علوم مستدامة

كيف تعمل المحيطات على تبريد مناخ الأرض؟

كيف تعمل المحيطات على تبريد مناخ الأرض؟

لكي ندرك أهمية موضوع اليوم -موضوع دور المحيطات في تبريد مناخ الأرض- فإنَّ علينا أنْ ننظر إلى عالمنا الذي يطير في كتلة من الهواء، حيث يتأثر كوكب الأرض ومناخه بمؤثرات كثيرة. ومن بين هذه المؤثرات غاز الكبريت، فما علاقة هذا الغاز بالمناخ العالميّ، وكيف يوضح دور المحيطات في تبريد درجات حرارة الأرض؟

هذان السؤالان محور مقالنا “كيف تعمل المحيطات على تبريد مناخ الأرض؟”، حيث نطرح علَى قرائنا الأعزاء دراسةً علميةً سوف تكشف كثيرًا عن أهمية المحيطات في حياتنا فوق كوكب الأرض؛ لذا تابعوا القراءة.

انبعاثات غاز الكبريت

في خطوة علمية مهمة سعى باحثون إسبانيون من معهد العلوم البحرية (ICM – CSIC) ومعهد بلاس كابريرا للكيمياء الفيزيائية (IQF – CSIC) إلى تسليط الضوء على وظيفة طبيعية جديدة من وظائف المحيطات، وهذا من خلال غاز تطلقه في الغلاف الجويّ، مما يساعد على الحد من الاحتباس الحراري، حيث وجدوا علاقةً بين المحيطات وتبريد المناخ، وهو الاكتشاف الذي حصل علَى دعم المجلس الأوروبيّ للبحث، ووزارة العلوم والابتكار الإسبانية.

كيف بدأت القصة؟ بدأت القصة في الماضي، حيث كان شائعًا أنَّ دور المحيطات منحصر في امتصاص أشعة الشمس، ثم إعادتها إلى الفضاء مرَّةً أخرى. وهذا الفهم التقليديّ الضيق واجهته النظرة العلمية الجديدة ذات الفهم الواسع؛ فقالت إنَّ للمحيط دورًا في تنظيم مناخ الأرض.

الميثانثيول جندي مجهول

منذ 40 عامًا -تقريبًا- ظل هذا الفهم التقليديّ سائدًا، قائلًا بأنَّ نوعًا من العوالق المسئولة عن الرائحة المميزة للمأكولات البحرية تنتج الكبريت في شكل غاز؛ هو الميثانثيول (غاز اكتُشف حديثًا في المحيطات القطبية)، الذي يتأكسد لحظةَ دخوله الغلافَ الجويّ، مُشَكِّلًا جزيئاتٍ صغيرةً تُسمى الأيروسولات.

تقوم هذه الأيروسولات بإعادة جزء من أشعة الشمس مرَّةً أخرى إلى الفضاء؛ مما يقلل من الحرارة التي يمكن أنْ تحيط بالأرض، إلَّا إنَّ الاكتشافَ الجديدَ يشير -وفق الدراسة المنشورة في مجلة Science Advances- إلى أنَّ جزيئات الأيروسولات تطير بين السُّحب، وحينئذٍ تتكاثف قطرات الماء داخلها؛ مما يجعل الأيروسولات مكافِحًا جيدًا للاحتباس الحراريّ عندما تعمل الأمطار علَى تبريد الغلاف الجويّ، وهذا يحدُّ -أيضًا- من معدلات ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وغيرهما من الغازات الدفيئة.

وعن هذا العنصر الذي كان مجهولًا يقول الدكتور/ شاريل وول -كان يعمل سابقًا في ICM CSIC، والآن يعمل في جامعة شرق أنجليا (UEA) بالمملكة المتحدة-: «هذا هو العنصر الطبيعيّ الذي يمتلك قدرةً علَى التبريد المناخيّ، ومع هذا لم نكن نعلم مقدارَ انبعاثه ومكانه في المحيطات، كما لم نكن نعلم أنَّ له تأثيرًا شديدًا في المناخ!».

المحيطات

نموذج مناخي

انطلاقًا مما سبق يأتي سؤال شديد الأهمية؛ هو: كيف اكتشف الباحثون تأثير الميثانثيول في المناخ؟ وتجيبكم حماة الأرض بأنهم جمعوا كل القياسات المتاحة لهذا المُركب الجديد، وأضافوا القياسات التي أجروها في المحيط الجنوبيّ، ثم ربطوها -إحصائيًّا- ببيانات درجات الحرارة التي التقطتها الأقمار الصناعية؛ حتى توصلوا إلى أنَّ الميثانثيول يزيد من انبعاثات الكبريت بنسبة مقدارها 25% من المتوسط ​​العالميّ السنويّ.

وتعليقًا على هذا النموذج المناخيّ قال الدكتور/ خوليان فيلاميور -الباحث فيIQF CSIC ، وأحد القائمين علَى الدراسة-: «قد لا يبدو ذلك كثيرًا، غير أنَّ الميثانثيول أكثر كفاءةً في الأكسدة، وناجح في تكوين الأيروسولات؛ ومِن ثَمَّ أصبح دوره المناخيّ أشد تأثيرًا».

خطوة نحو الاستدامة

يمكننا القول هنا إنَّ نماذج المناخ العالمية السابقة بالغت في تقدير الأشعة الشمسية التي تصل إلى المحيطات القطبية، وهذا راجع إلى عدم قدرتها علَى محاكاة السُّحب في المختبرات بصورة صحيحة؛ ولهذا فإنَّ الاكتشاف الجديد يسد -جزئيًّا- فجوةً معرفيةً قائمةً منذ سنوات.

وإذنْ، أصبح العلماء قادرين علَى تمثيل المناخ بشكل دقيق في النماذج العلمية المستخدمة للتنبؤ بارتفاع درجة الحرارة فوق 1.5 درجة مئوية؛ وهذا يسهم إسهامًا بالغًا في تطوير السياسات المناخية، ويكفل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بعدالة وشمولية بين جميع الدول.

وفي ختام مقالنا حول دور المحيطات في تبريد مناخ الأرض والحفاظ على صحتها -بمساعدة الميثانثيول- تجد حماة الأرض أنَّ العلم طريق لا بديل له إذا أردنا حياةً مستدامةً، وخاليةً من تأثير الاحتباس الحراريّ، وجميع التأثيرات المناخية. ولن يكون هذا الطريق مفتوحًا أمامنا إلَّا بالتعاون العالميّ بين جميع الأطراف المعنية؛ لأجل تنمية مستدامة وشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى