قمة بريكس.. الجنوب العالمي يطالب بعدالة مناخية وتمويل خسائر التغير المناخي

قمة بريكس.. الجنوب العالمي يطالب بعدالة مناخية وتمويل خسائر التغير المناخي
في ريو دي جانيرو، وعلى وقع أزمات مناخية تتصاعد وأصوات الجنوب العالمي ترتفع، اختتمت قمة مجموعة بريكس أعمالها بإعلان موقف جريء: لا يمكن إنقاذ الكوكب بجهد طرف واحد؛ فالدول الصناعية الكبرى مطالبة الآن، بتمويل الانتقال العادل نحو مستقبل منخفض الانبعاثات.
حملت قمة بريكس هذا العام رسائل تتجاوز الأطر الدبلوماسية التقليدية، كاشفة عن التناقضات الصارخة في عالم يعاني من الاضطرابات المناخية، بين دول تملك القرار وأخرى تتحمل الكُلفة، وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن هذا الواقع بوضوح في ختام القمة، مؤكدًا أن البيئة تتعرض لهجوم شامل، والفقراء هم من يدفعون الثمن.
وفي ضوء ذلك، تستعرض حماة الأرض في هذا المقال أبرز ما خرجت به القمة من رسائل بيئية، ومطالب تمويلية، وتحولات في موازين القوى المناخية، وتوضح علاقة هذه التطورات بأهداف التنمية المستدامة وتحديات العدالة المناخية؛ فتابعوا القراءة.
من يدفع ثمن التحول الأخضر؟
في البيان الختامي لقادة مجموعة بريكس، برز مطلب صريح يعكس إجماعًا متزايدًا: توفير تمويل مناخي عادل وفعّال يُعد التزامًا تاريخيًّا على عاتق الدول المتقدمة تجاه الدول النامية، ورغم أن هذا المطلب ليس وليد اللحظة، فإنه عاد بقوة في هذه القمة، مدعومًا بزخم سياسي واضح ورؤية أكثر نضجًا بشأن كيفية تحويل التمويل إلى أداة فاعلة للتغيير.
وقد كان الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” من أبرز الأصوات التي تبنّت هذا الطرح، مستندًا إلى استضافة بلاده لقمة المناخ المقبلة (COP30) ودوره القيادي في بناء تحالفات جنوبية قوية، ووفقًا لما ورد، فإن مناقشات التمويل لم تكن نظرية فقط، وإنما ارتبطت بمبادرات ملموسة، أبرزها صندوق “الغابات الاستوائية إلى الأبد” الذي تقوده البرازيل لحماية الغابات المهددة.
الوقود الأحفوري.. شريك أم خصم؟
ورغم ما حمله البيان الختامي من تقدم في مفاهيم التمويل العادل، فقد أثار جدلًا حين شدد على أن الوقود الأحفوري سيظل جزءًا من مزيج الطاقة العالمي، لا سيما في الدول النامية. هذا الطرح أعاد تسليط الضوء على معضلة جوهرية تواجه بلدان الجنوب، تتعلق بكيفية تحقيق تنمية اقتصادية شاملة دون الوقوع في فخ الاعتماد المستمر على مصادر الطاقة الملوثة.
وتُجسّد البرازيل هذا التوتر بوضوح، باعتبارها إحدى دول بريكس التي تواجه تحديات بيئية معقدة؛ ففي حين تمضي الحكومة البرازيلية في خطط التنقيب عن النفط قبالة سواحل الأمازون، تتعالى الأصوات البيئية محليًّا ودوليًّا مطالبةً بالتحفظ، في مقابل تبرير حكومي يرى في هذه الخطوة ضرورة لتأمين الإيرادات ومكافحة الفقر، وقد لخّصت وزيرة البيئة البرازيلية “مارينا سيلفا” هذا التباين بقولها: إن العالم يعيش لحظة مليئة بالتناقضات، إلا أن المهم هو الرغبة في تجاوزها.
رفض الهيمنة البيئية
ولا تقف مظاهر التوتر عند الداخل البرازيلي، وإنما تمتد إلى مواقف مجموعة بريكس من السياسات البيئية الدولية، حيث لم تقتصر انتقاداتها على مطالب التمويل، وإنما شملت سياسات أوروبية وصفها البيان بأنها “تمييزية”، في إشارة إلى الضرائب الكربونية المفروضة عند الحدود، وتشريعات الحد من إزالة الغابات، ومن وجهة نظر دول الجنوب، تُعد هذه السياسات عائقًا أمام التجارة وتعبيرًا عن فرض شروط أحادية باسم البيئة.
وترى مجموعة بريكس أن التحول الأخضر لا ينبغي أن يُفرض من أعلى، ولا يجوز أن يُستخدم باعتباره أداة لحماية مصالح اقتصادية على حساب أخرى، وإنما يجب أن يكون نتاجًا لسياسات عادلة وشاملة ومرنة في توزيع الأعباء والمسئوليات. وفي هذا الإطار، تُعبّر المجموعة عن تصور أوسع يتبناه الجنوب العالمي، يهدف إلى استعادة دوره في صياغة السياسات المناخية، باعتباره شريكًا في الابتكار وصنع القرار، ويأتي هذا التوجه في سياق سياسي أوسع، تسعى فيه بريكس إلى ترسيخ مكانتها باعتبارها قوة متعددة الأطراف في عالم يشهد انقسامات متعددة.
وقد أعلنت دول بريكس رفضها لما تعتبره “حماية مشروطة” من خلال الضرائب الكربونية والسياسات الحمائية الأوروبية، وذلك دفاعًا عن الحق في التنمية المستدامة دون قيود تفرضها قوى اقتصادية، وهنا تبرز أهمية صياغة سياسات بيئية لا تعرقل التقدم الاقتصادي للدول النامية، وإنما تدعمها في بناء بنى تحتية خضراء وشاملة.
قمة بريكس وأهداف التنمية المستدامة
وتتلاقى مطالب قمة بريكس هذا العام مع جوهر أهداف التنمية المستدامة، وتحديدًا الهدف (13) المتعلق بالعمل المناخي، والهدف (17) المتعلق بضرورة تعزيز الشراكات لتحقيق التنمية المستدامة؛ فعندما تطالب دول الجنوب بتمويل عادل ومنصف للتحول البيئي، فهي لا تسعى فقط إلى العدالة المناخية، وإنما تسعى إلى تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على الكوكب.
والخطوات العملية التي طرحتها البرازيل من خلال صندوق “الغابات الاستوائية إلى الأبد” تعبّر عن التزام واضح بتحقيق الهدف (15) من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالحفاظ على النظم البيئية البرية، خاصة الغابات، والحد من تدهورها، هذا التوجه يعكس تحوّلًا في فهم المسئولية البيئية، من مجرد التزامات سياسية إلى استراتيجيات تمويل ملموسة.
وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن ما شهدته قمة بريكس ليس محاولة لتعديل كفّة السياسات المناخية العالمية فحسب، وإنما هو تعبير صريح عن تحول جذري في وعي الجنوب العالمي بدوره، وتعبير عن رفضه للقرارات التي تصاغ بمعزل عن واقعه التنموي؛ فالمطالبة بتمويل منصف، ورفض السياسات البيئية المفروضة من طرف واحد، تُعد دعوة إلى إعادة صياغة مفاهيم العدالة المناخية من منظور يشمل الجميع، ويعترف بتباين المسارات والإمكانات؛ وعلى ذلك أصبحت العدالة البيئية شرطًا لبقاء مشترك وازدهار متوازن. وفي ظل عالم يتأرجح بين الطموحات المناخية والقيود الاقتصادية ترى حماة الأرض أن المستقبل المستدام يُبنى بالحوار وتوزيع عادل للموارد.






