علوم مستدامة

خارج الصندوق.. نواة الزيتون تنظف مياه الصرف الصناعيّ

نواة الزيتون

خارج الصندوق.. نواة الزيتون تنظف مياه الصرف الصناعيّ

 قبل الحديث عن نواة الزيتون ودورها في الحفاظ على البيئة ودعم التنمية المستدامة، يجب أنْ ندرك أنَّ النفايات إحدى كبرى المشكلات البيئية في العالم كله، وهو ما جعل البحث العلميّ في مجال البيئة والتنمية ينظر إلى النفايات المختلفة نظرةً جديدةً ومبتكرةً. وقد أثمر هذا تقنياتٍ عديدةً قادرةً علَى إعادة تدوير بعض هذه النفايات؛ للحفاظ علَى صحة الإنسان وبيئته؛ فكيف هذا؟

لقد تطور القطاع الصناعيّ منذ الثورة الصناعية الأولى، وهو ما أثَّر تأثيرًا سلبيًّا في البيئة من حولنا، حيث أصبحت للمصانع مصارفُ تُلقَى فيها المعادنُ السائلةُ الضارةُ، خاصةً مصارف المصانع المتخصصة في إنتاج الطلاء والبطاريات؛ مما يؤدي إلى تلويث مصادر المياه القريبة من هذه الصناعات أو البيئة بصورة عامة؛ لذا سوف تُسلط حماة الأرض الضوءَ علَى طريقة جديدة يمكنها معالجة هذه المشكلة العالمية الخطيرة، باعتبارها طريقةً من “خارج الصندوق”.

التلوث بالمعادن الثقيلة

تُعدُّ المعادن الثقيلة -مثل الكروم، والنيكل، والنحاس، والرصاص- أخطرَ ما يُهدد البيئة من حولنا، وهو ما فرض علَى الإنسان الالتزام بمعايير محددة للتحكم في تركيزات هذه المعادن؛ حتى لا تتسلل فيما بعدُ إلى سلسلة غذاء الإنسان.

مِن هنا، نجد أنَّ صناعاتٍ كثيرةً تُولد مخرجاتُها موادًّا عديدةً مضرّةً بالبيئة، مثل أيونات الرصاص، فلو تعرَّض إنسان لنسبة من هذه المعادن -حتى لو كانت نسبةً قليلةً- فإنَّ صحته تتضرر بشكل بالغ؛ إذْ يمكن أنْ يصاب الإنسان الذي دخلت في طعامه أو شرابه مادةُ الرصاص -علَى سبيل المثال- بفقر الدم، أو تلف الجهاز العصبيّ، وغيرهما من الأمراض الخطيرة.

هذه الأسباب السابقة دفعت باحثينَ من مركز البحوث البيئية في الجمعية العلمية الملكية الأردنية إلى محاولة ابتكار أسلوب علميّ يمكِّنهم من استخراج أيونات الرصاص -وغيره من المعادن- من مياه الصرف الصناعيّ عن طريق بعض النفايات، تحديدًا نواة الزيتون.

نفايات محافِظة على البيئة

في السنوات الأخيرة تزايدت مخاوفُ بشأن التأثير البيئيّ السلبيّ للنفايات الصلبة، ومنها النفايات التي تخلفها صناعاتُ الزيتون، حيث يصبح نوى الزيتون نفاياتٍ بعد إنتاج زيت الزيتون، وهو نفايات صلبة ومواد ملوِّثة للبيئة؛ لأنها لا تتحلل بسهولة عن طريق التحلل الطبيعيّ، كما أنَّ التخلصَ منها يخلق مشكلةً بيئيةً حادةً في كثير من البلدان.

مِن هنا، كشفت تطورات علمية حديثة أنه يمكن استخدام هذه النفايات الصلبة في مساعدة القطاع الصناعيّ علَى التخلص من المواد الضارة التي يخلفها، وهو ما يوفر فرصةً جيدةً للتخلص منها بصورة مستدامة؛ فهناك دول لديها كميات كبيرة من نفايات الزيتون، وعلَى رأسها الأردن التي تُعدُّ من أكثر دول البحر الأبيض المتوسط إنتاجًا لهذه النفايات.

إنَّ نواة الزيتون هي ممتص حيويّ، قادر علَى امتزاز المعادن الثقيلة من الصرف الصناعيّ، وفي السابق كان يمكن استخراج بعض هذه المعادن عن طريق بعض التقنيات كالترسيب الكهربائيّ أو التبادل الأيونيّ، غير أنَّها كانت تقنيات لا تَقدِرُ علَى استخراج معدلات كبيرة من هذه المعادن؛ بسبب تنوعها واختلافها، لذا عمل الباحثون علَى اتباع طريقة جديدة، هي طريقة الامتزاز – Adsorption؛ فهي طريقة فعَّالة في إزالة أيونات الرصاص -وغيره من المعادن- من مياه الصرف الصناعيّ بمعدلات كبيرة.

تتلخص الطريقة الجديدة في استخدام نفايات نواة الزيتون باعتبارها مادةً قادرةً علَى امتزاز المعادن السائلة الثقيلة؛ فبعد استخراج زيت الزيتون تتبقى النواة الداخلية، التي تُجمع، ثم تُغسل، وتجفف بماء منزوع الأيونات (منزوع الأملاح)، وبعدها يتم تجفيفها عند درجة حرارة 104 درجة مئوية، حتى تتشكل جزيئات حُبيبية؛ وحينئذٍ تصبح هذه الجزيئات الحبيبية مادةً ماصَّةً بيولوجيةً، وتكون مستعدةً لامتزاز المعادن من الصرف الصناعيّ بعد عزلها عن الهواء والماء في حاويات مُحكَمة.

استدامة نواة الزيتون

في هذه المرحلة تدخل نواة الزيتون في عملية فيزيائية كيميائية، وهذه العملية تساعد علَى امتزاز أيونات المعادن الضارّة عن طريق ربطها بسطح الممتص الحيويّ ذي الأصل البيولوجيّ، وهو في حالتنا هذه نواة الزيتون.

إنها عملية سريعة، وذات كفاءة عالية، وغير مكلفة، كما أنَّ لها فوائدَ عديدةً في أكثر من اتجاه، فبينما تعمل هذه الطريقة علَى التخلص من عبء بيئيّ واقتصاديّ بأسلوب مستدام، فإنها أيضًا مساعِدٌ جيد لقطاع الصناعة، حيث تعمل علَى تنقية البيئات القريبة من المصانع، والحفاظ -بصورة عامة- علَى البيئة ومواردها، وذلك كله يعكس جوهرَ أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف رقم (9) الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية.

في الختام ترى حماة الأرض أنَّ مثل هذه الأفكار -أفكار من خارج الصندوق- فرصةٌ مهمةٌ للتحول الأخضر في القطاعات كافةً، بخاصة الأفكار الابتكارية التي تؤدي إلى فوائدَ عديدةٍ في وقت واحد وعلى جميع المستويات؛ تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى