الأرز المعدل وراثيا..مفتاح معالجة نقص الغذاء الناجم عن تغير المناخ
الهندسة الوراثية ودورها في زيادة تحمل الأرز للملوحة والحرارة
الأرز المعدل وراثيا.. مفتاح معالجة نقص الغذاء الناجم عن تغير المناخ
وفقًا للباحثين في “جامعة شيفيلد”، فإنَّ تقليل عدد المَسَامِّ (Stomata) في نبات الأرز (الأرز المعدل وراثيا) سيجعله أكثر تحملًا للمياه المالحة؛ وبالتالي التمكن من زراعته في أماكن جديدة لم تكن مُمْكِنَةً من قبل.
مع ارتفاع مستوى سطح البحر أصبحت المياه المالحة تصل إلى أماكن لم تكن لتصل إليها من قبل؛ مما يتسبب في زيادة تضرر المحاصيل، إلا إنَّ العلماءَ في جامعة شيفيلد اكتشفوا منذ سنوات أنَّ الأرز الذي يحتوي على عدد أقل من المَسَامِّ يكون أكثر مُقَاوَمَةً للجفاف، حيث يحتاج إلى مياه أقل بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ومؤخرًا، اكتشف علماء الجامعة أنَّ النوعَ نفسه قادرٌ على النمو في ظروف مرتفعة الملوحة.
ولمِنْ لا يعلم، فَالمَسَامُّ في أنواع النباتات المختلفة عبارةٌ عن فُتْحَاتٍ دقيقة جدًّا، توجد فوق السطح الخارجي لأوراق النبات، تحديدًا في الجانب السفلي من الورقة؛ وذلك لتجنب أشعة الشمس المباشرة. تسمح هذه المَسَامُّ أو الثغورُ بعملية تبادل الغازات -مثل بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون- بين النبات والهواء الجوي.
أمن الغذاء العالمي والأرز المعدل وراثيا
يمكن القول: إنَّ الأرزَ أهم محصول غذائي على وجه الأرض، حيث يعتمد عليه ما يقارب الـ 3.5 مليار شخص كل يوم في نظامهم الغذائي، إلا إنه يستهلك ما يصل إلى 30 في المائة من إمدادات المياه العذبة في العالم لزراعته.
توصل بحث جديد من جامعة شيفيلد إلى أنَّ هندسةَ الأرز وراثيًّا -من أجل الحصول على تَحَمُّلٍ أفضل للملوحة- يمكن أن تسمح له بالنمو في الأماكن التي كان من السابق محكوم عليها بالفشل.
مع ارتفاع مستوى سطح البحر -نتيجة لتغير المناخ- يكافح العديدُ من البلدان حول العالَمِ زَحْفَ الكمياتِ الضخمة من المياه المالحة، التي تتدفَّق من البحر إلى داخل المدن الساحلية؛ مدمرةً تلك المحاصيل التي لا يمكنها تحمل النسب المرتفعة من الملوحة.
يعتبر الأرز من أكثر المحاصيل تضررًا من ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر. وكما أشرنا، فإنَّ الأرز أهم أنواع الكربوهيدرات على وجه الأرض، لكن أصبحت زراعة الأرز في بلدان مثل فيتنام أكثر صعوبةً؛ نظرًا للزحف المستمر لمياه البحر. ومع هذا، كشفتِ النتائجُ التي توصل إليها “معهد الغذاء المستدام” التابع لجامعة شيفيلد أن الأرز المعدل وراثيا لتقليل عدد المسام يمكنه أن يكون أكثر مُقَاوَمَةً للملوحة بشكل كبير.
تكييف الأرز مع التغيرات المناخية
المَسَامُّ (Stomata) عبارةٌ عن فُتْحَاتٍ تمتلكها معظم النباتات، لتنظم عملية امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وبالتبعية عملية التمثيل الضوئي، بالإضافة إلى إطلاق بخار الماء إلى الهواء الجوي. قبل عدة سنوات كشف علماء شيفيلد أنَّ تقليلَ عدد وحجم مَسَامِّ نباتات الأرز قد مَكَّنَ من استخدام مياه أقل بنسبة 60 في المائة، مما يجعل هذا النوع من الأرز المعدل وراثيا خيارًا واعدًا للغاية في الأماكن المُعَرَّضَةِ بشكل أكبر للجفاف.
هذه النتائجُ التي نُشِرَتْ في دورية “New Phytologist” العلمية، تعني أنه يمكن للأرز التكيف للبقاء على قيد الحياة في البيئات التي أصبحت أكثر قسوةً بسبب تغير المناخ، مما قد يساعد بشكل كبير على معالجة مشكلة انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.
ولكن على جانبٍ آخرَ، اكتشف الباحثون أيضًا أنَّ تقليل عدد وحجم المَسَامِّ يمكن أن يجعل زراعة الأرز أكثر صعوبةً في درجات الحرارة الشديدة؛ لذا يجب إجراء عدد من التعديلات المختلفة باستخدام الهندسة الوراثية قبل الزراعة، وهذا للتأكد مِن أنَّ الأرز المعدل وراثيا سيحقق الأهداف المرجوة وفقًا لطبيعة ومناخ كل بلد؛ فعلَى سبيل المثال، الأرز الذي يحتوي على مَسَام أقل وأكبر يمكن أن يكون أكثر ملاءمةً للنمو في درجات الحرارة الشديدة.
وقال الدكتور “روبرت كين” من كلية العلوم البيولوجية بجامعة شيفيلد، والمؤلف الرئيسي للدراسة: «يعتبر الأرز محصولًا غذائيًّا مهمًّا للغاية، يأكله أكثر من نصف سكان العالم يوميًّا. سيلعب تغير المناخ دورًا أساسيًّا في التأثير علَى الأمن الغذائي للعدد المتزايد من سكان العالم، والذي من المتوقع أن يصل إلى 10 مليارات نسمة في غضون 60 عامًا».
وأضاف: «تكشف النتائج التي توصلنا إليها كيف يمكن تعديل الأرز وراثيا، لينمو بأكبر قدر ممكن من الفاعلية في مختلف المناخات، حيث يمكن لأصناف الأرز المعدل وراثيا التي تحتوي على مسام أقل أنْ تعيش بمياه أقل وفي أماكن بها مياه مالحة. وفي الوقت نفسه، فإنَّ أصنافَ الأرز الطبيعية التي تحتوي على مسام أقل وأكبر قادرةٌ على الازدهار في درجات الحرارة الشديدة».
وأخيرًا، درس الباحثون من جامعة شيفيلد، والذين يعملون جنبًا إلى جنب مع “المعهد العالي لبحوث التكنولوجيا الزراعية” (HATRI) في فيتنام، 72 نوعًا من أنواع الأرز، ما بين الأنواع الطبيعية والمعدلة وراثيًّا. والآن، يخطط الفريق البحثي لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم صنع أصناف من الأرز القصير(Dwarf rice)، تتميز بأعلى إنتاجية للمحصول، بالإضافة إلى مقاومة الحرارة بشكل أعلى.