أخبار الاستدامة

قرارات أوروبية جديدة بشأن الاقتصاد الأخضر

قرارات أوروبية جديدة بشأن الاقتصاد الأخضر

في محاولة قد تعيد رسم ملامح السياسة البيئية أصدرت المفوضية الأوروبية تعديلات جوهرية حول سياسة الإفصاح عن الاستدامة، مما يطرح تساؤلات عديدة حول تداعياتها المحتملة على مستقبل الاقتصاد الأخضر. وفي هذا المقال تسلط حماة الأرض الضوء على هذه التعديلات، وتأثيرها المحتمل في مستقبل التمويل المستدام، وتعرض وجهات النظر المختلفة عن آثار هذه التعديلات؛ فتابعوا القراءة.

جاء ذلك الإعلان في بروكسيل يوم 2 من شهر مارس  الجاري بعد ضغوط متزايدة من الشركات وبعض الحكومات الأوروبية، التي تسعى إلى تقليل الأعباء التنظيمية المفروضة على القطاعات الصناعية، وسط مخاوف من أنْ تؤدي القواعد الصارمة إلى إبطاء النمو الاقتصادي.

ولتوضيح ذلك نقول بأنَّ أوروبا كانت منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 رائدة في وضع الأُطُرِ التنظيمية التي تهدف إلى دفع الاقتصاد الحقيقي نحو الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وبفضل هذه اللوائح شهدت الأسواق المالية الأوروبية ازدهارًا ملحوظًا في المنتجات المالية المستدامة، غير أن التعديلات الجديدة التي أعلنتها المفوضية تهدد بإحداث تحول جذري قد يغير مسار هذه الجهود، خاصة مع تخفيف متطلبات الإفصاح، وتأجيل المواعيد النهائية لتقديم التقارير؛ مما يطرح تساؤلات جدية عن مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تحقيق أهدافه المناخية؛ إذ قد يجد نفسه أمام تحديات أكبر مع اقتراب عام 2030؛ الموعد المحدد لخفض الانبعاثات إلى 55%.

وتشمل التغييرات التي أقرتها المفوضية تقليص عدد الشركات الملزمة بالإفصاح عن بيانات الانبعاثات بأكثر من 80%، وتأجيل المواعيد النهائية لتقديم التقارير، وإلغاء معايير الإفصاح القطاعية التي كانت تهدف إلى ضمان الشفافية في الصناعات المختلفة، كما تم تخفيف العقوبات المفروضة على الشركات التي تنتهك لوائح العناية الواجبة بسلاسل التوريد؛ مما أثار جدلًا واسعًا بين المستثمرين والناشطين البيئيين.

ورغم تأكيدات المسئولين في الاتحاد الأوروبي بأن هذه الإجراءات لن تؤثر في التزام الاتحاد بخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول عام 2030، فإن العديد من الخبراء يحذرون من أن تقليص الشفافية قد يؤدي إلى نتائج عكسية؛ فمع تراجع معايير الإفصاح، يصبح من الصعب قياس التقدم المحرز في خفض الانبعاثات الكربونية؛ مما يعيق تحقيق الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة العمل المناخي.

كما أن الحدّ من الشفافية في البيانات قد يقلل من قدرة المستثمرين على اتخاذ قرارات مستنيرة تتوافق مع مبادئ الاقتصاد الأخضر؛ إذ سيجدون صعوبة في التمييز بين المشروعات التي تدعم التحول البيئي الحقيقي وتلك التي تعتمد على التسويق الأخضر فقط، وهذا قد يدفع بعض المستثمرين إلى البحث عن بدائل خارج الأسواق الأوروبية؛ مما يهدد مصداقية سوق التمويل المستدام، إضافة إلى أنه قد يهدد مكانة الاتحاد الأوروبي باعتباره وجهة رائدة للاستثمارات الخضراء.

الاستثمار المناخي في مواجهة الضبابية التنظيمية

يرى بعض الداعمين لهذه التعديلات أن تخفيف القواعد التنظيمية سيسمح للشركات بالتركيز على تنفيذ مشروعات خفض الانبعاثات بدلًا من الانشغال بإعداد التقارير، وفي المقابل يحذر آخرون من أن هذه الخطوة قد تجعل المقارنة بين أداء الشركات في المجال البيئي أكثر تعقيدًا، مما قد يضعف ثقة المستثمرين في السوق الأوروبية المستدامة.

وقد يعيق هذا الأمر تحقيق الهدف (9) من أهداف التنمية المستدامة “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”، حيث إن إضعاف المعايير البيئية قد يؤثر سلبًا في تدفق الاستثمارات إلى المشروعات التكنولوجية المستدامة. فبدون بيانات دقيقة وموثوقة قد تواجه الشركات الناشئة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة صعوبة شديدة في جذب التمويل اللازم لتطوير حلولها؛ مما يهدد مسار الابتكار في القطاعات الخضراء.

وقد انتقدت “هيون كونج” مديرة الاستثمار المستدام في شركة “جريشام هاوس”، القرار قائلة: إن التعديلات الجديدة تفتح المجال أمام استثناءات واسعة وتأجيلات قد تقوض الأهداف الأساسية للاستدامة”. أما “آشلي هاميلتون كلاكستون” رئيسة الاستثمار المسئول في “رويال لندن أسيت مانجمنت”، فقد اعتبرت أن تبسيط اللوائح أمر مرحب به، غير أنها وصفت فقدان المعايير القطاعية بأنه “انتكاسة حقيقية.”

ومع تقليص متطلبات الإفصاح قد تتراجع قدرة السوق على تحفيز الممارسات الإنتاجية المستدامة، مما قد يضعف ديناميكية التحول نحو اقتصاد دائري أكثر كفاءة في استخدام الموارد، وقد عبّر “ماثيو فيشر” رئيس السياسات في شركة ووترشيد للاستدامة، عن مخاوفه قائلًا: “إذا قمنا بتأجيل الإفصاح والشفافية، فإن ذلك يقوض هذه الأهداف الطموحة؛ فلا يمكن تحقيق التغيير الحقيقي دون بيانات دقيقة ومتاحة للجميع.”

إلى أين يتجه الاتحاد الأوروبي؟

ورغم الجدل الواسع حول هذه التعديلات تصر المفوضية الأوروبية على أنها لن تؤثر في التزامات الاتحاد الأوروبي المناخية، بل ستجعل تنفيذها أكثر واقعية. ومع ذلك تبقى المخاوف قائمة بشأن تأثير هذه التغييرات في شفافية الأسواق، وجاذبية الاستثمارات الخضراء، ومستقبل الاقتصاد الأوروبي في ظل التحولات المناخية العالمية.

وترى حماة الأرض أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير هذه السياسات؛ إذ من المتوقع أن تستمر الضغوط من المجتمع المدني والمستثمرين لإعادة النظر في بعض التعديلات، أو على الأقل وضع آليات تضمن عدم الإضرار بالمصداقية التي اكتسبتها أوروبا في سوق التمويل المستدام. ويبقى السؤال المطروح: هل تستطيع أوروبا الحفاظ على ريادتها في الاستثمار الأخضر مع تخفيف القيود التنظيمية، أم أن هذا القرار سيمثل بداية مرحلة من التراجع عن التزاماتها المناخية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى