مصر تضع التنمية الصناعية في صدارة أولوياتها عبر إطلاق مدينتين صناعيتين
مصر تضع التنمية الصناعية في صدارة أولوياتها عبر إطلاق مدينتين صناعيتين
في سياق السعي نحو إعادة رسم خريطة التنمية الصناعية في مصر، وحرص الدولة على تنمية صعيد مصر وتعزيز فرص العمل لشبابه، تم إطلاق مدينتين نسيجيتين متكاملتين في كل من منطقة وادي السريرية بمحافظة المنيا، والمنطقة الصناعية بشمال الفيوم، باستثمارات إجمالية تصل إلى 27 مليار جنيه.
ويأتي هذا المشروع ضمن استراتيجية شاملة للنهوض بصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة؛ ليؤكد توجه الدولة نحو تعزيز التنمية المتوازنة، وتوطين الصناعة، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد والبنية التحتية التي أُنجزت منذ عام 2014، وتعزيز دور المحافظات في دفع عجلة الإنتاج الوطني من خلال مشروعات نوعية تُوظّف ما تملكه من ميزات تنافسية، وتمهّد لتحولات تنموية جذرية في نسيجها الاقتصادي والاجتماعي.
هذان المشروعان يعكسان تحولًا نوعيًّا في الطريقة التي تُدار بها التنمية، حيث لم تعد المشروعات العملاقة حكرًا على المدن الكبرى، بل أصبحت أداة فعلية لتوفير فرص العمل في المناطق التي كانت تُوصف يومًا بـ”المهمشة”. وفي ظل شراكة قوية مع القطاع الخاص من خلال نظام “المطور الصناعي”، تتجه مصر لبناء منظومات إنتاجية أكثر استدامة، تتفق مع معايير الجودة والتنافسية العالمية.
وفي هذا السياق، تسلط حماة الأرض الضوء في هذا المقال على تفاصيل هذا المشروع التنموي الطموح، باعتباره نموذجًا لتكامل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في سياسات التنمية، واستجابة مباشرة لأهداف التنمية المستدامة، وسوف تستعرض مكونات المشروع، وأبعاده التنموية، ومدى تأثيره المتوقع في مستقبل الصناعة في الصعيد؛ فتابعوا القراءة.
الإعلان عن إطلاق المدينتين
أعلن الفريق/ كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، خلال مؤتمر صحفي موسع في وقت سابق من الشهر الماضي عن إطلاق مدينتين نسيجيتين متكاملتين في كل من المنيا والفيوم.
وأكد الوزير أن قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة يمثل أحد القطاعات الواعدة في مصر، التي تمتلك مزايا تنافسية كبيرة تسهم في تعزيز الاقتصاد وزيادة فرص العمل للشباب، كما استعرض جهود الدولة في تطوير البنية التحتية وتعزيز التنمية المستدامة منذ إطلاق “رؤية مصر 2030“، بما في ذلك المشروعات الضخمة لتحسين شبكة الطرق والموانئ اللوجيستية؛ مما يسهم في تحقيق التكامل الصناعي، وزيادة الصادرات، خاصة في قطاع الملابس الجاهزة.
لماذا المنيا والفيوم؟
تم اختيار محافظتي المنيا والفيوم لتكونا موقعين للمدينتين الصناعيتين نظرًا لامتلاكهما مقومات جغرافية فريدة، حيث تقع المنيا على مسافة قريبة من الموانئ البحرية والمحاور اللوجيستية الرئيسية، مثل طريق الصعيد الحر، مما يسهل الوصول إلى أسواق التصدير الرئيسية. وفي الوقت نفسه تتميز الفيوم بقربها من العاصمة القاهرة، وارتباطها بشبكة الطرق الرئيسية، بما في ذلك الطريق الدائري الإقليمي والميناء الجاف في أكتوبر.
هذا التكامل اللوجيستي يندرج ضمن خطة الدولة لتحسين البنية التحتية المساندة للصناعة، وتحقيق التكامل بين القطاعات الإنتاجية والخدمية، وهو ما يسهم في تقليل التكاليف، وزيادة قدرة الشركات على المنافسة الدولية، ويعكس التوجه نحو بنية تحتية مستدامة تدعم أهداف النمو الصناعي، وتخدم الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى دعمها للهدف (9) من أهداف التنمية المستدامة “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”.
وتُقام المدينتان على مساحة تصل إلى 11 مليون متر مربع، وسوف تشملان مصنعًا متكاملًا لكل مرحلة من مراحل الصناعة النسيجية، بما في ذلك المرافق اللازمة لتصنيع الملابس الجاهزة والمفروشات، ومن المتوقع أن يسهم المشروع في زيادة صادرات قطاع الغزل والنسيج بشكل كبير، حيث يُتوقع أن يرتفع إجمالي الصادرات من 2.8 مليار دولار إلى 11.5 مليار دولار سنويًّا بحلول عام 2030؛ مما يدعم مسار التنمية الصناعية في مصر.
ما يميز مدينتي المنيا والفيوم الصناعيتين ليس فقط حجمهما الاستثماري أو موقعهما الجغرافي، بل كونهما مصممتين لتكونا مراكز إنتاجية متكاملة؛ فهما تعبران عن منظومة متكاملة تشمل الغزل، والنسيج، والصباغة، والملابس الجاهزة، والصناعات المغذية، والمفروشات، مع بنية تحتية متخصصة تدعم التكامل التشغيلي.
التنمية تبدأ من الإنسان
من الجوانب اللافتة في المشروع الاهتمام بحقوق المواطنين، حيث تضم كل مدينة منطقة خدمات متكاملة تشمل مدارس صناعية، ومراكز تدريب، ومنشآت صحية، ومرافق خدمية للمستثمرين والعمال؛ مما يؤكد أن المشروع لا يهدف فقط إلى الإنتاج وإنما يهدف إلى بناء مجتمع صناعي متكامل.
ومن المتوقع أن توفّر المدينتان ما يقرب من 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة؛ وهذا يعني تحسنًا فعليًّا في مستوى دخل نحو مليون مواطن في صعيد مصر، ويدعم الهدف (8) العمل اللائق ونمو الاقتصاد، كما يعزز العدالة الاجتماعية، ويجسد الربط بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ضمن رؤية تنموية متكاملة.
شراكات لدعم التنمية الصناعية
ومما يعكس إدراك الدولة لأهمية الشراكة مع القطاع الخاص في تحقيق التنمية اعتمادُ نموذج “المطور الصناعي” في تنفيذ المدينتين ؛ فالمطور يتولى تصميم المدن، وبناء بنيتها التحتية، وتشغيلها وتسويقها، وهو ما يضمن سرعة في التنفيذ وكفاءة في التشغيل، ويُعفي الدولة من عبء التمويل الكامل.
هذا النموذج يمثل شراكة استراتيجية تسهم في تحقيق “رؤية مصر 2030″، عبر تمكين القطاع الخاص من قيادة النمو الصناعي وزيادة إسهاماته في الناتج المحلي، مما يسهم في تأسيس مناخ استثماري أكثر شفافية وجاذبية، ويدفع عجلة التنمية الصناعية في مصر بخطى أسرع، ويُشرك القطاع الخاص في صياغة ملامحها المستقبلية.
دعم التحول الأخضر
ورغم أن البعد الاقتصادي حاضر بقوة في المشروع، فإن التصميم العام للمدينتين يضع في اعتباره الاعتبارات البيئية، عبر اعتماد تقنيات حديثة لإعادة استخدام المياه، وتطبيق نظم إنتاج تقلل الهدر، والاعتماد الجزئي على مصادر طاقة نظيفة، بما يجعل هذه المدن نموذجًا لصناعة تحترم البيئة ولا تستهلك مواردها بلا حساب.
وهذا التوازن بين التنمية الصناعية والحفاظ على البيئة يؤكد أن التحول الصناعي في مصر لم يعد مجرد توسع في الإنتاج، بل توجه نحو نماذج مستدامة تجمع بين الكفاءة البيئية والجدوى الاقتصادية، وهو ما يعزز التزام مصر العملي بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وليس الاكتفاء بالترويج لها نظريًّا.
وترى حماة الأرض أن هذا المشروع يمثل خطوة جوهرية في مسار التنمية الصناعية الإقليمية التي تشمل جميع محافظات مصر، ويؤكد أن التنمية لم تعد محصورة في العاصمة أو المدن الساحلية الكبرى، وإنما باتت شاملة لجميع أنحاء البلاد.