من مُخلَّفات زراعيَّة إلى خرسانة خضراء وطاقة بديلة
بقلم أ.د. هناء يوسف غراب أستاذ الكيمياء الطبيعية التطبيقية كلية العلوم جامعة حلوان
من مُخلَّفات زراعيَّة إلى خرسانة خضراء وطاقة بديلة
أولًا: مقدمة:
يبلغ متوسط إجمالي كمية الخرسانة التي تصنع في بعض دول العالم حوالي 6,5 مليون طن، وهي مسؤولة عن انبعاث ما يقرب من 8% من غاز ثاني أكسيد الكربون، وما يترتب عليه من ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ؛ لذلك يتجه العالم إلى خفض بصمة الكربون في الخرسانة، وإيجاد حلول مناسبة.
يوجد العديد من الطرق الحديثة لخفض بصمة الكربون في الخرسانة مثل التكنولوجيا الحديثة لاحتواء الكربون Carbon capture technology، وهي إحدى الحلول التي تعتمد عليها الدول الأوروبية للتحول إلى دول متعادلة الكربون بحلول عام 2050.
من أحدث الطرق المقترحة التي ما زالت تخضع للمجال البحثي هي تصنيع الكلنكر عند درجات حرارة منخفضة لخفض البصمة البيئيَّة بنسبة حوالي 30%.
كما عرضت مصانع أسمنت أوروبية في عام 2020 تصنيع أسمنتات مخلوطة مثل CEM II/C-M وCEM IV تنخفض فيها نسبة الكلنكر إلى 50 و35% على التوالي، وتستكمل النسب بمواد إحلال؛ مثل: خبث الحديد المحبب granulated blast furnace slag و/ أو الحجر الجيري، أو المخلفات الزجاجية، أو أنواع الرماد التي يتم الحصول عليها من حرق المواد المختلفة؛ من أبرزها حرق الفحم في محطات توليد الكهرباء fly ash، أو الرماد الناتج من حرق الخشب أو المخلفات الزراعيَّة.
سوف تتناول هذه المقالة تعريف الرماد وخواصَّه، الناتج عن حرق أهم مخلفات المحاصيل الزراعية، وهي مخلفات محصول الأرز، التي تتمثَّل في قشر الأرز rice husk (صورة رقم 1) وقش الأرز straw rice (صورة رقم 2)، وهي معروفة بالأضرار البيئيَّة أثناء حرقها في المناطق المكشوفة (صورة رقم 3).
بالرغم من الأضرار البيئيَّة المعروفة للحرق المكشوف لمخلفات محصول الأرز، إلا أن حرقها بوسائل محكمة له فوائد جمَّة؛ فالطاقة الصادرة من الحرق كبيرة ويمكنها توليد كهرباء، والرماد المتبقي منها له خواص أسمنتيَّة فعَّالة، ويمكنه أن يحل محلَّ الكلنكر أو الأسمنت إحلالا جزئيًّا في المون والخرسانة؛ أي: إنه عندما يتم حرق هذه المخلفات تحت ظروف محكمة يستفاد من الطاقة الناتجة عن الاحتراق، وتُستغل خواص الرماد الأسمنتية في تصنيع الخرسانة الخضراء.
تعرف الخرسانة الخضراء بالخرسانة التي تحتوي على نسبة منخفضة من الكلنكر؛ للإقلال من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، الناتج عن حرق الحجر الجيري، والتي تستخدم على الأقل نوعًا واحدًا من مواد إحلال الأسمنت، وتكون ذات خواص هيدروليكية أو بوزولانية أو أسمنتية كامنة؛ أي: يمكنها أن تتفاعل مع هيدروكسيد الكالسيوم؛ لتكوين مركبات الأسمنت المائية، المسؤولة عن الخاصية اللَّاحمة للأسمنت، أو بمواد مالئة؛ مثل الحجر الجيري، غالبًا ما تكون مواد الإحلال من المخلفات الصناعية أو الزراعية المذكورة أعلاه.
صناعة الخرسانة الخضراء تؤدي إلى خفض نسبة الانبعاثات التي تضر البيئة أثناء حرق الحجر الجيري في مصانع الأسمنت، ولا بد أن يتم مراعاة احتفاظ الخرسانة بجودة الأداء والاستدامة.
ثانيًا: المُخلَّفات الزراعية لمحصول الأرز:
يمثِّل الأرز إحدى أهم الحبوب الغذائية بالنسبة لأكثر من نصف سكان العالم، وما يقارب خُمسَ هذه الشعوب تقوم بزراعته، وتساهم ج. م. ع. بزراعة ما يقرب من 0,6% من الإجمالي العالمي، وتقوم بزراعة حوالي 6 مليون طن، فهي تُمثِّل أكثر من 22% من إنتاج القارة الإفريقيَّة.
وتقوم حاليًّا مصانع الأسمنت بحرق بالات مخلَّفات الأرز في الفرن العالي؛ فتستفيد من طاقة الاحتراق الناتجة عن هذه المُخلَّفات، ومن الرماد صديق الكلنكر.
ولكن يمكن الحصول على الرماد منفردًا واستغلاله كمادة بديلة جزئيًّا للأسمنت في الخرسانة الخضراء.
وفيما يلي دراستان عن توصيف رماد قشر وقش الأرز، وسلوك الأسمنت الناتج عن إحلال الرماد محلَّ جزء من الأسمنت؛ لبيان مدى نجاحه في تصنيع الخرسانة الخضراء، كما تشمل المقالة نبذة عن استغلال الطاقة الناتجة عن حرق مُخلَّفات محصول الأرز في توليد الكهرباء.
2-1 قشر الأرز rice husk
2-1-1 مكونات قشر الأرز.
يتكوَّن قشر الأرز rice husk من 80% مواد عضوية، و20% رماد، عندما يتم الاحتراق التام للقشر في وفرة من الأكسجين، تصل نسبة السيليكا في الرماد إلى 97%.
وحيث إن السيليكا هي الأكسيد الرئيس الذي يتحكم في الخاصية الأسمنتية؛ فلذلك يصبح الرماد ذا قيمة أسمنتية عالية، كما أن مصدر السيليكا في القشر هي التربة؛ فعند زراعة الأرز يقوم النبات بامتصاص السيليكا من التربة، وتجميعها في تركيبه الدقيق.
وحيث إن السيليكا لا تتطاير عند الحرق؛ فلذلك تتركَّز في الرماد، وتُحوُّله إلى مادة ذات خاصية أسمنتية كامنة؛ أي: مادة يمكنها أن تتفاعل مع هيدروكسيد الكالسيوم؛ لتكون مركبات الأسمنت المتهدرتة، المسؤولة عن الخاصية الرابطة للأسمنت.
العناصر الثانوية الأخرى في الرماد هي: الألومنيوم، والحديد، والقلويات (صوديوم وبوتاسيوم) والماغنسيوم.
يلعب البوتاسيوم دورًا أساسيًّا في الحرق؛ فيتفاعل مع الكربون غير المحترق، ويكوِّن طبقة سوداء على الرماد، وهو تفاعل غير محبَّذ.
توضح الصورة رقم 4 أشكال الرماد في أطوار الحرق المختلفة، فيظهر باللون الأسود عندما يكون الاحتراق غير تام، وتظهر على طبقاته قشرة سوداء عند تفاعل البوتاسيوم مع الكربون غير المحترق، ويظهر باللون الرمادي وَفقًا لنسبة الكربون غير المحترق الموجود به، كما يظهر باللون الأبيض عند خلوه من الكربون، ويكون له أقوى الخواص الأسمنتية.
2-1-2 رماد قشر الأرز كمادة أسمنتية.
تعتمد صلادة الخرسانة الخضراء المصنعة من إحلال رماد قشر الأرز محل جزء من الأسمنت بدرجة كبيرة على خواص الرماد المستخدم ونعومته ومحتواه من السيليكا.
كما تتأثر هذه الخواص بدرجة حرارة الحرق وزمن ووسط الحرق، ومدى توفر الأكسجين اللازم لإتمام الاحتراق، وطرق الطحن.
كما سبق الذكر؛ فإن حرق قشر الأرز الغني بالبوتاسيوم يؤثر على تمام الاحتراق، ويكوِّن طبقة سوداء على الرماد، وكلما قلَّت نسبة البوتاسيوم كلما تحسَّنت ظروف الاحتراق وزاد نشاطه البوزولاني الأسمنتي، الذي يساهم في زيادة الخاصية الأسمنتية في المون والخرسانة، يتميز الرماد بالخاصية المسامية، وبارتفاع قيمة مساحة السطح.
وفي رسالة ماجستير أجريت في كلية العلوم جامعة حلوان، تم دراسة سلوك قشر الأرز الحراري معمليًّا لعينات تم الحصول عليها من محافظة الغربية، قد وجد أن أقصى فقدان في مكوناته بالحرق يحدث حتى 500م، وقد استدل على ذلك من القمتين اللَّتين ظهرتا في التحليل الحراري التفاضلي الموضح في شكل 1، واللَّتان تظهران عند درجة حرارة أقل من 500م.
تم غسل القشر للتخلص من البوتاسيوم وحرق الكميات اللازمة معمليًّا ببطئ عند درجة 700 درجة مئوية؛ لضمان تمام الاحتراق.
احتوى الرماد على حوالي 17% رماد من إجمالي القشر المستخدم، وتميز باللون الرمادي دلالة على ضعف نسبة الكربون غير المحترق، وعدم تأثره سلبيًّا بتفاعل البوتاسيوم؛ لانخفاض نسبته نتيجة الغسيل، وبلغت نسبة الكربون في الرماد 0,35%.
للتعرف إلى أثر الرماد على سلوك الأسمنت، تم إحلال الأسمنت بنسب حتى 20% من الرماد، وقياس مقاومة ضغط العجائن الناتجة، وجد أن قيم مقاومة ضغط المكعبات المحتوية على 10% رماد قد تحسنت بشكل ملحوظ كما هو موضح في شكل 3.
كما لوحظ أن الخلطة تحتاج إلى زيادة مياه الخلط في وجود الرماد (شكل 4)، وأن زمن الشك يطول في وجود 10% من الرماد (شكل 5).
أثبتت الدراسات أن خواصَّ الخرسانة الخضراء القائمة على إحلال جزء من الأسمنت برماد قشر الأرز، تتحسن بزيادة نعومته.
2-3 قش الأرز rice straw
2-3-1 مكونات قش الأرز
يتكون قش الأرز rice straw (الصورة رقم 5) من نفس نسب المواد العضوية والرماد المذكورة في القشر، وتقل فيه نسبة اللييجنين مقارنةً بنسبته في القشر، ونسبة السيليكا الموجودة في رماده أقل من نسبتها في قشر الأرز، وتبلغ حوالي 70% عند تمام الاحتراق.
العناصر الثانوية الأخرى هي مثل رماد قشر الأرز، وتتمثَّل في الألومنيوم والحديد والقلويات والماغنسيوم.
يلعب البوتاسيوم دورًا أساسيًّا أيضًا في الحرق؛ لتفاعله مع الكربون غير المحترق، وتكوين طبقة سوداء على الرماد، وخفض نشاطه البوزولاني.
تم التأكد من عدم وجود أملاح متبلرة أو مترسبة وأن العينة أمورفية نشطة بالتحليل بواسطة جهاز حيود الأشعة السينية المبين نتيجته في شكل 2، حيث تظهر قمة واحدة عريضة يطلق عليها «الهامب»، ولا تظهر أي قمم إضافية لمواد بلورية.
2-3-2 رماد قش الأرز كمادة أسمنتية
بدراسة السلوك الحراري معمليًّا لعينات من قش الأرز تم الحصول عليه من محافظة الشرقية، وجد أن أقصى فقدان في مكوناته يحدث بالحرق عند درجات حرارة أقل من قشر الأرز، ويتم عند حوالي 400م.
وفي دراسة ماجستير أجريت في كلية العلوم جامعة حلوان، تم حرق القش المفروم دون غسيل عند 500م.
بلغت نسبة الرماد الناتج 20% من إجمالي القش المستخدم.
تميز الرماد باللون الرمادي وتناثرت فيه حبيبات سوداء نتيجةَ عدم التخلص من البوتاسيوم بالغسيل (الصورة رقم 6).
ثبت من تحليل حيود الأشعة السينية لعينة الرماد المحروق الموضَّح في شكل6، وجود كربونات كالسيوم وكلوريد بوتاسيوم ورمل كواترز بوصفها مواد متبلرة إلى جانب الرماد النشط.
للتعرف على أثر الرماد على سلوك الأسمنت، تم احلال حتى 20% من الأسمنت بالرماد وقياس مقاومة الضغط. كما في حالة قشر الأرز، وجد أن مقاومة ضغط مكعبات العجائن المحتوية على 10% رماد تتحسن بشكل ملحوظ ، وأن الخلطة تحتاج إلى زيادة مياه الخلط في وجود الرماد. كما اثبتت الدراسات أن خواص الخرسانة الخضراء القائمة على احلال جزء من الأسمنت برماد قش الأرز تتحسن بزيادة نعومته.
2-4 قشر وقش الأرز كمصدر للطاقة
تبلغ نسبة المخلفات الزراعية الناتجة عن محصول الأرز حوالي 1: 1,25: ,25 أرز إلى قش إلى قشر على التوالي؛ فكل طن من محصول الأرز الذي يصدر عنه 290 كجم قشًّا، يمكنه أن يولد حتى 100 كيلووات /ساعة من الطاقة بقيمة حرارية 2400 كيلو كالوري/كجم.
وكل طن محصول الأرز ينتج حوالي 220 كجم قشرًا، يقوم كل طن من القشر بتوليد من 410 إلى 570 كيلووات/ ساعة من الكهرباء بقيمة حرارية 3000 كيلو كالوري /كجم.
وفي العموم: فإن حرق القش أسهل من حرق القشر؛ لانخفاض نسبة الليجنين بالقش.
تعدُّ الدانمارك رائدة في حرق القش واستغلاله ككتل بيولوجية للطاقة.
والخلاصة: فإنه من الممكن استخدام مخلَّفات محصول الأرز؛ لتوليد الطاقة بطريقة الـ gasification، واستغلال الغاز الصادر لتوليد ماكينات مثل ماكينات الطحن؛ لأنه يمد الموقع بطاقة كهربية، كما يمكن أن يستخدم البخار الناتج للتجفيف، ويقلل من استخدام وقود الفحم، وكذلك يستخدم الرماد كمادة أسمنتية تستعمل في صناعة الخرسانة الخضراء.
توضِّح الصور أرقام (7و8) مواقع استخدام القش لتوليد الطاقة، ويظهر في الصورة رقم 9 رسم كروكي لتحويل القشر إلى طاقة كهربية.
جدير بالذكر: أن كليات الهندسة بجمهورية مصر العربية بها متخصصون في توليد الطاقة من الكتل البيولوجية، ويمكن الاستعانة بهم لتجهيز محطات الطاقة، والتعاون مع أساتذة الأسمنت والخرسانة بكليات العلوم والهندسة؛ لاستخدام الرماد بوصفه مادة أسمنتية في الخرسانة الخضراء.
Paddy stubble bundles stored near a biomass power plant in Punjab. Photo by Manu Moudgil/Mongabay
مراجع:
1) Decarbonated concrete-projects and initiatives of some European countries Belgium LEILAC project.
2) Carbon-free concrete an ecological innovation made in France.
3) FAO Rice Market Monitor – November 2013.
4) H.Y. Ghorab, M. Rizk, F. ElDirs, A. M. Abdel Fatah: Egyptian rice husk ash as cement replacement material Cement Wapno Beton Vol.3, 2016, pp.167.
5) A. M. Abdel Fatah: Egyptian Rice husk ash as cement replacement material. M.Sc.Chemistry Department Faculty of Science Helwan University. 2017.
6) M. E. S. Ahmed: Studies on the utilization of some biomass ashes as supplementary cementitious materials. M.Sc. Chemistry Department Faculty of Science Helwan University. 2018.
7) H.Y. Ghorab, M. Rizk, A. S. Meawad, M. El Sayed: Reporting the performance of the rice straw ash as cement replacement material Cement Wapno Beton no 2, 2018, pp. 107-114
8) S.M., Hafele, Y. Konboon, W. Wongboon, S.Amarante ans A.A. Maarifat, E.M. Pfeiffer, Effects and fate of biochar from rice residues in rice-based systems. Field Crops Res. 121, 3, 2011, pp. 430-440.