ما التنمية المستدامة؟
ما التنمية المستدامة؟
لفهم معنى التنمية المستدامة ينبغي أنْ نعرف أنَّ الاقتصادَ -علَى مدَى أجيال وأجيال- ظلَّ محركًا عالميَّا، حيث كانتِ المنفعةُ الماديةُ الإطارَ الوحيدَ الذي يمارس الإنسانُ من خلاله وجودَه في البيئة والمجتمع، دون النظر إلى العواقب والآثار السلبية التي تدمر البيئة وتحد من موارد المجتمع. وحينئذٍ، لم يستطعِ الاقتصادُ -منفردًا- إرضاء طموح العالم إلى غدٍ مشرق ومستقبل واعد؛ فاقتضتِ الضرورةُ أنْ ينظرَ الإنسانُ في بيئته وموارده، لتصبح تنميةُ هذا القطاع مسئوليةَ الجميعِ، جنبًا إلى جنب مع القطاع الاقتصادي.
مِن هنا، ظهرتِ التنمية المستدامة، التي تلبي احتياجات الحاضر دون التعرُّضِ لحقوق الأجيال القادمة في الاستفادة من البيئة ومواردها؛ ولذا أُضيفَ إلى البعد الاقتصادي بعدانِ جديدانِ، الأولُ: البيئة، والآخرُ: المجتمع.
وبخصوص هذه الأبعاد الثلاثة يمكننا القول: إنَّ البعدَ الاقتصاديَّ متمثلٌ في المبادئ التي تسعى إلى إيقاف تبديد موارد كوكب الأرض لأجل عمليات التصنيع التي لا تراعي هذه الخيرات الموجودة في الطبيعة، وهذا يشمل خفض معدلات استهلاك الطاقة، بالإضافة إلى اعتراف البلدان المتقدمة بأنها مسبب رئيسي في التلوث العالمي، والمساواة في توزيع الموارد.
وأمَّا عن البعد الاجتماعي، فيُرادُ به دعم خطط تثبيت نمو السكان في العالم كله؛ لأنَّ نموَّ السكان يؤدي إلى الإفراط في استعمال موارد البيئية، ثم بعد تثبيت عدد السكان يجب علينا استخدام الموارد البشرية بصورة كاملة وعادلة، وهذا يستلزم دعم قطاعَي الصحة والتعليم، وتمكين المرأة.
وثالث هذه الأبعاد وآخرها، هو البعد البيئي، الذي يُنظر إليه باعتباره قاطرةَ التنمية، ويجب علينا دعمه ودعم مشروعاته، وهذا من خلال المحافظة على الأراضي الزراعية والشجرية، ودعم مصايد الأسماك، ومعالجة المياه، وحماية المناخ من الاحتباس الحراري، ومكافحة آثار تغيرات المناخ في جميع بلدان العالم.
كانتْ هذه هي البدايةُ، حيث تناقص كثيرٌ مِن مصادر الطبيعة وتدهورت مواردها التي ظل الإنسانُ يسخرها بصورة غير مسئولة في العقود الأخيرة، خاصة مصادر المياه والطاقة والمواد الخام؛ والآنَ دقَّتِ المنظماتُ العالمية والهيئات الأممية جرس الإنذار، لتنبيه الإنسان بالأخطار البيئية التي تهدد وجوده وكوكب الأرض، مِن هواء ملوث، وانبعاثات غازية، وحرارة مرتفعة، وجليد ذائب في القطبينِ الشمالي والجنوبي، ومنسوب مياه البحار الذي أصبح مرتفعًا بوتيرة متسارعة، وفي النهاية كوارث الطبيعة.
هذه الأخطار مجتمِعةً استدعتْ بشكل عاجل تحرك الأمم المتحدة -وغيرها من الهيئات والمنظمات العالمية- لتبني تطبيق أهداف التنمية المستدامة؛ إذْ إنَّها تسعى إلى تحسين مستوى المعيشة بين شعوب العالم، مع المحافظة في الوقت نفسه علَى موارد الأرض، وفي سبيل هذا تستهدف عددًا من الأهداف المتعلقة بالموارد، مثل: المياه – الغذاء – الصحة.
ومجمل القول، هو أنَّ التنمية المستدامة استراتيجيةٌ مهمةٌ للحد مِن الفقر ومسبباته، وأيضًا لتغيير أنماط الإنتاج وأساليب الاستهلاك غير المستدامة، ولحماية الموارد الطبيعية، وإدارتها بصورة مسئولة، ولمنع تدهور الأرض، ولمواجهة تراجع التنوع البيولوجي، والتصدي لآثار التصحر، ولمكافحة تلوث المياه والهواء.
من هنا، تعتمد التنمية المستدامة على مجموعة مبادئ تسعى من خلالها إلى تحقيق توازن بين البُعدينِ الاجتماعي والبيئي وثالثهما الاقتصادي؛ ولتحقيق هذا التوازن الشامل بين أبعادها الثلاثة يجب أنْ تكون -أي التنمية المستدامة- متكاملةً وشاملةً، فلا ينبغي أنْ تعملَ هذه الأبعادُ الثلاثةُ بصورة منفصلة وعشوائية.
أيضًا، ينبغي أنْ تكون خطواتُ التنمية المستدامة متنوعةً وقادرةً علَى التكيف مع المعطيات كافةً، حيث إنَّ مبدأ التنوع وضرورة التكيف يساعدانِ علَى تخطي الأزمات المتعلقة بالتنوع البيولوجي بما في هذا التنوع الثقافي والآخر الاقتصادي؛ لأنه يجب على التنمية المستدامة أنْ تكون شاملةً لكل الاختلافات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات كلها.
وبناءً علَى ما سبق، فإنَّ التنمية المستدامة ذات هدف واضح وخُطة قائمة على أركان محددة، فكما قلنا: إنَّها استراتيجية قائمة على جوانب اجتماعية واقتصادية وبيئية، ويتضح من هذا كله أنَّ التنمية المستدامة -في الواقع- مفهومٌ يرتبط باستمرارِ الأفرادِ والمؤسسات في تلبية المتطلبات التنموية والبيئية، المتمثلة في حفظ التنوع الحيوي والنظم الإيكولوجية، واستدامة العَلاقة الإيجابية بين الإنسان والطبيعة.
وعلى الرغم من هذه الشمولية فإنَّ البعدَ البيئيَّ في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة أكثر الأبعاد أهميةً؛ لأنَّ كثيرًا من المشروعات تكون ذات آثار بيئية ضارة، وهذا عن طريق استغلال مواردها القابلة للنضوب، أو تلويث الهواء، وعدم تنفيذ المعايير البيئية التي أصبحت قانونًا يُحتكمُ إليه في منظمات العالم كله.
وفي الختام، يجب أنْ ندركَ أنَّ عمليةَ دمج الاعتبارات الاقتصادية بالاعتبارات البيئية طريقٌ سليمٌ لتحقيق التنمية، إضافةً إلى الأخذ بعين الاعتبار استخدام الطاقة المتجددة في المشروعات المختلفة للدولة؛ لنظافة هذه الطاقة، ولأنها محافِظة علَى البيئة.