علوم مستدامة

7 كوارث بيئية تهدد الأرض

7 كوارث بيئية تهدد الأرض

تتوالى الأزمات البيئية على كوكبنا مهددةً استدامته، حتى أصبحت جزءًا أساسيًّا من حياتنا اليومية، ولم نعد نراقب الأزمة من بعيد، بل نعيش تداعياتها في الهواء والماء والغذاء. وبين الاحتباس الحراري، والتلوث، وتدهور الموارد، تظهر سبع أزمات كبرى تُنذر بعواقب جسيمة، وتتطلب تحركًا فوريًّا يحفظ ما تبقّى من توازن الأرض.

من التغير المناخي إلى تلوث المحيطات وفقدان التنوع البيولوجي، تزداد التهديدات التي تواجه كوكبنا بشكل غير مسبوق، وفي هذا المقال، تستعرض حماة الأرض أخطر 7 كوارث بيئية تعيق استدامة الأرض، وتحلل علاقتها المباشرة بأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة في أجندتها لعام 2030؛ فتابعوا القراءة.

التغير المناخي

من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين هو التغير المناخي؛ فقد شهد العالم ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال العقود الماضية؛ مما أدى إلى تفاقم موجات الحر، وتكرار الجفاف، وزيادة شدة الفيضانات والأعاصير. ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن النشاط البشري، خاصة الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، هو العامل الرئيسي وراء هذه الظاهرة.

ومن الجدير بالذكر أن آثار التغير المناخي تتجاوز التغيرات المناخية فقط؛ إذ تؤثر بشكل مباشر في الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، خاصة في الدول النامية، كما أن انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية، وانتشار الأمراض المعدية، وتزايد أعداد النازحين بسبب الكوارث الطبيعية، كلّها أزمات مرتبطة بهذا التحدي. ويأتي هدف التنمية المستدامة رقم (13) “العمل المناخي” ليدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه المخاطر.

فالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، كالشمس والرياح، وتعديل أنماط الاستهلاك، والسعي نحو اقتصاد منخفض الكربون، جميعها خيارات ممكنة وضرورية، إن أردنا تفادي السيناريوهات المقلقة التي حذّرت منها الأمم المتحدة، ورغم خطورة المشهد فإن المفارقة تكمن في أن الحلول متاحة بالفعل، غير أن تطبيقها يواجه عقبات اقتصادية وتنموية.

ولأن مواجهة التغير المناخي أصبحت ضرورة، بدأت الدول تتسابق لتبنّي حلول عملية وقابلة للتنفيذ. وفي هذا السياق، جاءت استضافة مصر لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين لتغير المناخ (COP27) في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022، حيث سعت مصر إلى لعب دور محوري في دفع أجندة العمل المناخي العالمي، خاصة من منظور الدول النامية، وقد شكّل المؤتمر منصة جمعت بين صناع القرار والخبراء والمجتمع المدني لمناقشة الحلول العادلة والفعالة لمواجهة التحديات البيئية، مع التأكيد على ضرورة تمويل الانتقال الأخضر في إفريقيا والدول الفقيرة.

إزالة الغابات

ومن التهديدات أيضًا إزالة الغابات حيث إنها تؤثر بشكل مباشر في تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتهديد حياة المجتمعات الأصلية التي تعيش في الغابات، وتُعد غابات الأمازون مثالًا صارخًا على هذه الكارثة المتفاقمة، حيث تتعرض إلى دمار ممنهج لأغراض تجارية وزراعية، في وقت نحتاج فيه بشدة إلى كل شجرة للمساعدة على الحفاظ على توازن المناخ.

وتعتبر الأشجار خط الدفاع الأول ضد الاحتباس الحراري، فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتنتج الأوكسجين. ومع ذلك فإن إزالة ملايين الهكتارات من الغابات سنويًّا تقلل من هذه القدرة الطبيعية؛ مما يؤدي إلى زيادة تركّز الغازات الدفيئة في الجو ويُسرّع من تفاقم أزمة المناخ، وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن العالم يفقد ما يعادل ملعب كرة قدم من الغابات كل ست ثوانٍ، وهو ما يعكس حجم الكارثة التي يواجهها كوكبنا.

من هنا يظهر الرابط الواضح بين إزالة الغابات وأهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (15) “الحياة في البر”، الذي يدعو إلى حماية النظم الإيكولوجية الأرضية وإعادة تشجير المناطق المتضررة، ذلك الهدف الذي يتطلب تحقيقه شراكة عالمية حقيقية، بالإضافة إلى فرض سياسات صارمة لمحاسبة الشركات المتسببة في تدمير الغابات؛ لضمان حماية هذه الموارد الحيوية.

التلوث البيئي

وفي إطار التحديات البيئية المتزايدة، لا تقف المخاطر عند حدود إزالة الغابات فحسب، وإنما تمتد لتشمل أزمة لا تقل خطورة، وهي التلوث بجميع أنواعه؛ فوفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يتسبب تلوث الهواء وحده في أكثر من 7 ملايين حالة وفاة سنويًّا، متجاوزًا بذلك آثار العديد من الأمراض الوبائية.

ولا يتوقف الأمر عند الهواء؛ إذ تشير التقديرات التي نشرها موقع “جلوبال سيتيزن” إلى أن أكثر من 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية تُلقى في المحيطات كل عام، وهذا يشكل تهديدًا مباشرًا للحياة البحرية وصحة الإنسان، نظرًا لقدرة الجزيئات البلاستيكية الدقيقة على الدخول في السلسلة الغذائية.

وفي هذا السياق، ناقشت حماة الأرض في ملفٍ خاص لها بعنوان “البلاستيك.. صديق التنمية وعدو الاستدامة“، قضية «البلاستيك» عن طريق إبراز الدور الحيوي الذي يلعبه في حياتنا اليومية، مع تسليط الضوء على الجوانب السلبية وتأثيراتها وأشهر حلولها المتاحة للتعامل معها، فضلاً عن الفرص والتحديات التي تواجه هذه الصناعة مِن منظور أوسع.

ويبرز هنا الهدف (12) من أهداف التنمية المستدامة، “الاستهلاك والإنتاج المسئولان”، باعتباره من المفاتيح الأساسية لتغيير المسار؛ إذ يدعو إلى تقليل النفايات، واعتماد الاقتصاد الدائري، وتحسين كفاءة الموارد، إلا أن نجاح هذا التحول لا يعتمد فقط على السياسات أو التكنولوجيا، وإنما يتطلب في جوهره وعيًا مجتمعيًّا عميقًا، وإدراكًا جماعيًا بأن حماية البيئة تبدأ من السلوكيات اليومية.

فقدان التنوع البيولوجي

وما يفاقم الصورة أكثر هو ما يترتب على هذه الممارسات من خسائر لا تُعوض في التنوع البيولوجي؛ فالتلوث -إلى جانب إزالة الغابات والتوسع العمراني والصيد الجائر- يسهم في تسارع وتيرة انقراض الأنواع؛ ففي كل مرة تنقرض فيها فصيلة نباتية أو حيوانية، نفقد جزءًا لا يُقدّر بثمن من التراث البيئي العالمي؛ فالتنوع البيولوجي هو صمّام الأمان للأنظمة البيئية، وهو الضامن الأساسي للأمن الغذائي والدوائي والمائي.

لا يقتصر تراجع التنوع البيولوجي على الحيوانات الكبيرة فحسب، وإنما يشمل الحشرات والنباتات التي تمثل الأساس الحيوي لسلسلة الغذاء. هذا التدهور الصامت في الكائنات الدقيقة يؤثر بشكل مباشر في استقرار الأنظمة البيئية، ويقود إلى اختلالات متراكمة قد تنعكس في النهاية على حياة الإنسان ذاته. وقد أطلقت المنظمة العالمية للمحافظة على الطبيعة (WWF) تحذيرًا شديد اللهجة، مشيرة إلى أن العالم فقد نحو 69% من أعداد الكائنات البرية خلال العقود الخمسة الماضية، وهي نسبة تعكس حجم التهديد الذي يواجه التوازن الطبيعي على كوكب الأرض.

وفي هذا الإطار، جاءت استضافة العاصمة الإيطالية روما في عام 2024 لمؤتمر التنوع البيولوجي (COP16) باعتبارها خطوة مهمة على طريق حماية الإرث البيئي العالمي؛ فقد اجتمع ممثلو الدول والمنظمات المعنية لمتابعة تنفيذ “إطار كونمينغ–مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي”، الذي يسعى إلى حماية 30% من كوكب الأرض بحلول عام 2030. وشهد المؤتمر نقاشات معمقة عن سبل تعزيز التمويل المخصص لحماية التنوع الحيوي، وتأكيد ضرورة إشراك المجتمعات المحلية في تلك الجهود.

مناطق المحيطات الميتة

ومع الخروج من اليابسة إلى أعماق المحيطات، تظهر تحديات أخرى لا تقل خطورة، أبرزها ما يُعرف بمناطق المحيطات الميتة، وهي مناطق ينخفض فيها الأوكسجين إلى مستويات لا تسمح باستمرار الحياة البحرية، وغالبًا ما تنشأ هذه المناطق نتيجة لتصريف الأسمدة والمواد الكيميائية من الأراضي الزراعية إلى الأنهار ثم إلى البحار.
ومن هنا يكتسب الهدف (14) من أهداف التنمية المستدامة “الحياة تحت الماء” أهمية مضاعفة؛ إذ يدعو إلى صون النظم البحرية ووقف تدهورها، وتبقى المشكلة الكبرى في استمرار تعامل بعض الدول مع البحار باعتبارها مكبَ نفايات، وهو ما يتطلب تغييرات جذرية في السياسات البيئية والزراعية والصناعية على حد سواء.

ومع أن هذه المناطق الميتة تمثل أحد أوجه التهديد للحياة البحرية نتيجة التلوث القادم من اليابسة، فإن الخطر لا يقتصر على ما يُلقى في البحار، وإنما يمتد أيضًا إلى ما يُنتزع منها؛ فالبحر لم يسلم من أيدٍ امتدت إليه بلا حدود، تستنزف ثرواته يومًا بعد يوم، مستخدمة أدوات وأساليب صيد مدمرة تهدد توازن النظام البيئي برمّته.

الصيد الجائر

ومن تلك التهديدات الصيد الجائر باستخدام أدوات وأساليب مدمرة، الذي أدى إلى تراجع مخزون الأسماك بشكل مقلق، وهدد أنواعًا بأكملها بالانقراض، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن أكثر من 34% من مخزون الأسماك العالمي يتم صيده بطريقة غير مستدامة.

إن انهيار نظم الصيد لا يؤثر فقط في صحة البيئة البحرية، وإنما ينعكس أيضًا على سبل العيش للملايين من البشر، وخاصة في المجتمعات الساحلية الفقيرة التي تعتمد بشكل رئيسي على هذه الثروة الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير الأنظمة البحرية يسبب اختلالًا في السلسلة الغذائية للمحيطات؛ مما يؤثر بشكل مباشر في التوازن البيئي. ومن هنا تبرز أهمية تبني ممارسات “الصيد المستدام” التي تهدف إلى إعادة التوازن إلى هذه النظم.

الانفجار السكاني

أما التهديد السابع فهو الزيادة المستمرة في عدد سكان العالم، الذي تجاوز 8 مليارات نسمة، تلك الزيادة التي تضع ضغوطًا غير مسبوقة على الموارد الطبيعية؛ فمع ازدياد عدد الناس، يزداد الطلب على الأراضي، والمياه، والطاقة؛ مما يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وتدمير المساحات الخضراء.

غير أن المعضلة لا تكمن فقط في أعداد البشر، وإنما في كيفية إدارة هذا النمو؛ ففي الوقت الذي يُهدر فيه ثلث الغذاء عالميًّا، يعاني ملايين البشر من الجوع، وتتسع الفجوة بين وفرة الموارد وسوء توزيعها. كما يؤدي التوسع العمراني غير المخطط إلى تفاقم مشكلات التلوث وتراجع قدرة المدن على مواجهة آثار التغير المناخي.
وهنا يتقاطع هذا التحدي مع الهدف (11) “مدن ومجتمعات محلية مستدامة”، الذي يدعو إلى بناء مدن قادرة على الصمود، من خلال تخطيط ذكي، وبنية تحتية صديقة للبيئة. وفي هذا الإطار، تبذل مصر جهودًا متقدمة في التعامل مع قضية السكان، وذلك من خلال برامج تستهدف تحسين الخصائص السكانية كالتعليم والرعاية الصحية وتمكين المرأة، إلى جانب سعيها إلى تحقيق تنمية عمرانية متوازنة ضمن “رؤية مصر 2030”.

من خلال ما طُرح في هذا المقال ترى حماة الأرض أن التحديات البيئية التي نواجهها تتطلب جهودًا منسقة وعاجلة من الجميع؛ فنحن أمام مفترق طرق، إما أن نتحرك الآن لحماية كوكبنا، أو نواجه تبعات لا تحمد عقباها؛ ومن هنا فإن تحمّل المسئولية المشتركة واتخاذ خطوات فعّالة نحو استدامة البيئة هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أكثر صحة وأمانًا لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى