خطى مستدامة

بقلم الاستدامة.. التربية البيئية بألف صحة

بقلم الاستدامة.. التربية البيئية بألف صحة

كلما تفكرتُ مليًّا في التربيةِ البيئية وجدتُ أنني لم أعثر طوال عملي في المجال العامّ والسياسيّ على موضوع جدير بالملاحظة والاهتمام مثل موضوع تنشئة الأجيال الجديدة على أُسس تعالج تحديات البيئةِ وتحفظ لها مواردها. وللوهلة الأولى يظن القارئ أنه موضوع تعليميّ قولًا واحدًا، إلَّا إنني أنظر إليه باعتباره موضوعًا ذا أبعادٍ عميقةٍ، وهي أبعاد تتضمن كثيـرًا من مؤسسات الدولة، وكذلك أفراد المجتمع، سواء الأسرة أم المدرسة أم الأصدقاء؛ كل ذلك يطرح رؤيةً واسعةً لمفهوم التربيةِ البيئية.

مِن هنا، أؤكد أنَّ حَصْرَ التربيةِ البيئية في المؤسسات التعليمية رؤيةٌ تغفل كثيـرًا عن جوهر الأمر وحقيقته؛ ذلك أنَّ التربيةَ البيئيةَ أسلوبٌ عامّ في الحياة كلها، وتقوم على معادلة بسيطة، هي أنَّ التربيةَ البيئية ميـزان الحياة وسبيلها إلى استدامة شاملة في جميع المجالات؛ وهو ما يتطلب قوانيـنَ وتشريعاتٍ مناسبةً، وتعليمًا قادرًا على سد الفجوة بيـن البيئةِ وعقول الأجيال الحالية واللاحقة.

وإذا أردتُ أنْ أصيغ كلَّ ذلك في كلمة واحدة، فستكون «الشعب»، اعتمادًا على أنَّ أغلب مشكلاتنا البيئية نابعةٌ من التدهور العمرانيّ، باعتباره نتيجةً من نتائج زيادة السكان؛ لذا فإنَّ التربيةَ البيئية هي الطريق الأقرب لإعادة دفة الأمور إلى طبيعتها، من خلال تضافر مكونات المجتمع كافةً.

القانون الشعبي

لو أننا نظرنا نظرةً سريعةً إلى المؤتمرات والاتفاقيات لاكتشفنا أنَّ هناك تاريخًا طويلًا لمسيرة التربيةِ البيئية، حيث قال العالمُ قولته، وبيَّـن مراحلَ نشأتها منذ عشرات الأعوام؛ فمِن قمة الأرض في التسعينيات، ومرورًا بمؤتمرات الأمم المتحدة، وحتى الندوات والمؤتمرات العربية – كلها سعت إلى تحديد العلاقة بيـن البيئةِ وأنظمة المجتمع؛ ليكون ذلك كله قانونًا شعبيًّا.

لقد آثرتُ أنْ أعبّـِرَ بعبارة «القانون الشعبيّ» بدلًا من عبـارة -وهي عبارة صالحة أيضًا- القانون العالمـيّ؛ لأنَّ البِيئةَ همٌّ جَماعيّ ومستقبلٌ مشترَكٌ، لا تستقلَّ به دولةٌ دون أخرى، حيث ينبغي أنْ تكون شعوبُ العالم شعبًا واحدًا موطنه الأرض كلها؛ إذْ يجب أنْ يكافح جميعُنا ضد تحولات البيئةِ وتبدلات المناخ، حتى لا نضلَّ عن رَكْبِ الحضارة وقافلة التقدم.

إذنْ، نحن أمام نتيجة لا مفرَّ منها، هي حتمية التربيةِ البيئية، مع النظر إلى مفاهيمها -كما أشرتُ سابقًا- نظرةً واسعةً. وإذا كانت الأزمة البيئية الحادة التي يمر بها الكوكب الآن مشكلةً كبيـرةً، فإنَّ المشكلة الكبرى ليست في مواجهتها على الصعيد العامّ بصورة تفتقر إلى التصورات الشاملة، وإنما في اتخاذ قرار حاسم وجاد للتحول بحياة الإنسان وأفكاره وطموحاته ناحية نسق وأسلوب جديدينِ.

استراتيجية التربية البيئية

دعوني أذهب إلى أنَّ البيئةَ موضوع شديد التعقيد، وذو تفريعات، وهو ما جعلني أؤكد ضرورةَ أنْ تكون معالجتُها أعمقَ من المعالجة التعليمية؛ ولهذا يجب أنْ تقوم معالجتنا الشعبية/ العالمية على أساس من الاستراتيجيات الفعَّالة، التي تضع المشكلة البيئية في مكانها اللائق بها.

لذا، فإنَّ دمج مفاهيم التربيةِ البيئية بقطاعات المجتمع ومؤسساته يتطلب سلوكًا جماعيًّا قائمًا على الموضوعية العلمية، التي تخطط بوعي وإدراك، ولنا في مصرَ قدوة حسنة؛ بلدنا الحبيب الذي دعَّم تلك المفاهيم وذلك النهج في إطار من الشمولية، وبما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة إقليميًّا وعالميًّا.

لقد جاء تعزيز الوعي البيئيّ تَشَارُكِيًّا بيـن الحكومة ومؤسسات المجتمع المدنيّ، وهو ما يعكس أولَ أسس التربيةِ البيئية، وهي الشراكات التنموية. ولا أدعي أنَّ التجربة المصرية قد وصلت إلى نهايتها، فلا يزال الطريق أمامها طويلًا، إلَّا إنها تجربة واعدة وخطوة على المسار المستدام، حيث تكون التربيةُ البيئية عِلمًا وسلوكًا وقرارًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى