خطى مستدامة

تمكين الشباب المصري.. استراتيجية الدولة المصرية لبناء جيل قادر على التغيير

تمكين الشباب

تمكين الشباب المصري.. استراتيجية الدولة المصرية لبناء جيل قادر على التغيير

يشكّل الشباب النسبة الكبرى من السكان في مصر، ويُنظر إليهم باعتبارهم القلب النابض لأي عملية تنموية تسعى إلى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. وانطلاقًا من هذا الوعي، تتبنى الدولة المصرية استراتيجيات طموحة تستهدف تمكينهم على جميع المستويات؛ إيمانًا منها بأن الاستثمار في الشباب هو استثمار في المستقبل.

وتتوزع هذه الجهود بين تطوير التعليم، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وتوسيع فرص المشاركة الاقتصادية والاجتماعية، ولا تكتفي الدولة المصرية بإشراك الشباب في برامج التنمية، بل تسعى إلى منحهم الأدوات والفرص لقيادة مسارات التغيير بأنفسهم؛ ليصبح دورهم فعالًا في عملية التغيير.

وفي إطار رصد جهود الدولة المصرية في تمكين الشباب، نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا حديثًا عن هذا الأمر، أكد فيه أن هذه الفئة تمثّل قوة دافعة لا غنى عنها لتحقيق “رؤية مصر 2030″، والإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث يعد تمكين الشباب من المحاور الرئيسية لتحقيق تنمية شاملة تراعي العدالة وتعزز التنافسية وتدعم المشاركة المجتمعية.

تمكين الشباب وأبعاده في مصر

أشار التقرير إلى أن مفهوم تمكين الشباب في مصر يقوم على رؤية متكاملة تشمل أبعادًا متعددة، أبرزها التمكين الاقتصادي من خلال دعم فرص العمل اللائق والمستدام، والتمكين التعليمي عبر تطوير التعليم الفني والتكنولوجي، إلى جانب التمكين الاجتماعي الذي يعزز دور الشباب في الحياة العامة، والتمكين السياسي الذي يفتح أمامهم آفاق المشاركة في صنع القرار.

وتوقف التقرير عند بعض الملامح العامة لهذه الرؤية، متناولًا مداخل التطبيق العملي التي اعتمدتها الدولة في أرض الواقع، من دعم ريادة الأعمال وتوفير التدريب، إلى بناء بيئة رقمية مواتية للتطور. وهي جهود سنتناولها في السطور التالية؛ لفهم كيف تحوَّلت تلك الرؤية إلى برامج تنفيذية تستهدف الاستثمار في طاقات الشباب وتأهيلهم لأدوار محورية في المستقبل.

أهمية الاستثمار في رأس المال البشري

تشير البيانات الرسمية إلى أن الفئة العمرية من 15 إلى 29 عامًا تمثل نحو 25.5% من إجمالي عدد السكان في مصر، وهي نسبة كبيرة تجعل من تمكين هذه الفئة أولوية وطنية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية؛ ولذلك تركز الدولة على تزويد الشباب بالأدوات التي تؤهلهم لمواجهة متطلبات العصر، سواء عبر التعليم أو التدريب أو تسهيل الوصول إلى مصادر الدعم والتمويل.

ولأن الشباب هم وقود التنمية، فإن جهود الدولة في تمكينهم تمتد لتشمل بناء مهاراتهم التكنولوجية والمعرفية، وتيسير اندماجهم في البيئة الرقمية والمالية الحديثة؛ إذ إن هذه المنهجية المتكاملة تمهد الطريق لإعداد شباب أكثر وعيًا وكفاءة، قادرين على المنافسة والإسهام في النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.

التعليم الفني خطوة أولى نحو المستقبل

وفي هذا السياق، لم يعد التعليم الأكاديمي التقليدي كافيًا وحده لمواكبة تغيرات سوق العمل؛ ولذا تبنّت الدولة توجهًا استراتيجيًّا نحو تطوير التعليم الفني والتكنولوجي، باعتباره من المسارات الرئيسية لتأهيل الشباب، وقد شهد هذا المجال طفرة ملحوظة شملت تحديث المناهج، وإدخال تخصصات مبتكرة، مثل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي.

وبلغ عدد الطلاب المقيدين بالتعليم الفني نحو 2.2 مليون طالب في العام الدراسي 2023/2024، بنسبة زيادة تجاوزت 14% مقارنة بعام 2018/2019، كما ارتفع عدد المسجلين في الجامعات التكنولوجية بنسبة 68.2%، وزاد عدد مراكز التدريب المهني إلى 773 مركزًا، وهذا التوجه يعكس إدراكًا حقيقيًّا لحاجة السوق إلى مهارات عملية، ويؤكد اهتمام الدولة بصياغة مستقبل مهني آمن لجيل الشباب.

وفي هذا السياق، أوضح تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن الدولة المصرية تبذل جهودًا حثيثة لتعزيز دور الشباب في الاقتصاد، من خلال توفير بيئة داعمة للابتكار، إلى جانب تنفيذ مبادرات لرفع الوعي الرقمي، مثل مبادرة “بكرة ديجيتال“، التي تهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية بين الشباب المصري.

كما أشار التقرير إلى أن مصر تقدمت 70 مركزًا في مؤشر التعليم التقني والتدريب المهني -الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- بين عامَي 2017 و2024؛ وهو ما يعكس نجاح الدولة المصرية في تطوير منظومة التعليم الفني والتدريب المهني لتأهيل الشباب لسوق العمل.

دعم الشباب في ريادة الأعمال

ومع تغير ملامح سوق العمل وازدياد المنافسة على الوظائف التقليدية، اتجه كثير من الشباب نحو توفير فرصهم بأنفسهم، من خلال تأسيس مشروعات صغيرة أو الانخراط في منظومة الاقتصاد غير التقليدي، وقد أصبحت ريادة الأعمال خيارًا واقعيًّا وواعدًا، يتطلب دعمًا مؤسسيًّا وتمويليًّا لضمان استمراريته وتحقيق أثره.

وفي إطار مواكبة هذا التحول، كان للحكومة دورًا محوريًّا من خلال مجموعة من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومن أبرز هذه المبادرات برنامج “مشروعك”، الذي أسهم في توفير أكثر من 1.7 مليون فرصة عمل، إضافة إلى مبادرة “ابدأ” التي تركز على تقديم الدعم للمشروعات الناشئة؛ مما يساعد على تحفيز الابتكار، ودعم أصحاب الأفكار الطموحة.

الاستقلال الاقتصادي للشباب

وفي ظل التغيرات المتسارعة في عالم الاقتصاد الرقمي، أصبح تمكين الشباب من إدارة شئونهم المالية شرطًا أساسيًّا لتعزيز استقلالهم وتوسيع فرصهم؛ ومن هنا حرصت الدولة المصرية على تيسير وصول الشباب إلى الخدمات المالية ضمن برامج الشمول المالي، مثل فتح الحسابات البنكية بسهولة، وتوفير منصات إلكترونية للتمويل، وتطوير حلول الدفع الرقمي التي تواكب أسلوب حياتهم.

وقد أسهمت هذه الجهود في رفع نسبة الشباب الذين يمتلكون حسابات مالية إلى 51.7% حتى يونيو 2024، ويأتي هذا ضمن استراتيجية شاملة لتمكين الأفراد من المشاركة الفعالة في الدورة الاقتصادية، وبهذا يصبح الشباب أكثر قدرة على إدارة أموالهم، وتمويل مشروعاتهم، والتخطيط لمستقبلهم.

دور الشباب في صنع القرار

ولا يكتمل تمكين الشباب إلا بمنحهم الفرصة للمشاركة الفعالة في صنع القرار، سواء على المستوى السياسي أو المجتمعي؛ ومن أجل ذلك تعمل الدولة على إشراك الشباب في المنتديات الوطنية، والمجالس الاستشارية، والمبادرات المجتمعية؛ لتعزيز دورهم في رسم سياسات المستقبل، وإعدادهم ليكونوا قادة قادرين على مواجهة التحديات.

وتتجسد هذه المشاركة -بالتوازي مع التمكين الاقتصادي والاجتماعي- باعتبارها من الركائز الأساسية التي تسعى الدولة المصرية إلى تعزيزها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ إذ يُعتبر الشباب هم المحرك الرئيسي في تحقيق هذه الأهداف، خاصة في مجالات التعليم، والعمل اللائق، والمساواة بين الجنسين، والحد من الفقر.

ومن هذا المنطلق، تُثمّن حماة الأرض الجهود التي تبذلها الدولة المصرية في تمكين الشباب، ودعم مشاركتهم الفعّالة في جميع المجالات، وتشيد بالخطوات المتقدمة في توسيع فرص التعليم والتدريب، وتؤكد أهمية استمرار هذه الجهود وتعزيزها، بما يسهم في تمكين الشباب؛ ليكونوا قادة المستقبل وقوة دافعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى