بقوة 200 مليون واط.. جوجل تراهن على طاقة الاندماج النووي

بقوة 200 مليون واط.. جوجل تراهن على طاقة الاندماج النووي
في خطوة تعكس تصاعد الرهانات التكنولوجية على مستقبل الطاقة النظيفة، أعلنت شركة جوجل عن توقيع اتفاق تاريخي مع شركة “كومنولث فيوجن سيستمز” (CFS)؛ لشراء 200 ميجاواط من الكهرباء المولدة باستخدام طاقة الاندماج النووي، وهي تقنية طالما حلم بها العلماء باعتبارها حلًّا سحريًّا لمعضلة الطاقة والانبعاثات.
الصفقة تُعدّ من أوائل العقود التجارية في هذا المجال الناشئ، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تحدث تغييرًا جذريًّا في أسواق الطاقة والذكاء الاصطناعي على حد سواء، وفي هذا المقال، سوف تستعرض حماة الأرض أبعاد هذا الاتفاق الثوري من الناحية البيئية والتكنولوجية، وتأثيراته المحتملة في مسارات التحول نحو طاقة خالية من الكربون، والسباق المحموم الذي تخوضه كبرى الشركات الرقمية لضمان استدامة عملياتها في عصر الذكاء الاصطناعي.
تفاصيل الاتفاق
ينصّ الاتفاق الذي أُعلن عنه بين جوجل وشركة CFS على شراء شركة جوجل لـ200 ميجاواط من الكهرباء من أول محطة طاقة اندماج نووي تجارية تخطط CFS لإنشائها في مقاطعة تشيسترفيلد بولاية فرجينيا الأميركية. هذه المحطة، التي تحمل اسم ARC، ومن المتوقع أن تبدأ الإنتاج في أوائل ثلاثينيات هذا القرن؛ لتكون الأولى من نوعها في العالم التي تُربط فعليًّا بالشبكة الكهربائية.
وتتطلع CFS، التي جمعت سابقًا استثمارات قياسية بلغت 1.8 مليار دولار في 2021 من بينها جوجل نفسها، إلى تشغيل منشأة طاقتها الإجمالية تصل إلى 400 ميجاواط، أي ما يكفي لتزويد نحو 150 ألف منزل أو مركز صناعي كبير، وبموجب الاتفاق، تستحوذ جوجل على نصف إنتاج المحطة، وتحتفظ بحقوق شراء إضافية من مشروعات مستقبلية لـCFS.
هذا الالتزام طويل الأمد لا يقتصر على شراء الكهرباء فقط، وإنما يشمل أيضًا إسهام جوجل في جولة تمويلية جديدة لدعم الشركة الناشئة، في وقت يُعدّ فيه التمويل عنصرًا حاسمًا لتسريع تطبيقات طاقة الاندماج وتحويلها من مختبرات الأبحاث إلى الواقع الصناعي.
تقنية الاندماج النووي
ويكتسب هذا التوجه أهميته من طبيعة التقنية نفسها؛ إذ تقوم طاقة الاندماج النووي على دمج نوى ذرية خفيفة -غالبًا نظائر الهيدروجين– في درجات حرارة تتجاوز 100 مليون درجة مئوية، وهو ما يُنتج حالة تُعرف بالبلازما، تسمح للنواة بالاندماج وإطلاق كميات هائلة من الطاقة، وعلى عكس الانشطار النووي التقليدي، لا تنتج هذه العملية نفايات مشعة طويلة الأمد، كما أنها لا تنبعث منها غازات دفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون.
منذ خمسينيات القرن الماضي، حاول العلماء ترويض هذه التقنية دون جدوى؛ إذ إن الطاقة التي يتطلبها تشغيل المفاعلات كانت دائمًا أعلى من الطاقة المنتَجة، إلا أن شركات مثلCFS ، مدعومة بتقنيات مغناطيسية فائقة التوصيل وتطورات في الذكاء الاصطناعي والمحاكاة الفيزيائية، تقترب شيئًا فشيئًا من كسر هذا الحاجز الفيزيائي والاقتصادي.
وقد صرح “بوب مومجادر” المؤسس والرئيس التنفيذي لشركةCFS ، بأن دعم جوجل يمثّل إشارة قوية لسلاسل الإمداد ومجتمع الاستثمار بأن طاقة الاندماج النووي باتت قابلة للتحقيق، مؤكدًا أن الاتفاق يُسهّل على شركته حشد المزيد من التمويل لتحقيق أهدافها التشغيلية.
ويكتسب هذا الدعم أهميته بالنظر إلى الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها تقنية الاندماج النووي؛ فهذا النوع من التفاعل، إذا ما تمّ استغلاله تجاريًّا، يمكن أن يوفّر للعالم مصدرًا لا ينضب من الكهرباء، باستخدام كمية صغيرة جدًّا من الوقود، ودون تأثير بيئي يُذكر، وهو ما يجعل منه حلمًا بيئيًّا بامتياز، ويُبرّر في الوقت ذاته اندفاع شركات التكنولوجيا الكبرى نحوه.
الذكاء الاصطناعي يرفع استهلاك الطاقة
تأتي هذه الصفقة في لحظة مفصلية، حيث يتسارع نمو الطلب على الطاقة بسبب التوسع الهائل في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي؛ فشركات مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون تخوض سباقًا غير مسبوق لتأمين طاقة مستدامة تُشغّل بها هذه البنى التحتية الرقمية، التي تعمل على مدار الساعة وتعتمد على كهرباء كثيفة ودائمة.
ففي عام 2023 وقّعت مايكروسوفت -على سبيل المثال- اتفاقًا مماثلًا مع شركة Helion Energy؛ لتزويدها بـ50 ميجاواط من الكهرباء، مع وعد بتشغيل المنشأة بحلول عام 2028، واليوم، يبدو أن جوجل رفعت السقف بمراهنتها على مشروع أكبر وأطول أمدًا.
إن هذا النوع من الشراكات بين شركات التكنولوجيا المتقدمة وشركات الطاقة الناشئة يمثّل منعطفًا حاسمًا في مسار التحول العالمي نحو مصادر طاقة نظيفة وآمنة؛ فالرهان الذي تخوضه جوجل ليس مجرد استثمار تقني، بل خطوة استراتيجية تحمل دلالات عميقة على مستوى الالتزام المناخي والابتكار الأخضر.
وفي ظل ما يشهده العالم من تفاقم للأزمات البيئية، ترى حماة الأرض أن تسخير طاقة الاندماج النووي –بإمكاناتها النظيفة واللامحدودة– يمكن أن يشكّل نقطة فارقة في معركة الإنسانية ضد التغير المناخي، إذا ما اقترن بالإرادة السياسية والحوكمة الرشيدة والتعاون الدولي طويل الأمد.





