب تفوق الأقطاب أحادية البلورة

قد أجرى الباحثون في المركز الكندي CLS تحليلًا دقيقًا للمواد التي تتكون منها البطاريات التقليدية والبطاريات ذات الأقطاب أحادية البلورة عن طريق استخدام أدوات متقدمة، وأظهرت هذه التحليلات أنه في البطاريات التقليدية -التي تتكون من عدة بلورات- تَحدث تشققات بين الحبيبات البلورية أثناء عمليات الشحن والتفريغ المتكررة، التي تؤدي إلى تفتت المادة تدريجيًّا، مما يضعف أداء البطارية ويقلل سعتها.

وعلى النقيض من ذلك، أظهرت الأقطاب أحادية البلورة مقاومة استثنائية لحدوث التشققات الناتجة عن دورات الشحن والتفريغ؛ لأنه نظرًا لعدم وجود حدود حُبَيبية Grain Boundaries -الفاصل بين البلورات- فإن حركة الأيونات داخل الأقطاب الكهربية تكون أسرع وأكثر انتظامًا، وهذا يؤدي إلى تحسين الكفاءة الكهربائية، وتقليل فقدان الطاقة أثناء الشحن والتفريغ، كما أن هذه الأقطاب قادرة على تخزين كمية أكبر من الأيونات بسبب بنيتها المثالية، مما يزيد من سعة البطارية.

تحديات التصنيع ومزايا الاستدامة

إنَّ تطبيق تقنية الأقطاب أحادية البلورة يتطلب تقنيات متقدمة ومكلفة، مثل الترسيب الكيميائي من البخار والترسيب الكهربائي، كما أن التحكم في نمو البلورة وتقليل العيوب البلورية يعدان من التحديات الكبرى في التصنيع. بالإضافة إلى ذلك، فإن المواد الخام المستخدمة في تصنيع هذه الأقطاب -مثل الليثيوم والكوبالت- قد تشكل عائقًا اقتصاديًّا كبيرًا. وكل هذه العوامل تسهم في ارتفاع تكلفة إنتاج هذه الأقطَاب، مما يحد من تطبيقها على نطاق واسع في الوقت الحالي.

 وعلى الرغم من التحديات التقنية التي تواجه تصنيع الأقطَاب أحادية البلورة، فإن المزايا البيئية والاقتصادية التي تقدمها تجعلها تقنية واعدة للمستقبل، حيث إنها تتميز بثباتها الحراري والكيميائي؛ فهي تملك قدرة أعلى على مقاومة التحلل عند درجات الحرارة المرتفعة، مما يُقلل من إنتاج الغازات الضارة والأكسجين النشط الذي قد يسهم في التلوث البيئي.

وعلاوة على ذلك، فإن عوامل الأمان المحسَّنة لهذه التقنية تسهم في تقليل الأخطار الناتجة عن التفاعلات الكيميائية داخل البطاريات، وهذا يحد من خطر الحرائق والانفجارات التي غالبًا ما تصاحب نهاية عمر البطاريات التقليدية، كما أن عمرها التشغيلي الطويل يقلل من كمية النفايات الإلكترونية، ويعزز من الاستدامة على المدى الطويل.

وبفضل قدرتها على العمل بكفاءة في درجات حرارة متطرفة، فإن الأقطَاب أحادية البلورة تؤدي إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة؛ فهي قابلة لإعادة الاستخدام بعد انتهاء العمر الافتراضي للجهاز أو السيارة، مما يفتح المجال لاستخدامها في محطات تخزين الطاقة ومزارع الرياح والطاقة الشمسية؛ ومِن ثَمَّ فإنها تساعد على تقليل الانبعاثات الضارة، مما يعزز حلول الطاقة النظيفة، ويدعم الجهود العالمية لحماية البيئة.

ختامًا فإن حماة الأرض تحث -بناء على ما تقدم من المزايا البيئية والاقتصادية للتقنية الجديدة- على دعم هذا الابتكار الواعد، الذي يعد نقطة تحول في مجال البطاريات، وتدعو إلى تضافر الجهود بين الأطراف المعنية لتجاوز التحديات الحالية، وتحويل هذا الإنجاز إلى ثورة تجارية تسهم في تسريع وتيرة التحول نحو الطاقة النظيفة والنّقل المستدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى