الاستدامة والقانون

اتفاقية بازل للتَحكُّمِ في نقلِ النُّفاياتِ الخَطِرَةِ عبرَ الحُدود … ما لَها ومَا عَليها

اتفاقيَّةُ بازل للتَحكُّمِ في نقلِ النُّفاياتِ الخَطِرَةِ عبرَ الحُدود … ما لَها ومَا عَليها

اتفاقية بازل للتَحكُّمِ في نقلِ النُّفاياتِ الخَطِرَةِ عبرَ الحُدود…ما لَها ومَا عَليها

اتفاقية بازل هيَ مُعاهدَةٌ دوليَّة، تَمَّ تَوقيعُها في عامِ 1989؛ وذلكَ بهدفِ منْعِ عمليَّاتِ نقلِ النفاياتِ الخطرَةِ مِنَ البُلدانِ المتقدِّمةِ إلى البلدانِ النَّاميَة، وقد وقَّعَتْ على المُعاهدةِ 187 دولة. وتُعتبرُ اتفاقية بازل والمَعنيَّةُ بالرِّقابةِ على نقلِ النفاياتِ عبرَ الحُدودِ والتخلُّصِ منها الاتفاقيَّةَ الأكثرَ شُمولًا؛ نظرًا لأنَّها اتفاقيَّةٌ بِيئيةٌ عالميةٌ بشأنِ كلِّ ما يتعلَّقُ بالنقلِ والتداوُلِ والتخلُّصِ مِنَ الموادِّ والنفاياتِ الخَطرة.

يومًا بعدَ يوم، تَزدادُ مُعدلاتُ تَولُّدِ النفاياتِ الخطرةِ وغيرِ الخطرة، بمَا في ذلكَ النفاياتُ المنزليَّة، وهو الأمرُ الذي يترتَّبُ عليهِ آثارٌ سلبيَّةٌ كبيرةٌ على البِيئةِ وصحةِ الإنسانِ والكائناتِ الحَيَّةِ الأخرى. تَهْدُفُ اتفاقية بازل إلى حمايةِ صحةِ الإنسانِ والبيئةِ ضدَّ الآثارِ الضارَّةِ الناتجةِ عنْ عمليَّاتِ التولُّدِ والنقلِ والتخلُّصِ مِنَ الموادِّ والنفاياتِ الخَطِرَة.

في الغَالِب، فإنَّ مُعظمَ الأشياءِ التي يُنظَرُ إليها كنفاياتٍ في العالمِ المُتقدِّمِ يُمكنُ أنْ تكونَ موادَّ خامٍ ذاتَ قِيمَة؛ ومِنْ ثَمَّ يُمكنُ إعادةُ تدويرِها وإعادةُ استخدامِها في مكانٍ آخر، حيثُ إنَّ دورةَ حياةِ النفاياتِ لا تَنتهي عِندَما يتمُّ التخلُّصُ منها، كمَا أنَّ الأرباحَ التي قد تَنتجُ عن إعادةِ تدويرِها واستخدامِها جعلَتِ البُلدانَ الناميةَ مَقصدًا رئيسيًّا لكميَّاتٍ كبيرةٍ مِنَ النفايات.

مَا لَهَا

معَ تزايُدِ المَخاوِفِ الدوليَّةِ بشأنِ صحةِ الإنسانِ والبيئةِ نتيجةَ عدمِ وُجودِ إطارٍ قانونيٍّ رسميٍّ مُتفَقٍ عليه لإدارةِ المُخلفاتِ الخطِرة؛ تَمَّ التفاوُضُ على اتفاقية بازل بشأنِ التحكُّمِ في نقلِ النفاياتِ الخطرةِ والتخلُّصِ منها عبرَ الحدودِ في عامِ 1989 وتَمَّ التصديقُ عليها في النهايةِ عام 1992.

وعلى الرَّغمِ أنَّ الاتفاقيةَ لا تَفرضُ حظرًا كاملًا على نقلِ الموادِّ الخطرةِ بينَ الحُدود، إلَّا إنَّها تَهدفُ بشكلٍ صريحٍ إلى تقليلِ توليدِ النفاياتِ الخطرة، وتعزيزِ الإدارةِ الصديقةِ للبيئةِ لهذهِ النفاياتِ أينَما يتمُّ التخلُّصُ منها. كما تَهدفُ إلى تنظيمِ وضمانِ التقليلِ منْ نقلِ النفاياتِ عبرَ الحدودِ إلى الحدِّ الأَدنى، كما تهدفُ إلى ضمانِ اتخاذِ الإجراءاتِ المناسِبةِ عندَ نقلِ النفايات؛ للحفاظِ على صحةِ الإنسانِ والبيئةِ في البلدِ المستوردِ قدرَ الإمكان.

الفوائدُ مِنْ تنفيذِ الاتفاقيةِ على نِطاقٍ واسعِ الانتشار هيَ في المَقامِ الأوَّلِ حمايةُ صحَّةِ الإنسانِ والبِيئة، بالإضافةِ إلى تحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامة، والحدِّ مِنَ الفقر، حيثُ تُنظِّمُ الاتفاقيةُ عمليَّاتِ نقلِ النفاياتِ الخطرةِ العابرةِ للحدودِ وغيرها، وتلزمُ الأطرافَ المُشارِكةَ في ذلكَ بمجموعةٍ مِنَ الإجراءَات؛ لضمانِ إدارةِ النفاياتِ والتخلُّصِ منها بطريقةٍ سليمةٍ بيئيًّا.

مِنَ المُهِمِّ أيضًا أن نُنَوِّهَ إلى أنَّ اتفاقية بازل قدْ تَمَّ تَعديلُها مُؤخرًا لصالحِ البلدانِ الناميةِ منْ خلالِ تنظيمٍ أفضلَ لنفاياتِ البلاستيك؛ لضمانِ إدارةٍ أكثرَ أمانًا لصحةِ الإنسانِ والبيئة، ففي عام 2019، اعتُمِدَتِ التعديلاتُ على المرفقِ الثاني والثامنِ والتاسعِ للاتفاقية؛ بهدفِ تعزيزِ التحكُّمِ في نقلِ النفاياتِ البلاستيكيةِ عبرَ الحدودِ وتوضيحِ نطاقِ الاتفاقيةِ منْ حيثُ انطباقِها على هذهِ النفايات.

ولكنْ بسببِ الافتقارِ إلى اللوائحِ البِيئية، وقلةِ الوعيِ العام، ونقصِ المعرفةِ بالآثارِ الصحية، فإنَّ البلدانَ الناميةَ تَتبع طريقةً منخفضةَ التكلفةِ نسبيًّا للتخلصِ من النفايات؛ ممَّا يَجعلُها هدفًا جذَّابًا للعديدِ من البلدانِ المتقدمةِ لتصديرِ نفاياتِها إليها.

مَا عَلَيْهَا

عندَ قِراءةِ بُنودِ الاتفاقيَّة، يجبُ أن ندرُسَ بعنايةِ الألفاظِ واللغةِ المستخدَمةِ لتحديدِ القُيودِ والقواعدِ التي يجبُ على مُصدِّري النفاياتِ اتباعُها. عندَ التأمُّلِ في العَديدِ مِنَ العباراتِ والألفاظِ سنَجِدُ أنَّ اللغةَ الغامِضةَ التي كُتِبَتْ بِها بعضُ البنودِ سَمحَتْ للمصدرِينَ بالعُثورِ على الثَّغَراتِ في اتفاقية بازل ومُواصلةِ تصديرِ النفاياتِ السامَّةِ إلى البلدانِ الناميةِ بشكلٍ قانونيٍّ كامِل.

وبسببِ الافتقارِ إلى التوحيدِ في تعريفاتِ المُصطلحاتِ مثل: «الخطرة» و»النفايات»، تُتركُ المُتطلباتُ ليتمَّ تحديدُها منْ قِبلِ كلِّ طرفٍ حسْبَ مَا يُريد، وهذا يُعطي المصدرينَ المُرونةَ للاستمرارِ في تصديرِ النفاياتِ إلى البلدانِ الناميةِ بحُجَّةٍ أنَّها «سِلَع»، وبهذهِ الطريقةِ ينتهي الأمرُ بالمزيدِ مِنَ النفاياتِ السامَّةِ في البلدانِ الناميةِ حيثُ يتمُّ التقاطُها مِنْ قِبلِ العمَّالِ المحليين، ممَّا يؤثرُ على صحةِ البيئةِ المحيطةِ بهم.

كمَا ذكرْنا سابقًا، فإنَّ الكثيرَ ممَّا يُسمَّى بـ «النفايات» قد يَكونُ له قِيمةٌ في مكانٍ آخرَ سواءً في إعادةِ استخدامِه أوْ إعادةِ تدويرِه، لذلك، يُسمحُ للمصدرينَ بشحنِ نفاياتِهم إلى البُلدانِ الناميةِ تحتَ بندٍ أنَّهُ يَتمُّ إرسالُها هناكَ لإعادةِ تدويرِها بدلًا من إغراقِها، ولكنَّنا في حقيقةِ الأمرِ يُمكنُ أن نَطلقَ على ذلك إعادةَ التدوير «الصورية» وهي طريقةٌ أخرى لتداوُلِ النفاياتِ الخطرةِ بشكلٍ قانوني، فحتَّى عندَما يتمُّ إعادةُ تدويرِ تلك النفايات، تَفتقرُ العديدُ مِنَ البلدانِ الناميةِ إلى المرافقِ والتكنولوجيا للتخلُّصِ الآمنِ مِنَ الموادِّ السامَّةِ الناتجة؛ ممَّا يُؤدي مرةً أخرى إلى آثارٍ ضارةٍ على صحةِ الإنسانِ والبيئة.

الحجمُ السياسيُّ وتأثيرُهُ على نهجِ الاتفاقيَّة

مِنَ المُهمِّ أيضًا مُلاحظةُ أنَّ غالبيَّةَ تلكَ البلدانِ الناميةِ والمُنظماتِ البيئيةِ غيرِ الحكوميَّةِ صوَّتَتْ لحظرٍ كاملٍ على نقلِ النفاياتِ الخطرةِ بينَما فضَّلَتِ البلدانُ المتقدِّمةُ نهجًا أكثرَ مُرونَة، ونظرًا لأنَّ الدُّولَ الأكثرَ ثراءً تاريخيًّا تَتمتَّعُ بجاذبيَّةٍ سياسيَّةٍ أكبر، فقد صدرَ القرارُ لصالحِها، تاركًا البلدانَ الناميةَ للتعامُلِ معَ المشاكلِ التي تَنشأُ عَنِ النفاياتِ الخطرةِ التي يتمُّ شحنُها إلى شواطئِها بينما يَستمرُ المُصدرونَ في العُثورِ على ثغراتٍ في النِّظَام.

وبينَما وَقَّعَتِ الولاياتُ المتحدةُ على اتفاقيةِ بازل، فإنَّها لمْ تُصدِّقْ عليها، وهذا يَعني أنَّ ثالثَ أكبرِ مُنتجٍ للنفاياتِ في العالمِ غيرُ مُلزمٍ بقواعدِ الاتفاقيةِ وأهدافِها لمُحاولةِ تقليلِ ومنعِ تصديرِ النفاياتِ الخطرةِ مِنَ البلدانِ المتقدمةِ إلى البلدانِ الناميَة.

يُثيرُ هذا الأمرُ المَخَاوفَ منْ أنَّ الولاياتِ المتحدةَ تُعطي الأَوْلَويةَ بشكلٍ غيرِ أخلاقيٍّ للقدرةِ على التخلصِ من نفاياتِها السامَّةِ بأقلِّ تكلفةٍ ممكنةٍ على الآثارِ التي ستترتبُ على المجتمعِ والبيئةِ في البلدِ المستورد. إذا لمْ تَلتزمْ الولاياتُ المتحدةُ باتفاقيةِ وُضعَتْ خصيصًا لحمايةِ البلدانِ النامية، فقد لا يكونُ تأثيرُ هذهِ الاتفاقيَّةِ بالقدرِ المَطلوب، وبالإضافةِ إلى ذلك، يمكنُ أن تُشجعَ الدولُ المتقدمةُ الأخرى على تبنِّي نفسِ المنهجيَّة.

وبينما يُمكنُ القولُ أنَّ البلدانَ الناميةَ المستوردةَ للنفاياتِ تَعتمدُ على استيرادِ النفاياتِ وإعادةِ تدويرِها كمصدرٍ للدخل، فإنَّ الفوائدَ الماليةَ قصيرةُ الأجلِ لا يَنبغي أن تَفوقَ التكاليفَ طويلةَ الأجلِ التي قد يتحمَّلُها المجتمعُ والبِيئة.

المرونةُ الزائدةُ وغيابُ الإلزام

تتلخَّصُ أوجهُ القصورِ في اتفاقية بازل في التأثيرِ غيرِ العادلِ الذي تتمتَّعُ بهِ البلدانُ المتقدِّمةُ على البلدانِ النامية، أضفْ إلى ذلكَ تغليبَ المصلحةِ الخاصةِ لدَى العديدِ من البلدانِ المتقدمةِ على مستقبلِ ومصلحةِ العديدِ مِنَ الدُّولِ الفقيرة، بالإضافةِ إلى غيابِ الوعيِ بالنتائجِ الخطيرةِ التي تترتبُ على استقبالِ هذه الدولِ لهذهِ الكمياتِ الكبيرةِ مِنَ النفايات.

علاوةً على ذلك، فإنَّ السماحَ بالمرونةِ في بنودِ وعباراتِ اتفاقية بازل يشجعُ المصدرينَ على إيجادِ ثَغراتٍ في بنودِ الاتفاقية، ممَّا يسمحُ لهم بتصديرِ النفاياتِ الخطرةِ إلى البلدانِ الناميةِ بشكلٍ قانوني، ممَّا يتعارضُ معَ الأهدافِ النبيلةِ لهذهِ الاتفاقية، أضِفْ إلى ذلكَ حقيقةَ أنَّ الولايات المتحدة -وهي واحدةٌ من أكبرِ منتجي النفايات- هي الدولةُ الصناعيةُ الوحيدةُ التي لم تصدقُ على اتفاقية بازل، وهو الأمرُ الذي من شأنِه تَقْوِيضُ الاتفاقيةِ إلى حدٍّ كبير.

وفي الخِتام، فإنَّ اتفاقية بازل تَعتمدُ على مُواءمةِ سياساتِ البُلدانِ معَ الأهدافِ الأوسعِ للاتفاقيَّة، فضلًا عنْ قُدراتِ البلدانِ على تنفيذِ السياساتِ ذاتِ الصلةِ التي من شأنِها أن تُساعدَها على تحقيقِ أهدافِ اتفاقية بازل. وفي حينِ أنَّ الاتفاقيةَ هي خُطوةٌ في الاتجاهِ الصحيح، لا سِيَّما فيما يَتعلَّقُ بالتنسيقِ بينَ الأطرافِ بشكلٍ رسمي، إلَّا إنَّ تَرْكَ الدُّولِ الأعضاءَ بمُفردِها لِتَنفيذِ بُنودِ الاتفاقيَّةِ يُقلِّلُ منْ فعاليَّاتِها الإجمالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى