بقلم الاستدامة.. مصطلح “الكارثة الطبيعية”، هل يجب أنْ نتوقف عن استخدامه؟
بقلم الاستدامة.. مصطلح “الكارثة الطبيعية”، هل يجب أنْ نتوقف عن استخدامه؟
عندما نفكر في مصطلح “الكارثة الطبيعية”، فإننا نفكر في الأحداث المروعة التي حدثت، سواء على الصعيد الإقليمي أم العالمي، مثل: إعصار كاترينا، زلزال تسونامي في المحيط الهندي، حرائق الغابات في أستراليا، وغيرها مِن الظواهر التي كانت في بادئ الأمر ظواهرَ طبيعيةً، ثم انتهى بها المطاف بخسائر فادحة في الأرواح وتكاليف باهظة تقدر بمليارات الدولارات؛ ومِن ثَمَّ تحولتْ مِن مُسَمَّى “ظاهرة طبيعية” إلى “الكارثة الطبيعية”.
لطالما اسْتُخْدِمَ مصطلحُ “الكارثة الطبيعية” مِن قِبل العلماء ووسائل الإعلام والسياسيين في مناقشة كثير مِن الأحداث العالمية المدمرة، وبالرغم مِن هذا احتاجتْ بعضُ العوامل -مثل تغير المناخ، وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية- إلى إعادة النظر في هذا المصطلح.
ولكن السؤال هنا، هل تحولت هذه الكوارث -بدرجة كافية- إلى كوارث غير “طبيعية”؟ وهل هذه القضية مهمة بهذا القدر، بحيث يتوجب علينا مناقشتها؟
أهمية دلالة المصطلح
إنَّ الطريقةَ التي نسمي بها الأحداثَ -خصوصًا الأحداث العالمية- سببٌ في تغيُّر تعاطينا مع هذه الأحداث واستيعابنا لأسبابها وحجمها. ومِن الأمثلة على هذا، استخدام مصطلح “لاجئو المناخ”، حيث إنَّ استخدامَ كلمة “لاجئ” -باعتباره وصفًا للأشخاص النازحين بسبب تغير المناخ- قد يُفهم منه أنَّ وضعهم قابلٌ للتبدل بطريقة ما، وأنَّ نزوحهم هذا مؤقتٌ، على الرغم مِن كونه أمرًا مُسْتَبْعَدًا.
لا يمكن عكس ارتفاع مستوى سطح البحر، كما أنَّ درجات الحرارة المتزايدة لا تنخفض؛ لذا فإنَّ مصطلح “لاجئو المناخ” -الذي تستخدمه على نطاق واسع منظماتٌ مثل الأمم المتحدة- يوحي إلى العالَمِ بأنَّ الظروفَ التي تسببت في نزوح هؤلاء الأشخاص ليست دائمةً، وهو أمرٌ قد يغير مِن الطريقة التي يتم التعامل بها مع هؤلاء النازحين.
ومِن هذا المنطلق، يجب علينا إعادة تعريف مصطلح “كارثة طبيعية”، حيث يترتب على استخدامه مجموعة مِن الآثار والمبررات وردود الأفعال.
لا يشكك أحدٌ في أنَّ “الكوارث الطبيعية” كلها ذات مكون طبيعي بطبيعة الحال، فالكارثة الطبيعية الناتجة عن إعصار مدمر هي في الأساس ظاهرة طبيعية لحركة الهواء، والكارثة الطبيعية الناتجة عن الزلزال هي في الأساس ظاهرة طبيعية ناتجة عن تَحَرُّكِ طبقات الأرض؛ ولكن الأمر هنا أنَّ بعض هذه الظواهر الطبيعية تحولت إلى كوارث بسبب تدخل العامل البشري.
على سبيل المثال، تصبح الأعاصيرُ أشدَّ تدميرًا بسبب إطلاق العنان لكثير مِن الشركات في بناء العقارات على طول السواحل المعرضة للأعاصير؛ وبالتالي تكون النتائجُ كارثيةً، ويتحول الأمرُ إلى “كارثة طبيعية”. مثالٌ آخرُ، هو الزلازل التي تكون تأثيراتها أشد، بسبب تهالك البنية التحتية في كثير مِن المناطق، أو بسبب عدم مراعاة المواصفات القياسية في البناء؛ ومِن ثَمَّ تكون التأثيراتُ -عند حدوث الزلازل- كارثيةً، ويتحول وصف الحدث إلى “كارثة طبيعية”.
تغير المناخ أيضًا -وما يصحبه من ظواهر منبعها في الأساس النشاط البشري- يؤدي إلى حدوث “الكارثة الطبيعية”، مثل: الفيضانات، وحرائق الغابات، وغيرها. لكن المصطلح هنا أيضًا يقف عاجزًا عن أنْ يعبر عن الإسهامات البشرية في هذه الكوارث.
العنصر البشري المتخفي
ربما يكون التوصلُ إلى مصطلح يأخذ بعين الاعتبار هذا العنصر البشري في الكوارث أمرًا معقدًا، فلا يوجد بديل مثالي لمصطلح “الكوارث الطبيعية”، وبالرغم من هذا -ونظرًا إلى أنَّ تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم شدة هذه الظواهر- فمن المهم أنْ يعرف الجميعُ أنَّ هذه الأحداث متعلقةٌ -بشكل أساسي- بالاحْتِرَارِ العالمي وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وأنها ليستْ سلوكًا طبيعيًّا مِن سلوكيات كوكب الأرض فحسب.
كل ما سبق يطرح كثيرًا مِن الأسئلة، مثل: هل يفسر كلُّ العالَمِ مصطلحَ “كارثة طبيعية” بالطريقة نفسها؟ وهل سيكون استبدال هذا المصطلح مفيدًا؟ وهل الاستمرار في تسمية هذه الأحداث بـ”الطبيعية” أمرٌ سيقلل مِن الشعور بالمسئولية تجاه بذل مزيد مِن الجهود؛ للحد مِن تغيُّر المناخ؟
بالنسبة إلى كثير مِن الناس، يشير مصطلح “كارثة طبيعية” إلى أزمة محددة، أو حدث إنساني واحد، مثل إعصار كاترينا، ومؤخرًا زلزال تركيا وسوريا؛ وبالتالي يتم التفاعل مع كل كارثة بوصفها حدثًا منفصلًا، حيث تُقَدَّمُ بعضُ مساعداتٍ، دون وجود أي رؤية شاملة للمشهد، أو دون التزام حقيقي نحو إحداث أي تغيير؛ فبينما نتجاهلُ مشكلةً أساسيةً كبرى إذَا بِنَا نُوجِّه تركيزنا إلى أحداث فرعية صغرى.
إنَّ إعادةَ صياغةِ مصطلح “الكوارث الطبيعية” سيعتمد -بشكل كبير- على الوسط الذي يُتَدَاوَلُ فيه هذا المصطلح، وربما ليس علماءُ المناخ والعلوم الأرضية والمهتمُّون بالشئون البيئية والمناخية في حاجة إلى هذا؛ بسبب إدراكهم الحقيقي للمعنى والسبب وراء هذه الكوارث، ولكنَّ الأمرَ يصبح ضرورةً مُلِحَّةً عند استخدام المصطلح على ألسنة وسائل الإعلام وفي النقاشات السياسية، وغيرها.
ولكن يبقى السؤال، ما المصطلحُ القادرُ علَى إحداث تغيير حقيقي في فهمنا وتعاطينا مع “الكارثة الطبيعية”؟ نترك لكم الإجابة.