علوم مستدامة

تراب الممرات الجانبية (الباي باس) في صناعة الأسمنت

بحث مقدم من أ.د/ هناء يوسف غراب أستاذ الكيمياء الطبيعية التطبيقية كلية العلوم جامعة حلوان G&W للعلوم والهندسة

أولًا: مقدمة:

أُدْخِلَت الطريقة الجافة في صناعة الأسمنت بجمهورية مصر العربية في بداية القرن الماضي، وكانت الطريقة الرطبة هي السائدة لهذه الصناعة، ينتج عن الطريقة الجافة أتربة من مصادر مختلفة بخط الإنتاج، تعادل كميتها حوالي ثلاثة أضعاف الأتربة الناتجة عن الطريقة الرطبة، يُدوَّر جزء منها في ذات الصناعة، ويبقى مخلف تراب الممرات الجانبية (الباي باس) دون استفادة منه حتى الآن.

ثانيًا: تكوين تراب الممرات الجانبية:

تحتوي المواد الخام الأولية المُستخرَجة من محاجر صناعة الأسمنت -وهي الطفلة والحجر الجيري- على أملاح القلويات: كلوريدات وكبريتات. كما يتواجد عنصر الكبريت في الوقود الخام الذي يتأكسد إلى غاز ثالث أكسيد الكبريت أثناء عملية الحرق؛ لوفرة الأكسجين، ويشمل الوقود أيضًا قلويات.

تُسمَّى عناصر (البوتاسيوم، والصوديوم، والكبريت، والكلور) بالعناصر الدوارة، تتطاير هذه العناصر في المكلسن أثناء إنتاج “الكلينكر” عند درجات حرارة تتراوح بين 700 و1100 م، ثم تتكاثف في المناطق الأقل سخونة، وتُمْتَص على تيار المواد الخام، ويزداد تركيزها، ثم تتطاير مرة أخرى فتتكرر الظاهرة، تتكوَّن دائرة داخلية ينتج عنها مواد صلبة تعوق السريان المستمر للخامات داخل الفرن، وتتسبب في انسدادٍ كاملٍ لتيَّار المواد الخام؛ مما يتطلب إيقاف المعدات الإنتاجية للتنظيف حتى يُعاد التشغيل مرة أخرى.

تراب الممرات الجانبية (الباي باس) في صناعة الأسمنت

الشكل رقم 1: تراب الممرات الجانبية للأسمنت (الباي باس) في خط إنتاج “كلينكر الأسمنت”.

ينتج عن تفاعلات المرحلة الدوارة أملاح كبريتات وكلوريدات القلويات (الصوديوم والبوتاسيوم) وكبريتات الكالسيوم، تختلف نسب هذه الأملاح وفقًا لمحتواها في المواد الأولية، تقِلُّ نسبة الأملاح في محاجر المواد الخام بالبلاد الممطرة؛ لسهولة ذوبانها، وتزداد في البلدان ذات المناخ الجاف.

فُتِحَت فتحة ممرات جانبية قبل دخول الفرن الدوار كما هو موضح في الشكل رقم (1)؛ لسحب جزء من تيار الغاز الساخن بما يحتويه من أتربة إلى الخارج، ويُقلِّل العناصر الطيَّارة من خط الفرن، ويمنع انسداد مدخل الفرن العالي.

 

ثالثًا: كم الأتربة:

يبلغ تراكم تراب الممرات حوالي 5% من إجمالي الإنتاجية اليومية لكل خط من خطوط الإنتاج، أي ما يزيد عن مائة طن/ يوم لكل خط إنتاج، يتم حاليًّا التخلص من غالبية هذا التراب بالدفن ولا يستفاد منه؛ مما يجعله عبئًا على البيئة ويؤثر في الاقتصاد القومي.

رابعًا: خواص الأتربة:

تراب الممرات الجانبية للأسمنت هو: “مادة بيضاء ناعمة تضاهي في نعومتها نعومة الأسمنت، تركيبه الكيميائي متغيِّرٌ ويعتمد على نسب العناصر الطيارة في المواد الأولية والوقود وظروف التشغيل الخاصة بنظام السحب في الممرات الجانبية”.

وبالإضافة إلى الأملاح المذكورة نتيجة المرحلة الدوارة، يخرج مع تيار الأتربة المسحوبة من الممر الجانبي جير حُرٌّ ناتج عن كلسنة الحجر الجيري، كما يمكن تواجد أملاح مزدوجة من سيليكات ثنائي الكالسيوم والكربونات وبعض الأسمنت المرتجع من الفرن غير مكتمل الحرق.

تتراوح الكلوريدات في تراب الممرات الجانبية بين 2 وحوالي 9%، وقد تصل الكبريتات إلى حوالي 12%، وتتغير بالتالي نسب الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم.

تتغير نسبة الفقدان بالحرق عند 1000 م اعتمادًا على درجة كربنة الجير وطول فترة وطريقة التخزين، وقد تزيد نسبة الجير الحر في الأتربة النشطة حديثة التجميع على 20%.

يتحول الجير إلى كربونات كالسيوم غير نشط عند التعرض للهواء أثناء التخزين، كذلك تختلف محتويات الأسمنت المرتجع التي تُمثِّلها عناصر السيليكا والألومينا وأكسيد الحديد والماغنسيا في التحاليل الكيميائية.

 

خامسًا: الاستفادة من تراب الممرات الجانبية:

تعتمد طرق الاستفادة من تراب الممرات الجانبية على زمن التجميع والتخزين، يمكن تلخيص ذلك في نقطتين أساسيتين:

  • الأتربة النشطة المجمعة من أسفل السيكلونات بعد السحب مباشرة، ويكون محتواها من الجير الحي عاليًّا.
  • الأتربة التي عُرِّضَت للهواء تفقد خاصية الجير النشط؛ لتحوله إلى كربونات كالسيوم.

أ. الأتربة النشطة:

يمكن استغلال وجود الجير الحر في الأتربة النشطة كالتالي:

  1. في صناعة الطوب الرملي باستخدام الأوتوكلاف (تحت ضغط وحرارة).
  2. كأسمدة لزيادة قلوية التربة ومعالجة المخلفات العضوية كـcompost ومعالجة حمأة الصرف الصحي.
  3. في تنقية مياه الصرف؛ لقدرته على امتزاز الكروم الثلاثي والليجنين والعناصر الثقيلة والمساعدة في ترسيب الفوسفات (coagulator).
  4. في امتصاص ثالث أكسيد الكبريت (desulfurization) وثاني أكسيد الكربون في وحدات خاصة؛ للتخلص من هذه الغازات.
  5. في أعمال البياض.
  6. في صناعة المطاط بدلًا من أكسيد الزنك.

ب. الأتربة المخزنة:

يمكن استخدام الأتربة المخزنة تخزينًا سليمًا، والتي قد تحوَّل فيها الجير الحر إلى كربونات كالسيوم فيما يلي:

  1. كمُثبِّت للتربة والكثبان الرملية.
  2. كمادة مالئة للمواد المصبوبة flowable fill .
  3. كمادة مالئة لمتراكبات الخرسانة المدعَّمة بالألياف أو لمتراكب الزجاج/ البولي إستر.
  4. كمادة مالئة للأرصفة والطرق.

جـ. الأملاح في الأتربة النشطة:

يمكن لأملاح كلوريدات القلويات تنشيط البوزولانا والإسراع من تأدرت السيليكات، إلى جانب الجير الحر اللازم لتنشيط البوزولانا، يمكن تطبيق هذا المبدأ في مجالات شاسعة ذات فوائد بيئية جمَّة؛ نظرًا لإمكانية الحصول على المواد البوزولانية من كثير من المخلفات، مثل نواتج حرق الفحم في محطات توليد القوى، وحرق القمامة العضوية، وحرق الحمأة غير المخلوطة بعناصر ثقيلة من الصرف الصناعي، وحرق المخلفات الزراعية في وحدات توليد الوقود الحيوي، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على بوزولانا عالية الجودة من الطفلة المحروقة، وتوفرها في مخلفات بعض الصناعات المعروفة مثل صناعة الفروسيليكون، أي يمكن استغلال تراب الممرات الجانبية في إنتاج مواد بناء صديقة للبيئة واقتصادية.

د. كبريتات الكالسيوم في الأتربة:

تُستغَلُّ هذه الخاصية في تنشيط خبث الحديد المحبب؛ للحصول على مادة لاحمة جيدة، وقد تمت دراسات على إضافة التراب إلى الخبث المصهور الساخن؛ للتخلص الفوري من أملاح القلويات الطيَّارة.

هـ. الأتربة في صناعة الزجاج:

نجحت الدراسات في إيجاد مجالات لتصنيع الزجاج بأشكاله المختلفة من تراب الممرات الجانبية، فأمكن تصنيع زجاجٍ مضغوط وأليافٍ زجاجية ومنتجات إسفنجية.

 

سادسًا: الأتربة بحالتها في صناعة الأسمنت البورتلاندي:

أثبتت الدراسات إمكانية إضافة نسب مختلفة من الأتربة تختلف باختلاف تكوينها إلى تغذية الفرن (حوالي 1%) أو إحلال جزء من الطفلة (حد أقصى 5%) أو إحلال الأتربة محل الحجر الجيري (حتى حوالي 4%)، كما قامت أبحاث أخرى بتناول هذا الموضوع، عندما كان إنتاج الأسمنت يتم بالطريقة الرطبة، كانت هذه الطريقة تُمثِّلُ أحد الحلول الفورية في إعادة استخدام الأتربة، لكنها تُستخدَم بحدود في الطريقة الجافة.

سابعًا: الأتربة بحالتها كإحلال للأسمنت البورتلاندي في مواد البناء:

أُجريت دراسات كثيرة في هذا المجال وانتهت إلى وجوب الالتزام بالنسب المسموح بها من الكلوريدات والكبريتات في مون الأسمنت، والخرسانة، والطوب الطفلي، والسيراميكات، والبلاط والأحجار الصناعية، والبلوكات وفقًا للمواصفات المصرية لهذه الصناعات.

ثامنًا: المعالجات المطروحة للتخلُّص من أملاح الأتربة:

تمت عدة أبحاث تخدم مشكلة التخلص من الأملاح وكانت تطبيقاتها محدودة، يمكن تلخيص هذه المحاولات فيما يلي:

أ. المعالجة بالحرق:

تعتمد فكرة معالجة أتربة الممرات الجانبية بالحرق على تطاير أملاح القلويات عند درجات حرارة بين 700 و1000 م؛ للحصول على منتجٍ خالٍ من القلويات غنيٍّ بالجير الحر، الأتربة المحروقة تحتوي على كبريتات الكالسيوم، ويستخدم بنجاحٍ في تنشيط خبث الحديد المحبب.

في تسعينيات القرن الماضي دخل مصنع أسمنت حلوان بهذه النظرية إلى حيِّز التطبيق، وأنشأ وحدة معالجة الأتربة بالحرق مع الشركة الألمانية Lurgi، كما اقْتُرِحَت عملية الحرق في calciner in fluidized bed reactor أو في أفران رأسية shaft kiln أو مكلسن أولي precalciner، كما أظهرت الاختبارات إمكانية إعادة حرق الأتربة؛ للحصول على كلينكر أسمنت منخفض الجودة أو أسمنتات ملونة عند إضافة بعض الأكاسيد المناسبة.

ب. المعالجة بالغسيل بالماء:

تمت اختبارات مكثفة للتخلُّص من أملاح أتربة الممرات الجانبية أشهرها ما قُدِّم من مركز بحوث وتطوير الفلزات في فترة التسعينيات، إلا أن هذه التجارب لم تتناول كيفية التخلص من مياه الغسيل الغنية بهذه الأملاح فلم تجد لها صدًى يُذكَر، جدير بالذكر أن إحدى الشركات الأوروبية المشهورة قد نجحت أخيرًا في تصميم وحدة مُعالَجَة هذه المحاليل واستخلاص أملاحٍ عالية النقاء ذات فوائد اقتصادية كبيرة.

 

تاسعًا: أساليب التعامل الحالية لنقل الأتربة مقترحات وحلول:

تُنقَل الأتربة من أماكن التجمع عند السيكلونات بواسطة العمالة، وتُوضَع في سيارات -أحيانًا- مغلقة لنقلها إلى مناطق تخزين مكشوفة تقع في منطقة متوسطة بين المصانع.

مناطق التخزين ليس بها حواجز أو موانع للتيارات الهوائية، فيسهل انتقال الأتربة للأماكن المجاورة، وتُسبِّبُ أضرارًا بيئيةً جَمَّةً، تَقدَّم المركز القومي للبحوث في تسعينيات القرن الماضي بحلٍّ لتحويل الأتربة الناعمة إلى حبيبات عن طريق وحدة تحبيب يسهل نقلها وتخزينها.

عاشرًا: استخدام الوقود البديل من المخلفات البلدية وأثرها في أتربة الممرات الجانبية:

نظرًا لبدء استخدام المخلفات البلدية كوقود بديل في الدول العربية، فمن المتوقع أن تتزايد نسبة تراب الممرات الجانبية عن المعدل الحالي لما تحتويه من كلوريدات، وسوف يترتب على ذلك زيادة العبء البيئي، والاقتصادي، والصناعي. بدأت الدول الغربية الممطرة التي لم تكن تُجابِهُ مشكلة أتربة الممرات؛ لخلوِّ المواد الخام من العناصر الطيارة بالأخذ في الاعتبار هذه الظاهرة ومحاولة إيجاد حلول مناسبة.

 

أحد عشر: تكنولوجيا جديدة لأنظمة الممرات الجانبية:

في 2009م أُعْلِنَ عن إدخال أنظمة جديدة لغازات الأتربة الجانبية في مصنع أسمنت Heidelbergcement بألمانيا لحل هذه المشكلة، وتمت إعادة الغازات إلى مبرد الكلينكر، ومعالجة غازات السوكس بواسطة الجير المُطفَأ، وإضافة مواد التغذية للأتربة؛ لتسهيل المناولة وإعادة التدوير في خط الإنتاج.

اثني عشر: مقترحات لاحتواء مشكلة أتربة الممرات الجانبية:

أ- إجراء حصرٍ سريع على الكم الفعلي لهذا المخلف.

ب- إجراء دراسة عاجلة عن كيفية استيعاب هذا المخلف في الصناعات المختلفة المذكورة في هذا التقرير.

جـ- البدء في تنفيذ وحدات المعالجة وطرحها على المصانع؛ للإسراع وتسهيل إعادة الاستخدام.

د- إجراء اتصالات مع التكنولوجيات المحلية والعالمية؛ للإسهام في وضع حلولٍ سريعة لهذا المخلف، والتنسيق بين الجهات المهتمة؛ لضمان تحقيق النجاح المطلوب.

هـ- إنشاء موقع في الاتحاد العربي للأسمنت وأكاديمية البحث العلمي مُشترَك مع الجامعات ومراكز البحوث المهتمة بهذا الموضع؛ لحصر ونشر جميع الأبحاث المنشورة وبراءات الاختراع؛ لتحفيز التطبيقات والابتكارات، ورصد ميزانيات بحوثٍ وتطبيقٍ بالجهات المختصة؛ لتمويل الحلول.

و- إصدار دليل لإعادة استخدام وتدوير تراب الممرات يُسترشَد به في المصانع، مع عقد ورش عمل توعية لمحتوى الكتيب.

ز- تقديم ملخص لأهم النقاط المتعلقة بتراب الأسمنت إلى الاتحاد العربي للأسمنت؛ لتقديمه لجامعة الدول العربية في إطار مشروع الإنتاج النظيف بصناعة الأسمنت العربية.

 

ملحوظة:

تم إدراج تراب الممرات الجانبية في صناعة الأسمنت ضمن المخلفات الصناعية بالكود المصري للمخلفات؛ لتحديد حدود استخدام المخلفات في مواد البناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى